تغلق ريشته العزف على أوتار عوده بعد عزف استمر سبع وعشرين ساعة وأربع دقائق لتفتح له بوابة موسوعة "غينيس" للعزف المنفرد على آلة العود. نجاحٌ حصده عازف العود "حسام بدر ديب" بعد عام من البحث والسعي في سبيل تحقيق هدفه وترك بصمته في عالم الموسيقا ليخبر جيل الشباب برسالته التي آمن بها.
خَطَوَاتٌ مُوسِيقِيَّةٌ
"حسام بدر ديب" عازف عود موسيقي ملحن مدرّس لآلة العود عبر الإنترنت لأغلب دول العالم مدرّس في معهد "البيروني" حاصل على شهادة TOT تدريب مدربين من مركز "مهارات"، تحدث لـ"مدوّنة الموسيقا" عن بداياته الموسيقية قائلاً: «تربيت في بيئة محبة ومهتمة بالموسيقا حيث الغناء وعزف العود وغيره من الآلات، وكان أغلب أصدقائي من العازفين والمغنيين وتأثرت بهم، تدرّبت عند أساتذة موسيقا لمدة أشهر، امتلكت الخبرة والموهبة التي صقلتها بالتدريب والتعب، وبسبب ظروفي المادية والخدمة الإلزامية والاحتياطية توقفت سنوات عدة».
ويتابع قوله: «بعد تسريحي عام 2019 عدت لمسيرتي الموسيقية في محافظة اللاذقية ودرّبت طلاباً، وقمت بالتدرّب لدى موسيقيين لإغناء ثقافتي الموسيقية وتعزيز مهاراتي، لدي حب وشغف للبحث في الموسيقا الشرقية في كل دول العالم، كما أن تجربتي في مركز "مهارات" وسّعت دائرة معارفي والتقيت بأساتذة كبار نحمل نفس الطموح، وعززتْ ثقتي بنفسي كنت أحرص أن أترك بصمة مميزة في كل مكان أذهب إليه، فقد كنت المدرّس الذي يعطي بلا حدود والطالب الذي لا يكتفي من التدرّب والبحث في عالم الموسيقا ولي أصدقاء في دول "العراق" و"البحرين" و"روسيا"، أتابع الأستاذ الدكتور "نصير شمة"، والموسيقي "سعد جواد"، و"سيمون شاهين"، وأستفيد من خبراتهم وسأبقى أتعلم وأبحث، فالموسيقا لا حدود لها».
الإِصرَارُ يَقُودُ إِلَى النَّجَاحِ
لم يتقبل المجتمع الذي يحيط بـ"حسام" كونه موسيقياً، فيقول: «المجتمع يفرض على الشخص أن يتوقف عن أحلامه ولكن بإرادتي القوية تجاوزت كل محاولات الإحباط، وتكمن جمالية الإبداع والاستمرارية في تحديات كل مشروع نقوم به، وكانت الكلمات السلبية تدفعني دائماً إلى الأمام والإصرار على النجاح، واخترت العود لأن إحساسي معلّقٌ به، علاقتي بالعود كبيرة، أحبُّ الأغاني القديمة التي تمتلك روح الموسيقا والمقطوعات الموسيقية ذات الايقاعات الصعبة التي تصقل شخصية المتدرب بسرعة كبيرة رأيت آلات كثيرة ولكنني أحببت العود حبّاً شديداً، حيث التدريب مكثف لساعات متواصلة، وتمارين الريشة واليد اليمنى لاكتساب الخبرة والثقافة الموسيقية، تعمقت بالبحث خلال الأربع سنوات الفائتة، كانت رحلة مضنية وصعبة واستطعت خلالها أن أصل لما أنا عليه الآن».
العَزفُ عَلَى العَامِلِ النَّفسِيِّ
اتبع العازف "ديب" طريقة خاصة في تدريسه لآلة العود مستفيداً من دروس أساتذته وأسلوبهم، فيقول: «كنت متواضعاً مع طلابي وأرفض التكبّر، خرجت من الدائرة التقليدية في الإعطاء والتعامل، أعمل بطريقتي التي لاقت استحساناً من الطلاب وأهاليهم وبيئتي التي أقيم بها، بالإضافة لطريقة تدريسي عبر الانترنت التي تعدّ من المحطات المهمة بالنسبة لي، وصقلتني في المجال الموسيقي وكانت خطوة إيجابية أن أكون مدرّساً معروفاً على مستوى العالم، ولدي طلاب في "سورية" وخارجها وهذا شكّل رصيداً كبيراً لدي مع مراعاة الحالة النفسية للمتدرب بالدرجة الأولى ما يهمني تلك العلاقة الوثيقة بيني وبين طلابي ليسهل إيصال المعلومة الموسيقية، كما كنت قد عاهدت نفسي بعد أن أصبحت مدرّساً على تفادي كل الملاحظات التي واجهتها حين كنت طالباً، وخاصة أن الموسيقا مادة تدريبية وليست تلقينية تلامس روح العمل لدى المدرّس والطالب».
