مؤلّف أوركستراليّ وملحن وعازف عود ومطرب وشاعر ورسام، إنه الموسيقار "صفوان بهلون" ابن جزيرة أرواد "1953"، الذي درس الموسيقا وتعمّق في علومها، وقدّم الكثير من الأعمال المهمة، وطوّر التأليفات الموسيقيّة الشرقيّة في الشكل والمضمون بتنفيذ أوركسترالي. لُقّب بأفضل صوت عربي في تونس عام "1984". ونال وسام سيف دمشق عام "1995"، كما حصل على مفتاح الإسكندرية الذهبي بمهرجان الأغنية لدول البحر المتوسط، وكُرّم في مهرجان الموسيقا العربية بالقاهرة عام "2009"، كما تمّ تكريمه مؤخراً في دمشق من قبل وزارة الثقافة ضمن احتفالية أيام الثقافة السوريّة.
الربان والعاصفة
"كان حفلاً أسطورياً"، بهذه العبارة وصف الموسيقار "صفوان بهلوان" الأمسية الموسيقيّة التي أقيمت في دار الأوبرا بدمشق بتاريخ "28 تشرين الثاني 2024"، وعزفت فيها الفرقة "السيمفونية الوطنية السورية" بقيادة المايسترو "ميساك باغبودريان" سيمفونية "الربان والعاصفة" للمرة الأولى في سوريا بعد 37 سنة من إنجازها، والتي سبق أن عُزِفت في العديد من دول العالم، وهي من تأليف "صفوان بهلوان" وتوزيع وإعداد أوركسترالي المايسترو "نوري رحيباني". وفي حديثه لـ "مدونة الموسيقا" وصف "بهلوان" الحدث بالقول: «كان جميلاً لأنني لم أتصوّر أن أسمع العمل في سورية، فهو صعب جداً».
بداية الحوار مع الموسيقار "صفوان بهلوان انطلقتْ من صوت البحر ودوره في تشكيل ملامحه الموسيقية الأولى، والحبل السري الذي ربط بين لحن الموج المتلاطم وملحّن قدّم أهم الأعمال الموسيقية. عن تأثير البحر بموسيقاه يقول: «يمكن تلمّس هذه العلاقة من خلال العمل السيمفوني "الربان والعاصفة" الذي تسمع فيه صخب البحر بملاطمته للصخور وأشكاله المتغيّرة والصراع الذي يعانيه البحارة، وصدى هذه الأصوات التي تشكل في وجدانهم نوعاً من التحدي الأزلي، كما تسمع هدوء البحر و"وشوشاته" وصوت "النوس" كموسيقا».
ويتابع: «أزيف الرياح وتلاطم الأمواج بحدّ ذاته هو إيقاع يعصف في وجداني، ستقرأ في سمفونية "الربان والعاصفة" هذه الإيقاعات كلها وتسمعها من خلال ضربات "التمبانة" وتشابك الأوركسترا، وتلمّس عمق البحر ورهبته وجلاله من خلال آلات "التشيللو"، فالبحر بأمواجه وبهدوئه ورياحه شكّل هارموني وإيقاعاً غريباً في نفسي، وحتى في لوحاتي وشعري، ففي مجال الرسم تجد أنّ القاسم المشترك الأول بين لوحاتي هو اللون الأزرق والبحر، والسفن التي تنخر عباب البحر تسافر في وجداني وخيالي، كما أنّني في الشعر أكتب عن البحر أيضاً، وفي الأغاني هناك "دوار يا بحر الهوى" الأغنية التي تركت صدى كبيراً».
وعن الإرهاصات التي سبقت إنجاز سيمفونية "الربان والعاصفة" عام "١٩٨٧" وتبنّيها من قبل "أوركسترا برلين السيمفونية" التي قامت بعزفها، وهي الأوركسترا التي تقدّم الأعمال الأكثر أهمية، يقول: «عندما عرضتُ العمل السيمفوني على "أوركسترا برلين السيمفونية" أُعجبوا به وقرّرُوا إنتاجه، وكلّفت صديقي بكتابة الإعداد والتوزيع له، وعندما قُدّم في راديو برلين كان حدثاً موسيقياً كبيراً، وأذكر أنهم قالوا لي "ليتك تبقى عندنا، فقد أخرجتنا من المونوتون"».
