أقيم على خشبة مسرح القباني ملتقى آلة البزق بدمشق، وهو امتداد مهرجان "البزق" الذي يقام بشكل سنوي، لتكون هذه الدورة الثالثة عشرة منه، وامتدت على مدار ثلاثة أيام متتالية، قُدّمت خلالها تجارب موسيقية متنوعة المشارب تجاور فيها الجيل الشاب مع الجيل المخضرم، مًظهرة باقة منوعة وغنية من الأعمال الموسيقية التراثية التي تم عزفها على آلات "البزق، الطمبور، الباغلمة".

بين المهرجان والملتقى

أقيم "الملتقى" بإشراف ورؤية "إدريس مراد" الذي تحدث لـ "مدونة الموسيقا" عن سبب تسميته "ملتقى" وليس "مهرجان" كما جرت العادة، يقول: «التسميتان متقاربتان، وعلى مدى اثني عشر عاماً كان اسمه مهرجاناً، وغيّرنا هذه السنة باتجاه تسمية بالملتقى، لأن هذه الدورة أكثر توسعاً مقارنة مع الدورات السابقة، وقدمنا فيها الجديد وشكّلت نافذة للّقاء أكثر من الدورات الأخرى. وأرى أننا في هذه الظروف بحاجة إلى اللقاء أكثر من أي وقت مضى، ولذلك أحببنا تسميته ملتقى آلة "البزق"».

وفيما يتعلق بتطور المهرجان والجديد المُقدم فيه مقارنة مع الأعوام السابقة، يقول: «بالإضافة إلى الوجوه والمعزوفات الجديدة وتقديم مجموعات جديدة، قدمنا كل يوم أغنية لها علاقة بآلة "البزق"، ففي اليوم الأول كانت أغنية "شو قولك فينا نرجع" لـ "عازار حبيب" حاضرة معنا وأداها "سليمان حرفوش"، وقدمنا في اليوم الثاني أغنية "رقة حسنك وسمارك" ألحان أمير البزق "محمد عبد الكريم" وغناء "نجاح سلام"، وأداها "شادي رزوق"، وفي اليوم الأخير كانت هناك أغنية كردية قدمها آلان مراد».

محمود خليل (البزق) وطالباته (الطمبور) ورامي ابراهيم (إيقاع)
بحري التركماني (البزق) أحمد شتار (البزق) جهاد عازر (إيقاع)

مدراس عزف "البزق"

شكري سوباري (بزق) ومحمود خليل (عود) ورامي ابراهيم (إيقاع) وصياح عبد العال (دف)

حول ما تم تقديمه والسعي إلى إظهار حالة التنوع والغنى في التراث الموسيقي، يقول: «أعتبر أنه في سورية هناك ثلاث مدراس للعزف على آلة البزق، المدرسة الداخلية الأكاديمية ويمثلها الأستاذ "محمد عثمان"، مدرسة أمير البزق "محمد عبد الكريم"، وهي موجودة بين عازفين سورين من بيئات مختلفة، ومدرسة "سعيد يوسف" من القامشلي. وقد حرصنا في الملتقى على تواجد هذه المدارس الثلاث معنا، فالمدرسة الأكاديمية مثّلها العازفان "آلان مراد وغاندي حنا"، أما مدرسة أمير البزق "محمد عبد الكريم" فمثلها العازف والموسيقي "بحري التركماني". والمدارس الأخرى كانت موجودة من خلال "آلان مراد وبحري التكرماني" والعازفين الآخرين».

وعن الأسس التي تم من خلال انتقاء المكرمين في الملتقى، يقول: «حاولنا أن نكرم هذه المدراس، ومن له علاقة بهذه الآلات على مدى سنوات، أو من يحاولون أن يعلّموا الأجيال المتعاقبة عليها، فـ "شكري السوباري" هو عازف له باع طويل مع هذه الآلة ومضى عليه أكثر من أربعين عاماً وهو يعزف عليها، و"غاندي حنا" يمثل المدرسة الأكاديمية وهو خريج كلية التربية الموسيقية كما أنه يعلّم أجيالاً على هذه الآلة، وبالنسبة للفن الشعبي هناك "نزيه كورداغي" و"علي آشتي" الذي له باع طويل مع هذه الآلة، خاصة من ناحية الأغنية الكردية الملتزمة، و"بحري التكرماني" الذي يمثل مدرسة "محمد عبد الكريم"».

آلان مراد (البزق) وكاربيس طوباليان (تشللو) وهيثم العفلق (كيبرود) ورواد جلول (إيقاع) وسليمان حرفوش (غناء)
بهجت سرور (ساز) وهيثم العفلق (كيبرود) ورواد جلول (إيقاع) وصياح عبد العال (دف).

اختيار العازفين

روستو رمضان (الطمبور) ورامان أحمد (الغيتار)

وعمّا حرص على تقديمه وإبرازه ضمن هذه الدورة، وإن كان ذهب باتجاه محاولة تقديم أكبر عدد من العازفين على آلات عائلة "الطمبور"، يقول: «نسعى دائماً إلى الجديد في المهرجان، وأحاول أن أكون على مسافة واحدة من اختيار العازفين من كل المدن السورية، لكن هذه الآلات لها علاقة أكثر بالثقافة الموسيقية في "الجزيرة السورية" وبعض بلدات ريف "الرقة" وريف "حلب" كعفرين وعين العرب، ولذلك يكون التواجد الكردي فيها أكبر، ولكن دائماً أحاول أن يكون هناك عازفون من مناطق أخرى، وخاصة على آلة "البزق"، لأن آلة "الطمبور" محصورة بـ "الجزيرة السورية"، في حين أن "البزق" موجود في عدة محافظات سورية، ولذلك أحاول أن يكون هناك حالة من التنوع، وهذه السنة كان معنا عازفون من "دمشق وريف دمشق وطرطوس"، أما الآلات المرافقة فكلها لعازفين من "دمشق وريفها وحمص والسويداء" والعديد من المحافظات الأخرى».

