يعدّ الباحث والمفكر الحلبي "محمد قجة" واحداً من أهم حافظي ومؤرشفي التراث الفني والموسيقي في مدينة حلب، وهو علامة ومفكر أدبي من طراز العمالقة، كذلك هو في عالم الموسيقا والغناء، حيث يملك إطلاعاً واسعاً وشاملاً على أصول القدود والموشحات والنغمات ولديه الإحساس المرهف بتمييز الأصوات الجيدة من المتواضعة، دأب طوال مشوار حياته على خدمة الأدب والتراث والفن، وله الفضل في دعم الكثير من الأصوات اللامعة فوق المسارح وفي "جمعية العاديات" التي يرأسها.
وعن أجواء الموسيقا في حياته يقول لـ"مدونة الموسيقا": علاقتي بالموسيقا بدأت مع اهتمامي القديم بتراث مدينة "حلب" (مملكة "يمحاض") حيث كانت فيها فرقة موسيقية بالقصر الملكي وجميع المهتمين بالشأن الموسيقي يعرفون "الفارابي" صاحب كتاب "الموسيقا الكبير" كيف رصد في أجزائه قوام الحركة الفنية والغنائية في تلك الحقبة.
دِرَاسَةٌ فَنِّيَّةٌ مُبكِرة
ويتابع الباحث الموسيقي "قجة" حديثه: كعادة كل الحلبيين كنت شغوفاً بالطرب والموسيقا وحرص والدي منذ صغري على حضوري للزوايا الصوفية في جامع حيّنا بـ"قارلق" والهلالية في "حي الجلوم" ومنهما تعلمت وحفظت الكثير من أصول القد والمقامات والذكر الصوفي على يد "الشيخ صبحي الحريري" حيث كان يحضر معنا في تلك الحقبة عدد كبير من شيوخ الطرب في المدينة.
"قارلق أَصلُ الفَنِّ"
يعتبر "حي قارلق" الحلبي واحداً من أهم أحياء المدينة القديمة الذي استوطن وعاش فيه كبار المطربين مثل الراحل "محمد خيري وأحمد فقش ومحمد نصار" وغيرهم كثر.
حيث كانت تقام في أغلب بيوته العربية القديمة السهرات والأمسيات الدينية والفنية حتى أذان الفجر وكان يحضرها العديد من الشعراء والمثقفين والمطربين.
رِفَاقُ الدَّربِ
يؤكد الباحث "قجة" على علاقته المتينة والراسخة مع المطربين الكبار الراحلين "صبري مدلل وصباح فخري" بحضورهم اللافت خلال فعاليات "حلب" عاصمة الثقاقة الإسلامية عام ٢٠٠٦ من خلال إحياء عدة حفلات غنوا فيها القدود والتراث والموشحات والمواويل.
وما زاد بحسن العلاقة بينهما زياراتهم له في منزله وإقامتهم عدة حفلات مميزة بحضور كبار الأدباء والفنانين المحلين والعرب؛ معتبرين أن هذين الفنانين هما من عمالقة الطرب في الوطن العربي والعالم. ويشيد الباحث الموسيقي "قجة" بالصوت الجميل والساحر للفنانة الكبيرة "ميادة الحناوي" وكذلك الراحلة "ميادة بسيليس" مع باقي مطربي المدينة مثل "ظافر جسري وصفوان العابد وسميرجركس ونور مهنا وشادي جميل ومصطفى هلال وعمر سرميني وشهد برمدا وغيرهم"، والأخيرة "برمدا" حسبما يقول كانت من اكتشافات "جمعية العاديات" التي شجعتها وأثنت على جمال صوتها وهي في مقتبل العمر حيث شقت طريقها فيما بعد وتألقت في البرامج التلفزيونية ونالت المركز الأول.
قَصَائِدٌ وَأَلحَانٌ
للأديب "قجة" عدة نصوص تم غناؤها مثل "حبيبتي حلب" للمطرب "فارس الأحمر"، تم تسجيلها في التلفزيون السوري وفي الشطر الأخير من الأغنية يقول:
إن فاخر القوم في أرض وفي نسب
إذاً لفاخرت أنني اليعرب الحلبي
وهناك قصيدة أخرى قادمة قيد التلحين تقول:
أنا في الهوى قتيلك يا شهباء
أهوى العيون والأهدابا.
عدا عن نصوص شعرية عديدة لمدينة "القدس".
التَّصَوُّفُ وَالتُّرَاثُ المُوسِيقِيُّ
يقع هذا الكتاب ٢٠٦ صفحات للمؤلف "قجة" ويعد من أهم المراجع الفنية والموسيقية، حيث لخص الحالة الفنية في المنطقة المحلية والعربية والقدود والموشحات مع ذكر أعلام الفن العربي على مدى عقود طويلة، وتطرق الباحث في أبوابه لعناوين وأسماء مهمة في عالم الموسيقا العربية مثل "الفارابي وابن عربي وزرياب وابن قزمان الأندلسي" ومنهجه في الزجل، وتحدث أيضاً عن الرحلة الفنية للشيخ "علي الدرويش وصبري مدلل وصباح فخري ومحمد خيري والرحابنة" والزوايا الصوفية ونماذج من القدود الحلبية والتراث الديني والموسيقي في حلب.
الباجث محمد قجة من مواليد مدينة "حلب" عام ١٩٣٩، مُجاز في اللغة العربية من جامعة دمشق.