"أليصا" رمز للبحّارة
حول الأهازيج المحكية وغير المدوّنة أو المسجلة للصيادين في جزيرة "أرواد"، وحضورها فيما قُدّم من أعمال موسيقية، يقول: «قبل "الربان والعاصفة" أنجزتُ منذ زمن بعيد مُغناة "البحارة" وقدّمتُ فيها بعض الأهازيج التي يُطلقها البحارة، وهي لا تزال محفوظةً في أذهان الناس على الشاطئ السوري، كما أخذت من هذه الأهازيج وبنيت التيمة الأساسية التي تُشكّل العمل السيمفوني؛ لأنّ كل عمل أوركسترالي يحتاج إلى تيمة يُبنى عليها، والتيمة الرئيسة في سيمفونية "الربان والعاصفة" كانت "هيلا ليصا"، وقدّمتها كما هي "هيلا هيلا هيلا ليصا"، حيث أخذتُ التوقيع الإيقاعي وجعلتُ له لحناً يتناسب مع التقطيع الإيقاعي للأهزوجة».
ويتابع: «ربّما كثيرون لا يعرفون أساس أهزوجة "هيلا ليصا"، فقد بحثتُ عنها وتبيّن معي أنه كان هناك ملكة اسمها "إيليصا" تركتْ مدينة "صور" وجزيرة "أرواد" وذهبتْ إلى "قرطاج"، حيث بنت مملكتها، وتقول الأسطورة إن إمبراطور "قرطاج" ساعدها في ذلك مقابل الزواج منه، فوعدته بذلك، لكنها قتلت نفسها فيما بعد كي لا تفي بوعدها؛ لأنها لا تحبه ولكنها تحب شعبها، فعرف الناس بالقصة، وكُتبت عنها الملاحم كما كتب الشعراء الجوالون "الأوديسا والألياذة"، فباتت "أليصا" ملحمةً يغنيها الشعراء والمغنون الجوالون، وأصبحت كلمة "هيليصا" تعني "امنحي القوة يا أليصا" فتستنهض العزيمة والقوة، وحدث ذلك منذ تسعمئة سنة. فكل عمل يحتاج إلى جهد وقوة "كسحب السفن" يقولون وهم يقومون به "هيلا هيلا أليصا"، فيوحدون حركة الإيقاع لتشحذ الهمة، وباتت رمزاً للبحارة، ومن هنا تأتي كلمة "أليصا".
وأذكر منذ طفولتي كلمات اندثرت، فعندما كانوا يريدون سحب السفينة يقولون "هي ليصا.. أي يا سا"، وعندما تبدأ السفينة بالحركة يقولون "هي هي يوريا هي"، وكانت تدلّ أن المركب سار فتابعوا سحبه».
من دمشق إلى القاهرة
بالعودة إلى البدايات، وحول ما بقي في الذاكرة من برنامج الهواة الذي تقدّم إليه في إذاعة دمشق عام "1969" ونال المركز فيه الأول وهو لا يزال طالباً، ومنه انتقل للتعرّف على الموسيقار "محمد عبد الوهاب" والسفر إلى "القاهرة"، ومن ثم تسجيل أول أسطوانة له "مريت على بيت الحبايب"، عن ذلك يشير إلى أنهم وعدوه خيراً في الإذاعة والتلفزيون بعد البرنامج، ولكن هذا الخير طال أمده ولم يجده، مؤكداً أن هذا الأمر ربما كان لصالحه، وجعله يعتمد على نفسه أكثر ويبحث عن آفاق أوسع، وفيما بعد سافر إلى لبنان. عن ذلك يقول:
«تعرفت في لبنان على "إيليا شرارة" المُحب للموسيقار "محمد عبد الوهاب"، وعندما سمع صوتي ذُهِل، وقال إنه يريد إنجاز خبطة إعلامية كبيرة، فأخذني إلى برنامج "البث المباشر" وغنيت حينها "الهوى والشباب"، وكان "محمد عبد الوهاب" قد غناها على العود، وأنا غنيتها على العود أيضاً، فاقتطع منها مقاطع وبثّها، مقطع لي وآخر لـ "عبد الوهاب"، مقطع لي وآخر له وهكذا..، وعندما بثّها على الإعلام، قال للجمهور: "أعزائي المستمعين إن من استمعتم إليه هو عبد الوهاب، ولكن حصل بعض المونتاج لموهبة شابة اسمها صفوان بهلوان، فهل منكم من يعرف أي مقطع لعبد الوهاب وأي مقطع لصفوان؟"، وانهالت الاتصالات، وأذكر من بينها ما كان لـ "الرحابنة ونزار فريحة وجورج إبراهيم الخوري وروبير خياط"».
