لمعت موهبته منذ الطفولة، طورها بالدراسة الأكاديمية، واستطاع أن يحجز لنفسه مكانة خاصة في غناء الطرب الأصيل وإحياء الأغاني التراثية منطلقاً من مسرح دار الأوبرا إلى العالم، وساعياً لتقديم نفسه للجمهور بأغانٍ خاصة تشكل امتداداً لروح الأصالة.

ولد المطرب "سومر نجار" في حي سيف الدولة بحلب، ويقيم في "دمشق" منذ ثلاثة وعشرين عاماً، وحول موهبته يقول لـ"مدونة الموسيقا": «بدأت موهبتي الموسيقية منذ كنت في الرابعة من العمر مع الغناء والعزف على آلة الطبلة (الدربكة) الإيقاعية الشرقية بتشجيع من أهلي وتطورت بالتدريج وتعززت بالدراسة الأكاديمية، حيث درست في المعهد العربي للموسيقا في "حلب" لمدة ست سنوات وتخرجت منه، ثم تابعت دراستي في المعهد العالي للموسيقا وتخرجت منه عام 2009 قسم الغناء الشرقين وأعتقد أن الدراسة الأكاديمية تضيف للمغني بحيث يمتلك أدواته أكثر وتتفتح عيونه على العلوم الموسيقية ويصبح قارئاً ومحللاً للأعمال الموسيقية بشكل مختلف».

فِي الوِجدَانِ

يميل المطرب "سومر نجار" للغناء الطربي وعنه يقول: «يستهويني اللحن الذكي والكلمة الهادفة، تلامسني كل أغنية تحمل الكلمات العميقة والألحان العذبة، وفي الوقت الحاضر هناك عدة ألوان غنائية سائدة لا يلغي أحدها الآخر، الكلمة واللحن الجميلان يعيشان لوقت أطول فهناك أغنيات عمرها عشرات السنوات لا تزال تسمع حتى اليوم، وعندما أقدمها على مسرح دار الأوبرا ألمس محبة وتفاعل الجمهور معها لأنها تعيش في وجدانهم، وهناك بعض المنابر أو وسائل التواصل الاجتماعي التي تروج لموجة معينة من الغناء يحبها البعض، لكن في النهاية الساحة تتسع للجميع، وأؤمن أنه لا يصح إلا الصحيح والغناء الأصيل يتسم بديمومة أطول في كل زمان ومكان».

1- المطرب سومر نجار

مَحَطَّاتٌ مُهِمَّةٌ

2- الفنان سومر نجار في إحدى حفلاته مع عازف العود كنان ادناوي وعازف الإيقاع محمد شحادة

ويصرح "نجار" لـ"مدونة الموسيقا" أن المشاركة في برامج المواهب ليس ضمن خريطة تفكيره في الوقت الحاضر لأنه تجاوز هذه المرحلة في بداياته مع محطة مهمة في برنامج "طريق النجوم" عام 1993 والذي حصل فيه على المركز الأول في الغناء، ولم تكن هذه المحطة الأولى بالنسبة له فقد سبقتها انطلاقته الإعلامية الأولى في برنامج "مواهب" عبر إذاعة "دمشق" والذي ضم لجنة التحكيم من نخبة المؤلفين والملحنين أمثال "عبد الفتاح سكر"، "نجيب السراج"، "عدنان أبو الشامات"، "عبد السلام سفر" وغيرهم، وكانت المشاركة امتحاناً صعباً بالنسبة له آنذاك.

ويوضح "نجار" الذي عين بصفة مغنٍ وموسيقي بدار الأوبرا منذ عام 2016 علاقته بمسرح دار الأوبرا فيقول: «علاقتي به علاقة عشق، أحبه جداً وهو يشكل قيمته كبيرة جداً بالنسبة لي وأتمنى أن أقدم أكثر من حفل خلال العام الواحد، وأن يتم تسهيل إقامة الحفلات وأن تحظى بالرعاية والدعم من قبل جهات رسمية وثقافية».

الفُرصَةُ المُنتَظَرَةُ

حول دور الإنتاج في نجاح الأغنية يقول: «يلعب الإنتاج دوراً كبيراً في الترويج والتسويق للأغنية، وأحياناً تنتج بعض الشركات أعمالاً غير جيدة، فكثافة الإنتاج ليست معياراً لجودة الأغنية، وفي مرحلة من المراحل قدمت لي عروضاً إنتاجية لكنها لم تكن على المستوى المطلوب ولم تحاكي طموحي الذي أحاول تحقيقه على صعيد الأغنية الجادة الملتزمة، وأخذت منحى تجاري فاعتذرت عنها بانتظار الفرصة الأفضل للعمل على سوية أعلى في مجال الجودة الفنية، وأتمنى التعاون مع شركة منتجة قريبة من مشروعي الذي يصب في إنتاج موسيقا تليق بذائقة الجمهور وتدوم لوقت طويل».

