تعيد مدونة الموسيقا، وفي إطار محاولتها لحفظ الذاكرة الموسيقية السورية، ولملمة المبعثر والمتناثر منها، إحياء ونشر العديد من المواد المنشورة منذ أعوام على مدونة وطن eSyria مدعمة بفيديوهات صورها فريق عمل المدونة آنذاك، ولم تنشر لأسباب فنية.
لأن أولاده من جيل لا يهوى إلا الصخب، ولأنهم تعلموا أن يحيوا أفراحهم على صوت (الأورغ) كانوا يتضايقون من (زمّارة) والدهم على حد قولهم، فيهجر الوالد بيته قاصداً غرفة والده العتيقة المتطرفة، ليعيش لحظات هي أشبه بماض يعيشه اللحظة.
هو "أحمد حسين عجوب" الملقب بـ "أبي محمد" فلاح من أهالي "سلمية" والمولود فيها عام /1950/م.
موقع eSyria زاره في منزله الواقع في "السعن" القبلي، أحد أحياء "سلمية" المحدثة على أطرافها الجنوبية.
عن طفولته، وكيف شدّه (المجوز) يقول: «كنت طفلاً لا تستطيع أصابعي أن تجمع ثقوب المجوز معاً، فصرت استعمل فرداً من (الزمر) لأتعلم، وفي سن العاشرة أصبحت قادراً على العزف بقطعتي المجوز لكن اللحن أو النغمة في المجوز تحتاج (للغبق) أي التواصل في العزف والمحافظة على التنفس بدون انقطاع اللحن، وكان لي ابن عم يستطيع فعل ذلك فكان ينفخ هو وأنا كنت أعزف اللحن بأصابعي حتى تعلمت (الغبق) وأصبحت أجيد العزف على (مجوز الزمر) وانطلقت من الأنشطة المدرسية من مسرحيات للأفراح الشعبية التي كنا نقوم بها بإشراف أستاذ الموسيقا المرحوم "يوسف الادلبي" والاحتفالات بالمناسبات الوطنية».
هكذا أخبرنا عن معاناة البداية كما كان يسمى بزمانه شاعر (المجوز) في الرقصات الشعبية (الدبكة) في ساحات الأعراس في مدينة "سلمية" وقراها وباديتها، وعن سؤالنا ما الذي دفعه وهو صغير للاهتمام بهذه الموسيقا أو هذا الفن من الفنون يقول: «إنها البيئة والطبيعة الريفية والعادات الاجتماعية السائدة أثناءها من نمط الأعراس والمناسبات السعيدة مثل (ختم حفظ القرآن الكريم) للأطفال وكذلك الختانة "الطهور"، بالإضافة إلى أن والدي كان شاعر (مجوز) وأتذكر في بداية الوعي كنت أنظر إليه وهو يعزف بالبيت ولا أتمنى أن يتوقف عن ذلك، فقد كان صوت المجوز يعشش في نفسي وروحي منذ الرابعة من العمر، وفي المرحلة الابتدائية، وعندما أكون في الأرض حيث أرعى ما لدينا من أغنام. كان يأتيني صوت المجوز من بعيد حيث كان الهدوء، وكانت الأعراس قديماً تدوم سبعة أيام بلياليها، فكانت أنغامه أنيسي وجليسي في تلك الأوقات، ولا أعرف كيف يمضي الوقت كي أذهب وأرافق شاعر المجوز، متابعاً كل حركة يقوم بها، كيف ينقل أصابعه من مكان إلى آخر على هذه القصبة التي كنت أراها حالة من الإعجاز، وهذا ما زاد من حسدي له، وغيرتي، ولأنني أؤمن أن الغيرة أفضل من الحسد، قررت أن أجرب حظي مع هذه الآلة».
يتابع (أبو محمد) وصفه عن عشقه للمجوز فيضيف قائلاً: «كنت أسأل نفسي هل أنا مجنون أم هو (يجنن)؟؟!! أهواه كعاشق وأجده غذاءً لروحي، عندما أنظر إليه لا أتعامل معه كآلة موسيقية جامدة. باتت هذه الآلة مصدر رزق لي، بنيت بيتاً، وربيت أطفالاً، وهو منقذي في أيام المحن والتي كثيراً ما زارتنا كمجتمع فلاحي يعتمد على السماء كي تنتج له الرزق. كما أنه يمتع ناظري، ويدخل السرور إلى قلبي. وأعرف (المجوز) الجيد من السيئ مجرد أن أنظر إليه».
وعن أنواع المجوز يقول: «الأنواع حسب الطول و(التخانة) تدعى القصيرة والرفيعة بـ (النحلة) وهي للإيقاعات السريعة أما الطويلة فهي للإيقاعات البطيئة و(المجوز) الجيد الطويل المناسب الذي يعطي وضوح العلامات الموسيقية والفواصل الزمنية ويساعد العازف على عزف جميع الدبكات والنغمات».
ويضيف "أحمد عجوب" شرحه عن أنواع الدبكات التي كانت تعزف في الأفراح الشعبية والأعراس حيث يقول: «كان أشهرها (الدبكة السلمونية) التي كان يغنى عليها المولية السلمونية و(دبكة الكسرة البطيئة) تدعى الثقيلة ومن أنواعها الشمالية و(النشلة الدرزية) وهي من الدبكات الجميلة و(دبكة الكسرة السريعة) ومنها: (الشاوية السريعةـ والحمصية الخميسية) ذات الإيقاعات الخمس.
وهل من أبنائه من ورث عنه هذه الحالة الفنية التي باتت نادرة، ولا يتقبلها جيل هذه الأيام، فيقول: «لم يتعلم أحد منهم العزف كما كنت أتمنى، قد يكون السبب غياب تلك المرحلة، وتغير البيئة التي أسميها مرحلة (التيار الجارف) ودخول أجهزة الصوت وآلات الموسيقا الحديثة (الأورغ) وآلات التسجيل في المناسبات».