بكثير من الحماس والشغف أحيا الطلاب المتفوقون في المعهد العالي للموسيقا حفلين موسيقيين بمناسبة انتهاء العام الدراسي "2024 ـ 2025". هذا التقليد السنوي الذي تميّز هذه المرة بأنه لم يقتصر على حفل واحد فقط كما جرت العادة، وإنما امتد على مدى حفلين أقيما بيومين متتاليين، بسبب العدد الكبير من الطلبة المتفوقين.
نهاية العام الدراسي
ضمن قاعة التدريبات الأوركسترالية في المعهد العالي للموسيقا عزف الطلاب أمام جمهور تفاعل معهم بحب فصفق بحرارة، لما قدموا من أعمال موسيقية عكسوا من خلالها المستوى الذي وصلوا إليه، مقدمين حصيلة جهد وتعب وتدريب، مختبرين قدرتهم الوقوف على المنبر للعزف أمام الحضور بثبات وإبداع.
الأمسيتان اللتان أقامهما المعهد عكستا المستوى الذي وصل إليه الطلاب، فهم يزرعون ما يحصدون في نهاية عام دراسي كامل، وسعيهم إظهار أفضل ما لديهم من أداء، أمام جمهور كان مُنصتاً ومتفاعلاً إلى الأقصى، وشاطرهم الحماس بالتصفيق الحار.
بلغ عدد المتفوقين أربعة وعشرين طالباً وطالبة من مختلف الاختصاصات والمراحل الدراسية في المعهد، انقسموا إلى جزأين. وفيما يلي أسماؤهم واختصاص الآلة الموسيقية لكل منهم: ضم الحفل الأول كل من: سالي أيوب "بيانو"، تالا العيسمي " كونتر باص"، إحسان رقية "باصون"، يعقوب الجادر " قانون"، هلا سكيف "هارب"، نصر الدين جبيلي "ساكسفون"، رواد الصحناوي "إيقاع"، كاربييس طوباليان " تشيللو"، كنان الحسين "عود"، نبيل نصير "ترومبيت"، مايا زين الدين "غناء شرقي". أما الطلاب الذين أحيوا الحفل الثاني، فهم: سمية أبو الفضل " كمان"، لجين الداكشلي " فلوت"، ليال مقلد " غناء أوبرالي"، دانيال الحرفوش "بزق"، عدنان تلاوي "توبا"، شفيق ياغي "إيقاع"، أمجد الحايك " غيتار"، رنيم أبو طراب " كلارينيت"، فراس شيا " ناي"، عرين محرداوي "ترومبون"، نور دلول "فيولا".
تشجيع الطلاب
حول الفعالية الموسيقية التي يقيمها المعهد نهاية كل عام، وخصوصية ما قُدّم هذه السنة، تحدث عميد المعهد العالي للموسيقا المايسترو "عدنان فتح الله" لـ "مدونة الموسيقا" قائلاً: «المعهد يشجع هذه الحفلات لسبب مهم، فالطالب يقوم بتحضير برنامج خلال العام كله ليعزفه أمام اللجنة الفاحصة، وبالتالي من الضرورة بمكان أن يواجه الجمهور أيضاً ويعزفه أمامه، لأن حالة الحفل والوقوف أمام الجمهور مختلفة تماماً عن الامتحان، والأمر متعلق بكيفية إيصاله الموسيقا التي يعزفها بطريقة مهمة إلى الجمهور ويكسر حاجز الخوف وحاجز التوتر من ملاقاة الناس. وهذا يخدم الحالة التدريسية، لأن من يتخرج من المعهد العالي للموسيقا هو عازف منفرد ومحترف على آلته».
ويشير إلى أن طلاب الحفلين الموسيقيين هم المتفوقون في السنوات كلها على الاختصاص "بيانو، كمان، قانون، فيولا.."، ما عدا السنة الخامسة التي سيكون لها شأن آخر له علاقة بالتخرج من المعهد. وفيما يتعلق بالبرنامج المقدم فهو مختارات مدة كل منها حوالي ست دقائق، وهي مما قدمه كل طالب في الامتحان، حيث تكون مدة العزف في الفحص ما بين 20 إلى 25 دقيقة.
كما يؤكد أن ما تم إنجازه هو حصيلة جهد وعمل وتعب مشترك من رؤساء الأقسام والأساتذة الاختصاصيين والمرافقين على آلة "البيانو" وأساتذة النظري. ويضيف: «حملت الفترة الماضية ظروفاً خاصة، ما اضطرّنا لإيقاف الدوام فترة من الزمن ثم عدنا واستمرينا، فمن المهم أن يقدموا هذا النتاج الذي حققوه بتميز وتحدٍ رغم الظروف. وأن يحييوا هذه الحفلات التي تأتي برعاية من وزارة الثقافة».
نحو الحياة العملية
وكيل المعهد العالي للموسيقا وعازف الفيولا "مروان أبو جهجاه" أكد لـ "مدونة الموسيقا" أن الطالب الذي شارك في الحفل هو من حصل على أعلى علامة بالآلة، وعن عدد المتفوقين الكبير هذه السنة، يقول: «كان الأمر مفاجئاً لنا، خاصة أننا وضعنا مقياساً صعباً بحيث أن كل من حصل على علامة جيد جداً وما فوق يحق له المشاركة. ولدى متابعة النتائج وجدنا أنه في كل الاختصاصات هناك متفوق وعلامات متميزة، مما استدعى إجراء الحفل على مدى يومين، في حين أن المخطط الأساسي كان إقامة حفل ليوم واحد فقط».
