الموسيقا العربية هوية ثقافية وتراث لم يأت من فراغ؛ بل من تراكم وزخم ثقافي ومعرفي تناقلته الأجيال عبر العصور، ولا يكاد يخلو منها زمان أو مكان، كما نقلت من خلالها تراث وعادات مجتمعات متنوعة حافظت على هويتها التراثية وتنوعت حسب البيئات بقوالبها المتنوعة كالموشح والمونولوج والأهزوجة والأغنية الوطنية وغيرها.

أَنوَاعُ القَوَالِبِ المُوسِيقِيَّةِ

وللحديث عن القوالب الغنائية التقت "مدونة الموسيقا" مع الشاعر الغنائي "عبد الرحمن الحلبي"، حيث قال: يعتمد الغناء الشرقي على أساليب مختلفة في الأداء، وإلى أشكال تتميز عن بعضها البعض، فمنها البسيط، ومنها المركب، إذ هناك اختلاف كبير في الأشكال الغنائية نتيجة حتمية لاختلاف النصوص، والمضامين المطروحة من جهة، وأن الفنون تطورت بتطور الشعوب من جهة أخرى ما أغنى الساحة الفنية بالقوالب الغنائية التي أصبحت مع مرور الزمن تشكل هوية المجتمعات التي نشأت فيها، ومن أهم القوالب الموسيقية "الموشح" الذي يعتبر من القوالب الغنائية المركبة كونه مزج بين الموسيقا والأدب فصارت علامة نسبت إلى العرب بعد أن عرفوا بها.

حيث نظمت أبياته وكلماته على أوزان مختلفة في آن واحد من أجل حرية التلوين وأثناء تطوره امتزج بالكلمات العامية، ويعتبر من أقدم القوالب الغنائية، ظهر في الأندلس في القرن التاسع عشر، وتعددت موضوعاته بين الغزل العذري والمدح والوصف، بالإضافة إلى الموشحات الصوفية، وقد ترك شعراء الأندلس الكثير من الموشحات التي ما زالت خالدة حتى يومنا هذا، وغناها الكثير من المطربين وخصوصاً في مدينة "حلب" التي اشتهرت بالموشحات الحلبية.

1- فرقة التخت الشرقي الدمشقي بقيادة عازف الكمان بديع بغدادي

وأضاف "الحلبي": كما اجتهد الملحنون السوريون المعاصرون ومنهم الأستاذ "محمد محسن" الذي نقل نقلة نوعية في صياغة الجمل اللحنية بعيداً عن المألوف، فقد لحن للفنانة "فيروز" خمس أغنيات غلب عليها طابع الموشح كأغنية "سيد الهوى قمري" وغيرها.

فالموشح من أصعب القوالب الغنائية لكونه يمتلك خصوصية في تشكيله فهو قالب متعدد الأوزان وإيقاعاته أغلبها مركبة؛ وفي أيامنا هذه نفتقد لملحنين بهذا المجال، فكان آخرهم الملحن الراحل "عدنان أبو الشامات" الذي استطاع من خلال أعماله أن يطبق الإيقاعات المركبة على الموشح وليس على اللحن أي إنه ابتكر أسلوباً جديداً في الموشح.

2- الباحث عبد الرحمن الحلبي

أما بالنسبة للمنولوج فهو فن غنائي ظهر بالقرن العشرين، وهو فن ساخر ناقد؛ يعتمد المونولوج على سرد الشعر والموسيقا، لذلك يتطلب مهارات عديدة، ومعرفة واسعة.

وإن نجاح المونولوج مسؤولية الملحن بالدرجة الأولى؛ ورغم أن المونولوج كقالب فنّي يمنح الملحن حرية واسعة في صياغة لحنه، وهذا ليس بالسهل، لكون ألحانه يجب أن تكون متماسكة، ويراعى فيها الدراما الفنية؛ حيث يعتمد تلحين المونولوج على الدراما التعبيرية، والصوت المقتدر، وذروة النص، والختام الذي قد يكون خارجاً عن المألوف، بحيث يحدث عنصر المفاجأة. ومن أمثلة المونولوج أغنية "بياع الغاز".

3- الأستاذ بديع بغدادي

وهناك الأهزوجة من القوالب الغنائية قصيرة المدى ولطيفة المعنى، حيث إن أكثر الأهازيج الشعبية هي من الفلكلور السوري فلكل محافظة أهزوجتها الشعبية التي تمثل طابعها المميز وبيئتها الخاصة وأجمل الأهازيج الشعبية الفلكلورية أغنية "يا مال الشام" و"بيلبقلك شك الألماس" وغيرها.

وتعتبر الأغنية الوطنية من القوالب الغنائية الحماسية لكونها تتغنى بحب الوطن والدفاع عنه، وشعراء الأغنية اجتهدوا في تقديم هذا اللون الغنائي كأغنية "سورية منحييك.. سورية منحييك.. كل يوم نكبر فيك" وغيرها.

وفي حديث مع "بديع البغدادي" رئيس فرقة التخت الشرقي الدمشقي الذي حدثنا عن القوالب الغنائية بالقول: إن القوالب الموسيقية هي الشكل الذي تضمن موسيقانا وأغانينا، لذلك يتوجب على المؤلف الموسيقي والملحن والمغني أن يدرسوا القوالب الموسيقية بجميع أشكالها التي طرح فيها الموسيقيون القدماء إبداعاتهم وألحانهم، فالموسيقا الشرقية اتسمت بكثير من الطرح الجاد عبر أشكالها الموسيقية، ما جعلها متنوعة، وثرية بمقاماتها، وإيقاعاتها، وأساليب أدائها، ومن الواجب دراستها بشكلٍ معمق، فألحانها متناسقة تمتلك خصوصيات الجمال وبعضها الآخر يتطلب اللجوء للهارموني ما يزيدها إثراءً. فالموسيقا موروث إنساني عالمي جميل يترجم ثقافات الشعوب المختلفة.

ويكمل "بغدادي" حديثه بالقول: كما أن المستمع العادي لا يميز بين الأنواع كموشح أو أهزوجة أو منولوج أو غيرها إلا من خلال كلماتها لأن لحنها يختلف من نوع إلى آخر، فالمنولوج هو قصة محكية أو قصيدة أو نقد لوضع ما، فمنولوج "الحال السوري" يحكي عن الوضع الاجتماعي للسوريين، ويتم تلحين المونولوج بلحن بسيط بحيث يخدم الكلمة ولا بد من وجود مؤدٍ ولحن وكلمات حتى تصل إلى المستمع أو المتلقي.

والموشح هو أغنية طربية، قصيدة بكلمات مميزة ولحن وأوزان مركبة، فيما الأهزوجة هي أغنية شعبية خفيفة تحكي عن الشام مثلاً وحاراتها وتقاليدها ويتم إعداد لحن وكلمات تناسب كل بيئة ولكل محافظة أهزوجتها الخاصة بها، ويتم تلحينها بلحن بسيط يناسب كل بيئة.

أما بالنسبة للقصيدة الوطنية يجب أن تؤدى بطريقة قوية ورجولية كونها تناشد المتلقي كأغنية "سورية رح تبقى إلنا".