لم تتميز بأنها أصوات قادرة وقوية فقط، وإنما استطاعت تقديم برنامج غنائي من العيار الثقيل، لعمالقة نجوم الغناء في الوطن العربي، مُظهرة ما تمتلكه من إمكانيات عالية، إنها أصوات طلاب المطربة "لينا بيطار" في "المعهد العالي للموسيقا" صف "الغناء الشرقي" الذين أحييوا حفلاً في قاعة التدريبات الأوركسترالية في المعهد، بمناسبة انتهاء العام الدراسي "2024 ـ 2025"، فغرّدوا بأصواتهم إلى حدود السماء.

بين الموشح والدور

تشير المطربة "ليندا بيطار" في حديثها لـ "مدونة الموسيقا" إلى أن عددهم بلغ تسعة طلاب، وهم يتدرجون من السنة الأولى حتى الرابعة، في حين يغيب طلاب سنة التخرج عن الحفل. أما أسماء الطلاب فهم: "ياسمين قويدر، ديانا سعيد، قتيبة عليوي، سيلفانا دياب، نور الدين زيتون، لاميتا يشوع، زياد أمونه، مايا زين الدين، رماح شغلين".

وحول الأسس التي تم اعتمادها لإعطاء كل طالب برنامجه، خاصة أنهم من سنوات مختلفة، تقول "بيطار": «عادة نعطي "موشحات" في السنوات الثلاث الأولى، في حين نعطي للسنوات المتقدمة "أدواراً" لأنها أصعب وفيها ارتجال وعرض لكل مساحة الصوت. وتكون الخيارات في السنة الأولى ضمن ما يمكن أن يبدؤوا من خلاله "الغناء الشرقي الكلاسيكي"، ونصعد معهم بالتدريج نحو الأكثر صعوبة».

وزير الثقافة محمد صالح وعميد المعهد العالي للموسيقا المايسترو عدنان فتح الله والمطربة ليندا بيطار والموسيقي محمد عثمان مع طلّاب الغناء

ولكن هناك طيفاً واسع من الموشحات، يتدرج من البسيط إلى المعقد والصعب والمتعدد المقامات، فكيف تم اختيار المناسب منها لمستوى الطلاب، تقول: «عندما يتم اختيار الموشح المناسب للطالب، نرى إلى أي مدى فيه مقامات وتكنيك، كما يتوقف الأمر على مستوى الطالب نفسه وسنته الدراسية، ولكن هناك موشحات لا أعطيها إلا في السنة الثالثة، خاصة تلك التي تعتمد على تكنيك الصوت ومساحته وفيها العديد من النقلات المقامية».

احترام الجمهور

وفيما يتعلق باختيار برنامج ومقطوعات الطلاب، وإمكانية أن يقدموا اقتراحاتهم لما سيُقدمونه، تقول: «غالباً أقوم بالاختيار لأن أستاذ المادة لديه معرفة أكبر بالقطعة المناسبة، والتي تظهر تطور الطالب من فصل إلى آخر، ولكنني أستمع إلى اقتراحاتهم وإن كان فيها ما يناسبهم أفضّل أن يغنوا ما يحبونه، أما إن كان لا يناسبهم فلا أوافق عليه».

الطالبة ياسمين قويدر

ولكن في حال تم إعطاء طالب أغنية لم يحبها ويتفاعل معها، ألا يؤثر ذلك على أدائه لها؟، تجيب: «هذا الأمر كثيراً ما يحدث، حتى أنه في الفصل الأخير هناك طالبتان عندما أعطيت لكل منهما قصيدة شعرتا بداية أنهما تريدان اقتراحاً آخر، ولكن بعد التمرين وغناء كل منهما القصيدة المُختارة لها شكرتاني على الاقتراح، وهذا الأمر يأتي من خلال الخبرة في أن تأخذ كل طالب إلى المكان الذي يناسبه».

أما عن الملاحظات التي تعطيها لطلابها حول تفاصيل الوقوف أمام الجمهور، تقول: «إلى الآن أخاف من الوقوف أمام الجمهور، وكل مرة أشعر وكأنها المرة الأولى التي أقف فيها أمامه، لذلك أقول لهم أن هناك خوفاً ينبغي أن يبقى لأنه مسؤولية واحترام للجمهور، ولكن لا تجعلوه يسيطر عليكم بل أنتم سيطروا عليه، وليكن تركيزكم دائماً عالياً بما تقدمونه».