مَسؤُولِيَّةٌ وَمُتعَةٌ

يعمل المطرب "سومر نجار" أستاذاً للغناء الشرقي في معهد "صلحي الوادي" للموسيقا منذ عام 2009 ورئيساً لقسم الغناء الشرقي فيه وحول تجربته يقول: «التدريس بحد ذاته مسؤولية في تقديم معلومة جيدة وحقيقية تحمل مضمون هادف، وعلى المدرس التحضير بشكل جيد ليكون مستعداً لأسئلة الطلاب، وأشعر من خلال التدريس بالمسؤولية والمتعة معاً وأضيف من خلاله لذاتي وأطور مهاراتي عبر تبسيط المعلومة للطالب ومواءمتها مع إمكانيات كل طالب عبر تدريبه على عمل مناسب لصوته، ومن المهم أن يحاول المدرس تطوير إمكانيات الطلاب الصوتية وذائقتهم الفنية، وتعريفهم بتفاصيل العمل من ناحية المقام، الإيقاع، اللحن، المؤلف لكل عمل غنائي».

صُعُوبَاتٌ إِنتَاجِيَّةٌ

وعن أهمية الأغنيات الخاصة لكل فنان يقول: «من المهم للفنان أن يقدم أغاني خاصة به يتمتع من خلالها بشخصية مميزة عن غيره، وعندما يرددها الجمهور يذكر اسمه بالتحديد، وأتمنى أن أصل لهذه المرحلة، لكن حل هذا الأمر ليس بيدي فاليوم يحتاج إنتاج عمل فني لملايين من ناحية الكلمة، اللحن، التوزيع والتنفيذ الموسيقي والتسويق والإعلان ولا يكفي عملاً أو اثنين بل يجب أن تكون هناك ديمومة واستمرارية ليبقى الفنان حاضراً بجديده مع الجمهور وأدعو من خلال منبركم كل المهتمين بالموسيقا لتأسيس شركات إنتاج فني موسيقي».

مُشكِلَةُ صِنَاعَةِ الأُغنِيَةِ

وحول التحديات التي تواجهه كمطرب شاب يقول: «لدينا مشكلة في صناعة الأغنية خصوصاً في "سورية" فلا توجد شركات إنتاج خاصة تصنع الموسيقا والغناء كما توجد في الدراما، بل هناك محاولات فردية تتم على حساب المطرب الخاص، وهذا أمر مرهق ويحتاج لوجود جهات راعية وشركات إنتاج في القطاعين العام والخاص تضمن استمراره، وبالتالي تحقيق قيمة فنية وإيرادات مادية، وأتمنى أن تتواجد في الوقت القريب شركات إنتاج لها حضورها القوي تهتم بالأصوات السورية والأغنية المحلية، وأن يُفعَّل قانون حماية الملكية والحقوق المحفوظة بشكل عملي وأن نلمسه على أرض الواقع لتشجيعها. لا تنقصنا الإمكانيات لدينا شعراء، كتاب، مطربون، وموزعون، وأفضل الموسيقيين ونحتاج فقط لموضوع التمويل الذي يمكن أن يصنع أغنية واثنين وعشراً وبالتالي يفرز هذا الكم نوعاً ويعطي بدوره هوية مع الوقت، فالتراكم الإنتاجي لا شك سيترك أثراً».

حُضُورٌ درَامِيٌّ

شارك "نجار" بمسلسل "الثريا" عام 1996 وقدم نفسه من خلال دور كتبه له بشكل خاص الكاتب "نهاد سيريس" وقدمته كمطرب وموسيقي وممثل وعن جديده في الدراما يقول: «ألعب دور المطرب فؤاد في مسلسل "باب الحارة" بجزئيه الحادي عشر والثاني عشر وهو مطرب في مقهى "باب الحارة" ويستمع أبطال العمل لصوته بشكل يومي وهي شخصية بسيطة لمطرب يمتلك صوتاً وحضوراً محببين، والنص للكاتب "مروان قاووق" وإخراج "محمد زهير رجب" وإنتاج شركة "قبنض"، وقدمت من خلاله أغنيات طربية فلكلورية تعيش في وجدان وذاكرة المتابع، كما قمت بأداء شارة مسلسل "بيت جدي" الجزء الأول من كلمات الشاعر "حسين حمزة" وألحان الفنان "رضوان نصري"، ووظفت صوتي في عدة تجارب ومشاهد درامية لعدة شخصيات منها مع المايسترو "رعد خلف" في مسلسل "أسمهان"، "محمد علي مشرفة"، "ليلى مراد"، "عرب لندن"».

ويبين استعداده للمشاركة في الدراما إذا اتيحت له فرصة تقديم شخصية مطرب وموسيقي مرتبطة بشكل منطقي مع باقي الشخصيات لأنه يحب الدراما والأغنية التي تحكي قصة لأنها على حد قوله تعمر لوقت أطول.