ويُكمل الموسيقار "صفوان بهلوان" الحديث عن الذكريات: «قال لي حينها "روبير خياط" صاحب "صوت لبنان" أن "محمد عبد الوهاب" في "شتورا" ويرغب برؤيتي، وحينها كاد أن يُغمى علي، وكان عمري حينها 16 سنة. فذهبت والتقيته ولم أكن مصدقاً أنني أراه، وحدث ذلك في شهر آب وكنت طوال الطريق ارتعش من الخوف وأشعر بالبرد من رهبة اللقاء. واعتبر لقائي به حدثاً مفصلياً في حياتي، وحين اجتمع بي انهمرت دمعة من عينه فسألته زوجته ما الذي ذكرك به صفوان؟، أجاب "ذكرني بأيام شبابي فصوته مليء بالشجن"، حتى إنه استغرب كيف لي هذا الصوت وأنا ما زلت فتياً، ومنحني أغنيته "مريت على بيت الحبايب" التي وزعها "ايلي حبيقة"، وقدّمها "محمد عبد الوهاب" نفسه بصوته، وأذكر كيف أخذ مكان المذيع وقال "أقدم للشعب السوري الشقيق أغنيتي التي غنيتها منذ زمن بعيد /مريت على بيت الحبايب/ لنسمعها بصوت الشاب الفنان السوري صفوان بهلوان"، وما فعله معي لم يسبق أن فعله مع أحد. وأنجزها أسطوانة وشارك في إنتاجها "شركة صوت الفن وصوت لبنان"».
تفويض مُطلق
وعن المسؤولية التي حمّله إياها "عبد الوهاب" حين قال "ليت صفوان يستمر إلى جانب ألحانه في تجديد أعمالي وأنا أفوضه بشكل مطلق"، يشير "بهلوان" إلى أنها كانت مسؤولية كبيرة، حتى أن "عبد الحليم حافظ" سأله قائلاً "أنت أعطيت شاباً صغيراً أغنية /مريت على بيت الحبايب/، أخشى أن تكون قد ورّطتَ نفسك"، فأجابه "لقد غناها وأداها بنجاح عالٍ جداً، وهذا ما دعاني لأطلب منه تجديد أغنياتي"، ويبيّن "صفوان بهلوان" أن هذا الكلام تردد بعد عشرين سنة، فضمن أحد اللقاءات قال محمد عبد الوهاب "صفوان صاحب تجربة ورائد في هذا الميدان في تجديد أغنياتي، وهو يحب أن يجدد ويضيف إليها، وأنا لست من أعداء التجديد، وهو قادر على هذا الأمر، ولو لم يكن قادراً على ذلك لما وافقت على ذلك، ويا ليته إلى جانب أعمالي الموسيقية يقدّم أغنياتي برؤاه الجديدة".
حول هذا التجديد، يقول الموسيقار "بهلوان" في حديثه لـ "مدونة الموسيقا": «أرى أن "عبد الوهاب" يعتبر الفاتح الأول للتجديد الموسيقي، حتى إنه حورب في بدايته، فقد خرج من الرتابة والمألوف وخلق ثورة، وخاصة في "الموال"، فهو أهم من غنى "الموال والليالي"، واستطاع أن يختلق سلسلة ذهبية ويجعل لها كينونة وتقنيناً، فـ "الموال" حتى اليوم يُغنى مرتجلاً، ولكن جاء "عبد الوهاب" وقننه وحدده، وجعل "الموال" مُقدمة "ليالي" تهلل "للموال"، وكل "ليالي" يقدمها تختلف عن سابقتها، فتعرف أنت بأذن السامع أن هذه الليالي لموال "أشكي لمين الهوى" على سبيل المثال، وأن تلك الليالي لموال "ألي راح يا قلبي" وهكذا..، فكان اللحن دالاً على "الموال"، وجعل داخل "الموال" تيمة أو "شيفرة" خاصة إن لم تكن على حلّها فلن تستطيع أن تقفل "الموال". وأجرى تحويلات مقامية فيه وحركة "بي مول" معينة أو "فا دييز" في مقام معين، فمثلاً لو افترضنا أنه يغني "موال راست" فيقوم بحركة معينة لينتقل إلى موال "راست الصول" فيقدم طبيعتين مختلفتين في المقام الواحد، هو مقام واحد وله صفتان اختلفتا من حيث الطبقة، وليعود إلى المقام الأصلي يقوم بحركة معينة، فإن افترضنا أنه بدأ من الـ "دو" فيعيدك إليه، وإن لم تعرف كيف تعود للـ "دو" فستبقى على المقام الذي قبله. ولذلك كثيرون لا يجرؤون أن يغنوا الموال».