وفيما يتعلق بأهمية تقديم الوجوه الجديدة يشير إلى أن "المهرجان" نافذة لعازفي هذه الآلات خاصة أن تواجدهم قليل على المسارح السورية بشكل عام، وبالتالي هي فرصة كبيرة للوجوه الجديدة، مؤكداً أنه عندما تشجّع العازف فإنك تعطيه حافزاً للاستمرار على هذه الآلة، وهذا الأمر أحد أهداف المهرجان.

تطور لافت

تحدث الموسيقي وعازف آلة البزق "شكري سوباري" عن تطور "المهرجان" الذي بات اليوم "ملتقى" مؤكداً أنه دائم المشاركة فيه منذ نسخته الأولى، يقول: «أول سنة كانت أشبه ببروفا ضمت عازفين مبتدئين وآخرين أكاديميين، وفي السنوات الثلاث التي تبعتها جرى تطور لافت لدى العازفين، فكنا مع الأستاذ "إدرسي مراد" نسافر إلى مختلف المحافظات السورية لنجد العازفين الجيدين على "البزق والطمبور والباغلمة" والذين يستحقون الحضور ضمن المهرجان، ولكن عندما نتحدث اليوم عن الدورة الثالثة عشر فنجد أن هناك تجديداً وتقدماً قد طرأ على المهرجان والعازفين المشاركين فيه الذين طوروا من عملهم، خاصة عندما وجدوا أن هناك اهتماماً وتكريماً».

وتمنى "سوباري" أن يكون "البزق" ضمن التخت الشرقي، مشيراً إلى أن هذا الأمر تحقق إلى حد ما، ففي سوريا بدأ يحقق "البزق" حضوراً ضمنه رويداً رويداً.

نكهة خاصة

الفنان وعازف آلة الطمبور "علي آشتي" الذي سبق وشارك قبل عدة سنوات في المهرجان، يعود اليوم ليؤكد أن النسخة الجديدة بات لها نكهتها الخاصة، مشيراً إلى أنه تابع ما قدمه العازفون خلال الأيام الثلاثة للملتقى ورأى أنه نموذجي وجميل، يقول: «قدمت في اليوم الأخير من الملتقى أغنية بعنوان "صديقتي" من تأليفي وألحاني وكلمات شعراء من "عفرين"، وهي أغنية رومانسية من مقام "حجاز كار" وإيقاع "فالس" على النمط الكلاسيكي، ولها روح مختلفة ويمكن القول أنها أقرب إلى الموشحات، كما قدّمتُ عملاً جماعياً ينتمي إلى التراث العفريني».

أما الموسيقي وعازف آلة البزق "أحمد خليل" فتحدث عما قدمه في اليوم الأولى من الملتقى مع أربع من طالباته بالمعهد الموسيقي، يقول: «قدمنا أعمالاً من التراث الكردي وعزفنا أغاني من القامشلي، وارتدت طالباتي الزي الكردي وعزفن على آلة "الطمبور"، وكان معنا عازف إيقاع». مشيراً إلى أنه انتقى الطالبات الأربع الأكثر تميزاً ليرافقنه في العزف.

وفي حديث "أحمد خليل" عن خصائص آلة "الطمبور"، يوضح أن فيها وترين رفيعين ووتر "راصور"، وهي تقارب العود إلى حد بعيد، أما عن المساحة الموجودة فيها فهي "أوكتاف ونصف"، ولكنها قادرة على عزف المقطوعات كلها. مشدداً أن آلات مثل "الطمبور، البزق" لم تكن معروفة بشكل كبير، ولكن ساهم المهرجان على مدى دوراته في التعريف بها.

علاقة الفن بالعلم

أعتبر الموسيقي "غاندي حنا" الذي يعزف على "البزق العربي" أن «آلة البزق لأصحاب الذوق الرفيع». فهي تحتاج اليوم بالإضافة إلى الأسلوب الشعبي إلى عازف أكاديمي لديه ثقافة موسيقية كبيرة وإحساس موسيقي عالٍ. يقول: «نعلم أن الفن والعلم توأمان حميما الالتصاق بحيث لا يصح الأول دون الآخر والعكس بالعكس، وبالتالي من الضروري أن يكون العازف مثقفاً موسيقياً، وأكاديمياً قادراً على عزف وأداء القوالب الموسيقية، كالسماعي واللونغا والمدخل والبولكا».

"غاندي حنا" الذي شارك في الملتقى، خريج كلية التربية الموسيقية من جامعة حمص واليوم يقوم بالتدريس في الكلية نفسها، يتحدث عن مشاركته قائلاً: «وجود مهرجان خاص لآلة "البزق" له أهمية كبيرة جداً، فهدفه الأساسي إحياء آلة تكاد تندثر بالإضافة للتعرف على عازفين جدد من مختلف المناطق السورية».

ويتابع: «لدي فكرة أريد طرحها هنا، فأنا أؤيد أن يكون لكل آلة موسيقية مهرجاناً خاصاً بها، بهدف الاهتمام بالثقافة والفن والموسيقا بشكل عام والتعرف على الآلات الموسيقية بشكل خاص. فسوريا بلد الثقافة والفن، وأول نوتة موسيقية اكتشفت في أوغاريت، بالإضافة إلى اكتشاف العديد من الآلات الموسيقية القديمة في سوريا».