تعيد "مدونة الموسيقا"، وفي إطار محاولتها لحفظ الذاكرة الموسيقيّة السوريّة، ولملمة المبعثر والمتناثر منها؛ إحياء ونشر العديد من المواد المنشورة منذ أعوام على مدونة وطن eSyria مدعَّمةً بفيديوهات صوّرها فريقُ عمل المدونة آنذاك، ولم تنشرْ لأسباب فنيّة.
تميَّز بألحانه الشجيّة على آلة الربابة، وكلماته التي دخلت القلوب من غير استئذان، معتمداً على نقطتين أساسيتين، الأولى استمدَّها من خصوصية بيئة منطقة الفرات، والأخرى من تجربته وتفاعله وتواصله مع مفردات المجتمع.
موقع eSyria التقى الشاعر وعازف الربابة "محمود عبد الكريم" والذي بدأ حديثه بالقول: «أنا من مواليد "دير الزور" عام 1974 في قرية "العبد" أو ما يسمّى "البوعمر"، والتي تتبع إدارياً لناحية "موحسن6"، متزوج ولدي ثلاثة أولاد وأربع بنات، لم أستطع أن أكملَ تحصيلي العلمي بسبب ظروفي المعيشية القاسية، وخاصَّة بعد وفاة والدي رحمه الله، وتركت المدرسة بعد حصولي على الشهادة الإعدادية، وذلك لإعانة إخوتي وأخواتي في تأمين متطلباتهم».
أما عن علاقته مع الربابة فقال: «علاقتي مع آلة الربابة بدأت بعد خروجي من المدرسة وأثناء عملي الذي كنت أمارسه مع خالي، في بناء البلوك وصب البيتون، فعندما كنت أرجع إلى البيت ونتيجة حياتي الملأى بالحزن لما عانيته من فراق والدي وتركي لمدرستي التي كانت أملي بتحديد مستقبلي، وخاصة أنّني متابع لدروسي بشكل جيد وعندي مقدرة عالية على الحفظ، حيث بدأت أستمع للأغاني المرتبطة بآلة الربابة والتي كانت ملأى بالشجون، وهنا قرّرتُ وعقدتُ العزيمة على تعلم عزف الربابة والغناء على ألحانها، فقمت بصناعة ربابة بسيطة مكونة من عبوة زيت معدنية، وقوس ووتر من الخيوط التي تستخدم في صيد الأسماك، وبدأت أقلد ما حفظته من أشرطة الكاسيت، وخاصة لشاعر الربابة "ملا ضيف" و"حسين الحسن"، وبقيت على هذه الحالة حتى تمكنت من العزف على هذه الآلة وبشكل متقن، وفي عام 2000 اشتريت ربابة مصنوعة من الجلد، ولكنَّني احتفظت بربابتي التي تعلمت عليها، وأهالي "دير الزور" وخاصةً الريف والبادية يسمعون على الربابة بشغف لما تحمله كلماتها وألحانها من الحنين للماضي، وأحياناً تحكي هذه الآلة قصة أو حادثة معينة جرت في فترات ماضية، وكذلك يمكن الاستماع إلى الألغاز التي تصل إلى المستمعين على شكل قصيد يُغنّى على الربابة».
لم يكتفِ السيد "محمود" بإتقان ألحان الربابة، بل طوّر موهبته ليكتب أشعاراً تُغنّى على ألحانها، حيث قال بهذا الخصوص: «بدأت بكتابة القصائد التي تغنى على آلة الربابة وكانت بداية كتاباتي عام 2001، حيث كتبت قصيدة بعنوان "على فراق الحبيب"، وهذا نموذج من أبياتها:
على فراك الحبيب انشلن اجدامي/ دموع مثل المطر هلن على الغالي
جاني الخبر قلبي مشى وخلاني/ كشمت زيج الثوب وألطم على اركاني
شالو الحلو من الدار راحو يدفنونا/ سلموا عليه ياناس ماعاد تشوفونا
كولو لشايل النعش يمشي على هونا / قلبي وروحي سلم على الغالي
تستاهلون الحزن يامرود اعيوني / واطلب منهم طلب يما يدفنوني
على فراك الحبيب شلي البلعيوني / بيتي من شعر ياناس وانهد العماد
وكذلك قمت بتصوير عدة أعمال مع مؤسسة صوت الحب للإنتاج الفني، ومن هذه الأعمال قصيدة "كالت بدو"، كلمات من الفلكلور البدوي ومن أبياتها:
"كالت بدو كلت أصلنا ونفتخر بي/ ثم الروابي والصحاري سكنا
يابنت حقدج عالبدو وش دواعي/ ليش الحكد يابنت واشجاج منا
يابنت حنا لهاب الصيف نغدي/ ونكطع فيافي لاجل يرعى ضعنا
وبيت الشعر هو عزنا ونلتجي في/ وملتجى فيه الليالي اظهدنا
الطراز بدو والفخر في مباني / شامخ على روس المعالي بفنا
والسيف في دم الاعادي انحني / ليمن دعانا باللوازم وطنا
وتم توزيع الـCD في أسواق "دير الزور" في عام 2006، وأنا بصدد طباعة كتاب بعنوان "ما غني على الربابة في منطقة الفرات"، ويجمع في صفحاته كل ما كتبته وسمعته وبحثت عنه بهذا الخصوص».
وعن مشاركاته، تابع القول: «شاركت بعدة مهرجانات في محافظة "دير الزور"، منها المهرجانات السنوية للفنون الشعبية التي ترعاها مديرية الثقافة والمركز الثقافي، وأيضاً عمل فني مع فرقة "ماري" للفنون الشعبية بـ"دير الزور" وهو بعنوان "الهبرية"، وهذا العمل تراثيٌّ شعبيٌّ يصوّر العادات والتقاليد الشعبية الفراتية، ابتداءً من العرس الشعبي وصولاً إلى العزة والكرامة، وانتهاءً بالعادات الديرية، ومهرجانات "تدمر" السنوية ومنها سباق الهجن، ومهرجان "إدلب" الخضراء للفنون 2010 وكلّ المهرجانات الشعبية في المحافظات السورية».
ومن الوسط الفني التقينا الأستاذ "عادل الطواب"، مدير ومدرب فرقة "ماري" للفنون الشعبية، والذي قال لنا: «الفنان الفراتي "محمود عبد الكريم"، يعتبر العازف الوحيد على الربابة في محافظة "دير الزور"، وأقول الوحيد لأنّه يجيد كل أطوار الغناء والعزف على آلة الربابة، وهو متمكن وأيضاً هو مطرب غنائي، وسريع البديهة والحفظ، وأذكر انه في مهرجان إدلب للفنون الشعبية 2010، أجرى معه التلفزيون السوري لقاء من دون تحضير، فقال له المذيع ماذا تقول في إدلب الخضراء، فأعطاه بيتين من القصيد لا أتذكرهما، ألفهما في فترة قصيرة، وقد نالا إعجاب جميع الحاضرين».
الفن تراث وحضارة، وهو تناغم بين الإنسان وما يحيط به، والأثر الفني الذي تنتجه المواهب الفذة من الإبداع الرائع، فإنه التزام اجتماعي ووطني يعبر الفنان من خلاله عن واقع مجتمعه وتطلعاته، ويرسخ القيم والمبادئ السامية التي تناضل الشعوب من أجل الوصول إليها.