سيرة محمد عبد الوهاب
كان أحد أحلام الموسيقار "صفوان بهلوان" تقديم سيرة الموسيقار "محمد عبد الوهاب" عبر مسلسل تلفزيوني، فهل لا يزال هذا الحلم قائماً؟ يجيب قائلاً:
«يتجدد هذا الحلم من حين إلى آخر، وقد علمتُ مؤخراً أن هناك جهة ممولة كبيرة ماضية في هذا المشروع، وحبي لـ "عبد الوهاب" يدفعني لأحرص أن أقوم بتأدية الشخصية "إن دعيت لتمثيلها"، فليس هناك أحد غيري قادراً على فهمها حتى من حيث الموسيقا وليس الشكل فقط، وخاصة أن مسلسلات أخرى وقعت في الكثير من الأخطاء، ومن بينها مسلسل "أم كلثوم" حيث كان يظهر ممثل على أنه "القصبجي" وهو يعزف وكان واضحاً أن هناك وترين مقطوعين، وهذا خطأ فني، ولكن عندما يؤدي الشخصية مختص سيكون الأمر مختلفاً، وخاصة إن كان يقود "أوركسترا" فهي بحاجة لمن يعرف بهذه الأمور. أضف إلى ذلك بأنني عايشت "عبد الوهاب" وأعرف تفاصيل حياته، وبت أنا جزءاً منه وهو جزء مني، فهي تفاصيل روحية، وعند تأدية الدور سيكون الأداء تلقائياً وكأنني أمارس حياتي وليس تمثيلاً».
الأب الروحي
في إجابته عن سؤال "هل كانت سيمفونية "الربان والعاصفة" دافعاً نحو سيمفونيات أخرى والأب الروحي لها؟"، يقول: «أكيد، فبعد إنجازها تساءلت، ماذا يمكن أن أقدّم خاصة أنني بدأت من القمة، وأذكر أنني سمعت في ذلك الوقت تهليلات العيد "الله أكبر الله أكبر.."، فقلت في نفسي "هذا هو العمل القادم"، وقمت عام 1988 بكتابة قواعد العمل لكني تركته، وكتبت معه سوناتا "أرادوس" للبيانو والفايلون، وتوقفت وكتبت أعمالاً أخرى، وتركته نحو 30 سنة، وعندما كنت في القاهرة اطلعت على الأوراق من جديد فعدّلت بعض الأمور وكتبت في شهر واحد ما عجزت عن تكملته طوال تلك الفترة كلها، فقد تفجر في داخلي ما هو كامن. وكنت أريد تسميته "العيد الأكبر" ولكن أسميته "آذان النبي إبراهيم"، فقد بنيته على تيمة "الله أكبر"، وهو في انتظار إيجاد التمويل لتنفيذه. والأمر ذاته حدث معي في سوناتا "أرادوس" فما لم أنجزه في 30 سنة أنجزته في أسبوع، حيث قمت بإكمالها، وجاء بعدها سوناتا " الفينيق" للبيانو، وكانت عملاً مهماً جداً».
وفي حديثه عن المؤلفين الموسيقيين الغربيين الأقرب إليه، يشير إلى أن الموسيقيين العظماء كثر، ومنهم "بتهوفن" ولكنه يميل إلى "تشايكوفسكي" و"ريمسكي كورساكوف" والمجري "فرانز ليست"، فهم قريبون من نفسه، كما أنه يحب "روسيني" فهو يراه موسيقياً نشطاً ومتجدداً.
