يعدّ المطرب الراحل "محمد أبو سلمو" واحداً من أشهر مطربي "حلب" في حقبة الستينيات والسبعينيات، حيث امتلك صوتاً قوياً وجميلاً ونفَسَاً طويلاً مكّنه من أداء المواويل الطويلة بمهارة وبراعة، حتى أطلق عليه أهل الطرب لقب "سيد من غنّى الموال الشرقاوي والسبعاوي".
ذاع صيته كثيراً بما يغنيه من تراث وفلكلور وموشحات وقدود، ويقال أن الحفلة التي كان يغني فيها كانت تشهد حماسة وتفاعلاً غير مسبوق، وعندما كان يصدح بالموال يردد الحاضرين العبارة المشهورة: «ما صار...عيد يا أبو سلمو...عيد».
كان ذكياً بارعاً في اختيار أغانيه، وبما يناسب أصحاب الحفل أو العريس، ورغم شدة المنافسة في حقبته أمام مطربين عظام وكبار أمثال الراحلين "صباح فخري ومحمد خيري وحسن الحفار ومصطفى ماهر وصبري مدلل" إلا أن ذلك لم يقلل من محبة المعجبين به والطلب عليه للغناء في الحفلات الخاصة والتي لا يزال بعضها محفوظاً ومتداولاً حتى الآن.
أميرُ الموال
موقع "مدونة الموسيقا" زار منزل ابنه المهندس "عدنان البر" في "حي السبيل" واستمع منه لسيرة والده، فقال: «الاسمُ الحقيقي لوالدي هو "محمد ابن سليم البر" وتم اختصار وتداول اسمه بالوسط الفني بـ"محمد أبو سلمو". اقتبس والدي حب الغناء من والده "سليم" الذي كان مغرماً بغناء وصوت المطرب "عبد الوهاب" وبدأ مشواره الفني مبكراً بالغناء بين الأهل والأصدقاء وعرف عنه -وهو لم يكن يتجاوز العشرين من عمره- براعته بحفظ وغناء المواويل بأسلوب جذاب حتى أطلق عليه الجمهور الحلبي لقب أمير الموال الشرقاوي والسبعاوي، ومع الغناء ليلاً كان يعمل نهاراً بشركة النول للغزل والنسيج لصاحبها "حج وهبي الحريري"، ونظراً لجمال صوته بدأت الدعوات لحفلات الأعراس الشعبية تنهال عليه بكثرة، وانتشرت تسجيلاته بكافة المحافظات».
"ألف ألوف ألّفتا..."
يتابع ابنه "عدنان" سيرة والده فيقول: «كان يحرص على بدأ حفلاته بالمواويل السبعاوية والشرقاوية ومن أشهر مواويله "يا خي لا يبلى خيّك ولا خي" ويدخل بعدها بالأغاني الدارجة ومن أهمها الأغنية التي اشتهر فيها بعنوان "ألف ألوف ألّفتا" وكانت ماركة مسجلة له بصوته، وهناك أغاني: البلبل ناغى عا غصن الفل، و ماني يا حبيب ماني سلامة قلبك ياغزالي، وأول عشرة محبوبي، ومالك يا حلوة مالك هو الدلال غير حالك...وغيرها».
جوقة العمل أساس النجاح
تميزت حفلات الراحل "أبو سلمو" بمرافقة طاقم فني مميز ساهم بنجاحه كثيراً من أهمهم مقدم الحفلات البارع "محمود أبو عمشة" من خلال شخصيته وحضوره وصوته وطريقة تقديمه للمطرب وخلق حالة تفاعل مثيرة مع الجمهور، ومن أهم أعضاء الفرقة كان عازف العود البارع "رزّوق وردة" وعلى القانون "محمد الضباع" وعلى الكمان "كريم زلعوم" والطبال "جان"، وكان يشرف على تسجيلات الحفلات على أشرطة الكاسيت وتوزيعها استوديو "صبحي الكاملي" بمحله المعروف بـ"باب الفرج" حيث لعب دوراً مهماً في تعريف الناس بصوته وحفلاته من خلال بيعها بكثرة، وكان يلتقط له الصور التذكارية لحفلاته "استوديو منصور" الواقع محله عند دوار القلعة.