دُخُولُ مَوسُوعَةِ "غينيس"
لم يتوانَ "ديب" عن السعي والعمل لتحقيق هدفه لدخول موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية مع عوده، فيقول: «لم تكن فكرة دخول موسوعة "غينيس" للعزف المنفرد المتواصل على آلة العود وليدة اللحظة، الفكرة بدأت منذ سنة ونصف، وخاصة أنه هناك أحد الأصدقاء العراقيين دخل موسوعة "غينيس" عام 2018 بالعزف المنفرد المتواصل على آلة العود لمدة 24 ساعة وعشرين دقيقة، وتوثقت في "غينيس" عبر وثائق رسمية حازت الفكرة على اهتمامي، وطالما أن الموسيقي "سعد جواد" حقق ذلك، فكان بإمكاني أن أحقق الهدف الذي كان يرمي إليه لعزف 30 ساعة متواصلة، تواصلت معه فرحب بالفكرة وقام بدعمي، وأخبرته بأنني لا أريد كسر الرقم إنما أريد أن أتابع مسيرته، وزودني بكل التفاصيل والمعلومات الخاصة للخوض في هذه التجربة».
ويتابع قوله: «عام من البحث والسعي لإنجاز الحدث، حيث الورقيات الخاصة بالمقطوعات الموسيقية تدربت عليها والتي بلغت ٢٠٠ مقطوعة موسيقية قديمة وأغاني حديثة وأغاني "فيروز" ومقطوعات من تأليفي، وتابعت تحضير الأمور اللوجستية بواسطة محافظ "اللاذقية" الذي قدم كل الدعم لإنجاح الحدث وتسهيل التعاون ودعم الحدث وتبنيه من قبل الجهات المعنية، فلم يكن بإمكاني القيام بكل هذه الإجراءات وتحمل الأعباء المادية العالية ثم تواصلت مع فريق "غينيس" وأعلمتهم بقدرتي على كسر الرقم في العزف المنفرد على آلة العود وتمت الموافقة على طلبي بعد تزويدهم بكل المعلومات والتفاصيل المطلوبة، الحدث الذي بدأ 12 آب وانتهى 13آب بعزف منفرد متواصل على آلة العود لمدة سبع وعشرين ساعة وأربع دقائق».
هَدَفُهُ
استطاع من خلال دخول موسوعة "غينيس" أن يبعث رسالة لجيل الشباب مؤكداً على أهمية الموسيقا ودورها الفعّال، فيقول: «كانت رغبتي بدخول "غينيس" ليكون هذا الحدث قدوة للأجيال وخدمة السلام العالمي والسلام في بلدي "سورية" خصوصاً، نحنُ بلدُ سلام ومحبٌّ للسلام، وهو موضوع مرتبط ارتباطاً كبيراً بالموسيقا واعتبر نفسي اللسان الناطق من موقعي، مع ضرورة الإشارة إلى الآثار السلبية للحرب على الشباب السوري المنتج المبدع وأهمية الموسيقا في ترميم جراح الحرب، ولأخبر العالم بأنني الشاب السوري القادر أن يصنع بصمته بعمله وفكره، وكان هناك دعم لتحقيق الأهداف من رئاسة الجمهورية والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في "اللاذقية" وكادرها العامل، فقد كان الداعمون شركاء النجاح وتحقيق الهدف».
ويضيف: «كل عمل يحتاج إلى تنظيم واهتمام وطموح واستمرار المثابرة لتحقيق الحلم، كنتُ مؤمناً بنجاحي وقدراتي منذ اللحظات الأولى، وواثقاً من نفسي وأتمنى لكل الجيل الشاب العمل على إبراز موهبته للمجتمع وأن يحارب بها، فهي سلاحه وأن يبتعد عن الإحباط وعدم قطع الوصل بين الحلم والمستقبل».
شَغَفٌ لَافِتٌ
"حمزة رحّال" كاتب، ملحن، مدرّس في معهد إعداد المدرّسين قسم الموسيقا، كان في اللجنة، فتحدث عنه قائلاً: «عرفت "حسام" حين طلب مني الحضور في لجنة شهود "غينيس"، لم يكن لدي إطلاع سابق على تجربته الموسيقية، ولكن أعجبني إصراره على القيام بإنجاز يحمل اسمه ويقدمه للناس، وأظن أنه قام بذلك بطريقة لافتة، قدم "حسام" أثناء التجربة عدداً كبيراً من الأغاني المعروفة والمقطوعات الموسيقية ومن ضمنها مقطوعات حملت اسمه، وقدمنا كــ لجنة شهود كل الدعم المتاح قانونياً وموسيقياً ونفسياً، فهو يحمل حماس الشباب وقد وظّفه بطريقة جيدة للإضاءة على شغفه، وأتمنى له التوفيق في مشواره الجديد».
يجدر بالذكر أن عازف العود "حسام بدر ديب" مواليد عام 1989قرية "ديروتان" التابعة لمنطقة "القرداحة"، درس معهد خطوط حديدية بمحافظة "حلب" وموظف في الخطوط الحديدية السورية، رئيس قسم المنشآت الثابتة في محطة قطار "شربيت" بــ "اللاذقية"، وله مشاركات عدة في ثقافي "اللاذقية" و"القرداحة"، ويعمل على فكرة فتح معهد موسيقي، كما يعمل على تأسيس فرقة "مقامات بلا حدود" الموسيقية مؤلفة من خمسة عازفين، محور عملها إحياء المقامات الموسيقية الشرقية على مستوى العالم وإعادة إحياء المقامات النادرة وتسليط الضوء عليها، والبحث عن المقامات وإحياء القديم منها أيضاً.