تلحين القصيد
فيما يتعلق بتلحين "القصيد" وما يتطلبه من الملحن أو المطرب الذي يؤديه، يقول: «المشكلة أن العديد من الملحنين لا يعرفون إلقاء القصيدة، وأرى أنه من البديهيات إلمام الملحن بالنحو وباللغة العربية الفُصحى، فعلى سبيل المثال كان "السنباطي" ملماً بالفصحى، وأصدقاؤه من كبار الشعراء، ومنهم "حافظ إبراهيم وأحمد رامي"، كانوا ينمّون فيه حس الأدب والشعر، لذلك نجح نجاحاً كبيراً، وكذلك "محمد عبد الوهاب" فكان وراءه "أمير الشعراء أحمد شوقي"، مما قوّم لسانه وجوّد بيانه. وتحتاج القصيدة من الفنان إما أن يكون ملماً أو أن يكون وراءه من يعلّمه حس الأدب والنحو بحده الأدنى، ولكن حالياً للأسف الشديد الفصحى ضاعتْ وقليلون من يجيدون التحدّث بها».
وعن تجربته في هذا المضمار يقول: «بما أنني شاعر ورسام، فقد قمتُ بتغير الكثير من الأعمال الشعرية، حيث أطلب من الشاعر إما أن يغيّر فيها أو أغير أنا وأطلعه على ما فعلت، ومعظمهم وافقوا وأثنوا، وهناك الكثير من الأمثلة عن ذلك، منها قصيدة "يا شام" التي كتبها الشاعر الإماراتي الكبير "مانع سعيد العتيبي"، حيث يقول في نهايتها وهو يمتدح بردى: "أهلك أهلي والديار مرابعي.. وتشدني الذكرى لعهد زماني.. ومضيت عن بردى بقلب مسامح"، لكني أحسست أن المعنى لم يصل من خلال كلمة "مسامح"، فغيّرتها بـ "ظامئ" التي تعبّر عن قمة الشوق، وبات البيت كالتالي: "أهلك أهلي والديار مرابعي.. وتشدني الذكرى لعهد زماني.. ومضيتُ عن بردى بقلب ظامئ"».
الإيقاع والرتم والموسيقا
إن كان للقصيدة التي يختار تلحينها خصائص معينة، يؤكد أن الإيقاع والرتم والروي ونوعية البحر والألفاظ التي يكون فيها موسيقا، كلها أمور قد تلعب دوراً في ذلك، موضحاً أنه ربما يكون هناك كلام غير موزون، ولكنّه قريب على التفعيلة فيبعث في نفسه روح التلحين.
وحول الأشعار التي يقوم بكتابتها وتُغنّى، يقول: «أكتب أشعاري؛ لأنها حالة تتفاعل في نفسي، وأراعي فيها جمالية المفردة والشكل الفني والموسيقا، حتى وإن كتبت نثراً فتخاله شعراً. وفي حفل سابق أقيم في دار الأوبرا بدمشق بقيادة المايسترو "عدنان فتح الله" تم تقديم "يا طيور الحب غني.. وانثري الأحزان عني.. وأرسلي الأشواق همسة.. أنتِ قيثاري ولحني" هي من كلماتي، ونفذوا لي في "أوركسترا القاهرة" عملاً من كلماتي أقول فيه "عندما البدر بليلي قد أهلّ.. كل نجم في سمائي قد أفل.. وإذا ما لاح باسم ثغره.. نهل الصبح نداه ثم علّ"».
الدمج الموسيقي
حول سؤال "إلى أي مدى يمكن للدمج بين الشرقي والغربي في الموسيقا أن يقدّم للملحن آفاقاً وخياراتٍ أوسع، بحيث يتم تطويع أساليب التقنية الغربية المعاصرة وتحويرها بما يتماشى مع جوهر الموسيقا العربية؟" أجاب قائلاً: «قلّما تجد من يمتلك الناصيتين معاً، ولكنني أمتلكهما، فقد بدأت "شرقياً" جداً، الأمر الذي ثبّت هويتي وعمّق فهمي للموسيقا العربية وزاد من حبي واحترامي لها، وجعلت علمي "الغربي" في خدمة الموسيقا الشرقية، ومازجتهما بشكل لا تقوى يد على أخرى، فجعلتهما وكأنهما يدان متماسكتان تشدان من أزر بعضهما بعضاً، بدليل أن الألمان قالوا لي "أخرجتنا من المونوتون" في سيمفونية "الربان والعاصفة"؛ لأنهم استمعوا إلى ما هو جديد ومختلف. كما أن هذا الأمر انعكس على موسيقاي عندما لحنت "جبهة المجد" وكان فيها تمازجاً بين الموسيقا العربية والغربية دون أن يكون بينهما فصل».