غنى الراحل في إذاعة "حلب" أكثر من مرة وله تسجيلات فيها موجودة حتى الآن تذاع بين الفينة والأخرى.
حفظ المواويل وتلحينها
يستذكر ابنه "عدنان" طريقة حفظ والده للمواويل فيقول: «عندما كنت بالثانوية ومن بعدها بالجامعة وفي المساء كان يطلب مني إحضار دفتر وقلم وتسجيل المواويل الجديدة ويطلب مني قراءتها أكثر من مرة حتى يحفظها ويتقنها ويقوم بتلحينها سماعياً حتى يرتاح للون الذي يجيده».
يبرز لنا ابنه ألبوم الصور الخاص بحفلات والده مع دفتر المواويل الذي يحتفظ به حتى الآن وفيه كم كبير من المواويل السبعاوية التي كان يغنيها بالحفلات، ويتابع:
«كانت مدينة "حمص" من أهم المحافظات التي تطلب حضوره للغناء ولها في قلبه معزة خاصة. ومن المواويل الشهيرة التي حفظها وغناها كثيراً موال:
فرقاك دوب لجسمي وخلا العظم يصير خلال
والروح راحت معك وراسي من العقل صار خلال
آني ما ادري بعدك دلال ولا صار لك بدالي خلال
آني ما اهوى بدالك مهما تشوف عيني حسن وجمال
حتى لو جيبولي الحلوين راكبين جمال
آني لبيع الجمل مع جمال
وما حيد عن عشرتك لو سقوني المر وخلال.
رفضَ السفر
ويضيف السيد عدنان: «أنه عُرِضَ على والده السفر خارج البلد مراراً وتكراً للغناء للجاليات العربية لكنه كان يرفض الفكرة لأسباب خاصة به رغم شهرته ووصول أغانيه إليهم، واكتفى بالغناء محلياً وفي محافظات القطر».
منشد ومؤذن جامع البهرمية
في عمر ٥٥ عاماً زار بيت الله الحرام وأعلن اعتزاله الغناء والتحول لمنشد للقصائد الدينية ومؤذناً في جامع البهرمية بخان القصابية في أوقات الظهر والعصر وأحياناً المغرب، وبقي على هذا الحال حتى أقعده المرض في عام ٢٠١٠ وتوفى في عام ٢٠١٤ عن عمر ناهز ٨٩ عاماً.
شهادات فنية
المتابع للفن الحلبي "حمدي قواف" يقول: «حضرت في عام ١٩٨٥ حفلة لا تنسى للمطرب الراحل "محمد أبو سلمو" تحت القلعة، أذكر انه سلطَنَ فيها، وقد حضرها كبار السمعية والمهتمين بالطرب الحلبي، أبدع فيها الراحل بغناء المواويل السبعاوية والشرقاوية ومن بعدها ألهب الحضور بأغنية مالك يا حلوة مالك، والقراصية... واستمر حتى مطلع الفجر، سحرَ الحضور بصوته، رحمه الله دخل قلوب أهالي "حلب" بدون استئذان بالطرب الأصيل».
فيما الدكتور "وليد عبد الباري" وهو من متابعي ومحبي الفن (السبعاوي) قال: «يعدّ الفنان الراحل "محمد أبوسلمو" قامة فنية كبيرة في عصره، لعب دوراً كبيراً في إثراء المكتبة الغنائية في مدينة "حلب" خصوصاً و"سورية" عموماً، وبأرشيفه المحفوظ من خلال ما قدمه كطرب أصيل، استحق "أبو سلمو" نيل لقب ملك الشرقاوي نسبة للموال السبعاوي بجدارة ومهارة»... وتابع الدكتور "وليد": «هو من المطربين القلائل الذين امتلكو خامة صوتية نادرة قد لا تتكرر، ويحسب له تخصصه بالسبعاوي حيث أضفى لهذا الفن نمطاً جميلاً ومميزاً، وفي كل مرة أسمع مواويله يزداد حبي وتعلقي أكثر بما كان يقدمه».