وأشار إلى أن عزف الطلاب في الحفل يُعتبر فرصة لهم، ليرى مجتمعهم الصغير ما الذي حققوه وأنجزوه خلال عام في المعهد، ومن هنا أتت الفكرة، فقد تمرنوا ودرسوا وقدموا الامتحان وحان الوقت ليعرضوا نتاجهم في حفل موسيقي.
وفيما يتعلق بالنصائح التي تُعطى للطلاب حول مواجهة الجمهور، يقول: «مما لا شك فيه أن جو الحفل مختلف عن الامتحان، ففي الامتحان يكون هناك خوف لوجود لجنة ستقيّم ما يُقدم وتضع علامات وترى كيف كان دوام الطلاب والتزامهم وأداؤهم فهناك رهبة للفحص، أما في الحفل فهم يعرضون أمام جمهور أتى ليفرح بهم وأغلبه من أهاليهم وأصدقائهم، وبالتالي الجو إيجابي ومشجع، والمفروض أن يكون الطلاب مرتاحين وأجواء الجانب الموسيقي هي المتفوقة، فكل منهم يُظهر شخصيته الخاصة وما قدمه في الامتحان بشكل أكاديمي ودقيق جداً يعرضه في الحفل بشكل جماهيري ويضع بصمته الخاصة». ويعتبر الحفل بمثابة باب فُتح أمامهم نحو الحياة العملية، ونحو الجمهور على نطاق ضيق ولكنه سيتسع رويداً رويداً.
آلية التقييم
ما العوامل التي يتم على أساسها تقييم مستوى الطالب في الامتحان؟، يجيب وكيل المعهد "مروان أبو جهجاه" قائلاً: «يبقى تقييم المجالات الإبداعية أمر بالغ الصعوبة، فرغم وجود معايير للتقييم إلا أن الجانب الإنساني يلعب دوراً كبيراً، فنحن نتعامل مع الموسيقا وما يلامس شخص ربما لا يلامس آخر. ولكن بالنسبة إلينا في المعهد معاييرنا دائماً ثابتة، فطول البرنامج له دور ودرجة صعوبته والإتقان في تقديمه له دور أيضاً، إضافة إلى حفظ الطالب للبرنامج أو ارتباكه خلال تقديمه، وطريقة تعاطيه مع أجواء الامتحان وإلى أي مدى يستطيع أن يعمل "كونترول" على نفسه، كما أن هناك تقريراً لكل طالب يُقدم من قبل أستاذه، يشمل دوامه ومقدار عمله والتزامه خلال العام، وهل تطور واشتغل على نفسه بشكل جيد. فكلها أمور تؤخذ بعين الاعتبار ومنها تولد نتيجة الطالب التي تكون متناسبة مع حالته بكل التفاصيل التي مر بها خلال عام دراسي كامل».
وحول المناهج الدراسية المرتبطة بكل آلة موسيقية، يقول: «هناك منهجية في البرنامج الذي يُعطى للطلاب، فعلى سبيل المثال في السنة الأولى نضع البرنامج بين حدّي الأسهل والأصعب لما يمكن إعطاؤه لطالب السنة الأولى خلال العام، وهنا يأتي دور الأستاذ في معرفة مقدرة طالبه وما الذي يمكنه تحقيقه، فيعطيه أكثر بقليل من قدرته بحيث يقوى أكثر، وبذلك لا يكون البرنامج سهلاً ولكنه متناسباً مع مستواه».
عمق الجملة اللحنية
يتحدث المايسترو "إيهاب قطيش" عن كيفية تحضّير الطلاب لملاقاة للجمهور، يقول: «صحيح أننا ندرّسهم كيف يعزفون النوطة وكيف يحللون طريقة العزف والجملة الموسيقية، ولكن هذا كله سيكون نتاجه الظاهر حول كيف سيقابل الطالب الجمهور وكيف تتكون شخصيته ويوصل إحساسه بهذه المقطوعة، وكيف يتطور، ويعزف مع الجماعة وينتقل من جملة إلى أخرى خلال العزف، وكيف يكون تعاطيه مع البيانو الآلة المرافقة..، أي مواجهة الجمهور بإحساسه كعازف وباحترافية».
وحول النصائح التي يعطيها لطلابه يقول: «دائماً أقول للطالب لا تعزف في مكانك على آلة النفخ وإنما أعزف للجمهور، فعندما تنفخ ينبغي أن توصل صوت النوطة بشكل متكامل له دون نشاز، وأن يكون صوت الآلة قوياً ويعطيني علامات نقية، لا تخف أو تتردد، كن حاسماً في أوقات معينة، كن عميقاً في الجملة اللحنية التي تقدمها.. هي كلها ملاحظات مهمة، لأنه خلال الدرس يكون الأستاذ مع طالبه فقط، ولكن عندما يعزف الطالب في الحفل سيكون أمام الجمهور على المسرح وعليه أن يوصل صوت آلته للحضور».