جَدِيدُهُ فِي الغِنَاءِ

حول الحفل الذي قدمه مؤخراً على مسرح دار الأوبرا بعنوان: "عربي مودرن" مع نخبة من الموسيقيين يقول "نجار": «قدمنا فيه مجموعة من الأغنيات بقالب التانغو والفلامينكو والملاغينيا والقوالب الغربية، وقدمنا ما يناظرها بالموسيقا الشرقية العربية مثل "يا زهرة في خيالي" لـ"فريد الأطرش"، أغنية "يا مسافر وحدك" للموسيقار "محمد عبد الوهاب" والموشحات المعاصرة ومحاكاة للموسيقا الكلاسيكية للمؤلف المصري "فؤاد عبد المجيد"، موشحي "يا من نشا حبه في الحشا" و"أعجبني غزال"، ونص صوفي للإمام "السهروردي" "أبداً تحن إليكم الأرواح"، ووضعت عليه مجموعة من المقامات الشرقية ليكون فيه حوارية وتناغم بينه وبين الموسيقا من خلال بعض الارتجالات، وحالياً بصدد تحضير عمل خاص بي».

تَوَازُنٌ بَينَ الأَغَانِي التُّرَاثِيَّةِ وَالخَاصَّةِ

ولدى سؤالنا له حول أيهما الأهم إحياء التراث أم تقديم الأغاني الخاصة أجاب "نجار": «تكمن الأهمية بغناء الاثنين معاً لأن تقديم التراث فيه متعة خصوصاً التراث اللامادي مثل الموشحات، القدود، الأغنيات الفلكلورية، هو هويتنا وتراثنا ونقدمه من وقت للآخر بشكل أنيق ومدروس، وأحاول في حفلاتي بدار الأوبرا تقديم الأغاني التراثية لأن في ذلك توثيق وإعادة إحياء الغناء الجميل وألاحظ التفاعل مع هذا النوع من الغناء السهل الممتنع الذي يحوي أصالة وعذوبة وشجن، لذلك نقدمه لغاية اليوم ويشكل حالة من المتعة لدى المستمع، وتقديمه لا يتعارض مع تقديم أغنيات خاصة تكون امتداد لهذا اللون، ومن الأغاني الخاصة التي قدمتها قصيدة "ألا تشعرين" من ألحان أخي "أحمد سعادة نجار" رحمه الله، وهي توليفة بين نصين شعريين للشاعرية "سميح القاسم" و"محمود درويش"، وأغنية "شهبا يا نور عيوني" أطلقتها من مسرح "دار الأوبرا"، كلمات الشاعر "صفوح شغالة" وألحان "جورج مارديروسيان"، وتوزيع "أنس نقشي"، وفي أحد الأمسيات قدم لي الفنان "حسام تحسين بيك" أغنية خاصة بعنوان "تعالي" وبكل أمسية أحاول تقديم عمل جديد وخاص ينسجم مع روح الحفل وأسعى دوماً لتحقيق التوازن».

ويوضح "نجار" أن النهوض بالواقع الموسيقي الحالي هو مشروع جماعي يتحمل فيه المسؤولية كل من الفنان، الملحن، الموزع، الموسيقي، ووسائل الإعلام بأنواعها ويجب تظافر الجهود وأن يكون هناك مشروع وطني تتبناه جهات رسمية وتبذل جهدها لإنجاحه من خلال تشكيل فرق موسيقية، لجان متخصصة، استقطاب شعراء موزعين وملحنين، انتقاء النصوص وإعطاء الفرص لكل الكوادر للتجربة لأن التنافس الفني يخلق مناخ صحي بين الفنان وآخر ليقدم أفضل ما لديه، يكون هناك إنتاج محلي وميزانية ترصد لهذا الغرض لتمويل هذه المشاريع وتنفيذها وبثها والترويج لها، ويكون ذلك من خلال تأمين الإنتاج والتمويل عبر شركات إنتاجية متخصصة بإنتاج موسيقي وغنائي، أسوة ببقية الدول العربية والخليجية.

رَأيٌ مُوسِيقِيٌّ

من جهته المايسترو "كمال سكيكر" يقول: «المطرب "سومر نجار" صديق العمر ورفيق اللحظات الجميلة، أعرفه منذ أن كان طالباً في المعهد العالي، هو شخصية طموحة دائماً يسعى لتطوير نفسه ولزيادة موسوعته السمعية، وهو من حفظة التراث العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص، على الصعيد الشخصي هو شريكي الدائم بالحفلات وشريك النجاحات التي نحصدها معاً سواءً بدار الأوبرا أو غيرها من المسارح وهو مغنٍ جيد جداً ومريح بالتعامل».

نشير إلى أن المطرب "سومر النجار" عضو في نقابة الفنانين منذ عام 2002.