الطالب قتيبة عليوي

وعن تعاملها مع طلابها مع اختلاف مستوياتهم، تقول: «أعامل الطلاب كلهم المعاملة نفسها فلهم كلهم المكانة ذاتها، ولكن هناك طالب يهتم بالمادة التي يدرسها وينتظر من أستاذه كلمة أو ملاحظة أو نصيحة، فيأخذ منه أكثر، لأن من يشعرك أنه يريد معلومات منك لا تستطيع إلا أن تعطيه كل ما تستطيع. وفي الوقت نفسه تجد أن هناك طالباً مستكيناً وليس لديه الاهتمام ذاته رغم تنبيهك له، وهذا أمر طبيعي، شأنهم شأن الطلاب في أي مجال آخر».

أهمية الدراسة الأكاديمية

ما طبيعة التدريبات على الأغنية الشرقية وما سبل "فتح الصوت" وكيف تحدث التمرينات؟، تجيب المطربة "ليندا بيطار" قائلة: «دائماً هناك تمارين تنفس، إضافة إلى إحماء الصوت، وبعد ذلك أقوم مع الطالب بفك القطع التي سيغنيها، ونرى خطها وإلى أي مقام تتجه وما الإيقاع، فإن كان لديه مشكلة في المقام أو الدور نسعى إلى تجاوزها وتصحيح الأخطاء لتظهر القطعة بأفضل وجه».

الطالب رماح شلغين

وحول النصيحة التي تتوجه بها إلى الطالب في حال أخطأ بمقام في الفحص أو ضمن الحفل أمام الجمهور، تقول: «هو أمر يحدث، وربما يقدم الأغنية بشكل صحيح خلال الدروس ويقع بأخطاء ضمن الحفل أمام الجمهور، والحل دائماً يكون من خلال التمرين المستمر لأنه يحمي الطالب من هذه الأخطاء، فكلما تمرن على القطعة كلما امتلك ناصية تقديمها بالشكل الأصح».

وتشير إلى أهمية الدراسة الأكاديمية، فهناك الكثير من المواهب الكبيرة والأصوات الجميلة بالفطرة، ولكن يظهر العلم من خلال الناتج وطريقة طرح الأغنية وطريقة فهم القطعة التي تُقدم. تقول: «عندما تدرس الموسيقا ستدرك أن الموهبة منفردة لا تكفي، وتحتاج إلى دعم من خلال الدراسة، فالأكاديمي يدرس القطعة وتفاصيلها وكيف سيقدمها، وهو أمر يظهر عند الغناء، خاصة أمام الموسيقيين الأكاديميين».

الطالبة مايا زين الدين
الطالب زياد أمونة

الطرب العربي الأصيل

الطالب زياد أمونة مع العازفين والطلاب المشاركين في الحفل

المايسترو سمير كويفاتي الذي حضر الحفل وصف الطلاب بأنهم "بجننوا"، وقال: «هناك طلاب "سابقون لوقتهم"، وأعطيهم بالنسبة للوضع الحالي 8/9 من عشرة»، مشيراً بحسرة إلى أنهم مهما أنجزوا وقدموا فلن يصلوا إلى عشر شهرة بعض من يحتلون الساحة اليوم، رغم أنهم الأفضل بمئة مرة.

أما المايسترو مؤيد الخالدي، فأكد لـ "مدونة الموسيقا" بعد الحفل أنه استمع إلى مواهب كبيرة، يقول: «أعرف أكثرهم بشكل جيد، ولكن اليوم رأيت أداء مختلفاً ساحراً، وجميلاً جداً وفيه نوع من الامتاع والطرب الذي لم يبرز سابقاً، لقد قدموا أفضل ما لديهم، وأشعر أنني أمام مواهب تشرّبت الطرب العربي الأصيل، وهو أمر هام خاصة أنه في الفترة الأخيرة هناك حالة من الفوضى الموسيقية والغنائية، ولكن اليوم نرى شباباً وشابات متعطشين للموسيقا العربي، وأثبتوا أن الفن العربي الأصيل كان ولايزال وسيبقى».