لا تعتبر شارات المسلسلات السورية مجرد "تتر" لبداية ونهاية العمل الدرامي، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ منه، حملت في كلماتها وإحساس مؤديها رسالة العمل ككل، لدرجة أن شهرة بعضها تجاوزت شهرة المسلسل نفسه.

نقطة علّام

اللافت في نجاح عدد من الشارات أن بعض مؤديها كان "غناء الشارة" هو العمل الأول لهم، أو أنهم بعيدون عن الضوء، بينما لم تكن كذلك لآخرين، كما أن هناك شارات غناها مطربون معروفون على المستوى العربي، وعلى الرغم من ذلك اشتهرت شارة أكثر من أخرى.

من الشارات التي بقيت في الذاكرة: شارة مسلسل "أهل الغرام" للموسيقي "طاهر مامللي" وغناء "نورا رحال"، شارة "ذكريات الزمن القادم" كلمات "ريم حنا" والتأليف الموسيقي "طاهر مامللي" وغناء "مايا زين الدين ورماح شلغين"، شارة "الولادة من الخاصرة" بعنوان "منبر الموتى" التأليف الموسيقي "سعد الحسيني" وغناء "فرح يوسف"، شارة مسلسل "الندم" بعنوان "قلبي علينا" ألحان "إياد الريماوي" وشعر "عدنان العودة" وغناء "كارمن توكمه جي وإياد الريماوي"، شارة مسلسل "ضبو الشناتي" بعنوان "سفرني ع أيا بلد" موسيقا "إياد الريماوي" وغناء "كارمن توكمه جي"، وأغنية "رفاق الدرب" بمسلسل "الزند"، كلمات "برهوم رزق" وألحان "آري جان" وغناء "مها الحموي".

المؤلف الموسيقي سعد الحسيني

كما غنى مطربون سوريون وعرب مشهورون بعض أغاني المسلسلات السورية، منها أغنية مسلسل "نزار قياني" بعنوان "القصيدة الدمشقية" وغنتها "أصالة نصري"، وأغنية مسلسل "عناية مشددة" بعنوان "ويمر بي طيفها" غناء "آدم"، وشارة مسلسل "أهل الراية" لـ "ملحم زين"، ومسلسل "دقيقة صمت" لـ "معين شريف".

شارة "باب الحارة"

ارتبطت بعض الشارات بالموسم الرمضاني، كشارة مسلسل "باب الحارة" بعنوان "يا أهل المروة"، والتي غناها المنشد والوشاح "عدنان الحلاق" للموسيقي "سعد الحسيني" وتُعتبر من أشهر الشارات التلفزيونية التي ارتبطت بحارات الشام القديمة، وجسدت العادات والأصالة الدمشقية.

المنشد والوشاح عدنان الحلاق

تحدث المنشد والوشاح "عدنان الحلاق" لـ "مدونة الموسيقا" عن تجربته في غنائها، قائلاً: »تم اختياري لأداء الشارة عن طريق الصديق عازف الإيقاع "أحمد حمامي"، حيث كنا نعمل سوياً في فرقة إنشادية، وقام بترشيح اسمي للملحن "سعد الحسيني" الذي سمع صوتي ووافقه المخرج "بسام الملا"«.

وعن اختلاف أداء الأغنية عن الإنشاد يقول: »أداء الشارة يختلف كلياً عن الإنشاد لوجود الموسيقا فيها، والمنشد أو المؤدي لأي شارة من المهم أن يكون عنده خامة ومساحة صوتية مناسبة، وإحساس عالٍ ليعيش الكلام مع اللحن، وعندما أعطاني الملحن كلمات الشارة، طلب مني أن أؤديها بطريقتي ففعلت، ثم عدّل وفق رؤيته، واتبعت هذه الرؤية في أدائي لها«.

المغنية سارة درويش

يتابع: »إضافة لأغنية الشارة غنيت في المسلسل "يا رب يا عالي شوف عبدك" التي رافقت مشهد "وفاة الزعيم"، وقبل التسجيل قال الملحن "سعد الحسيني" أنه لن يقوم بالتسجيل إلا حين يشعر بأنها أوصلت إحساساً تقشعر له الأبدان، وبعد أدائي لها للمرة الرابعة دخلت إلى غرفة "الكونترول" فوجدته يبكي من شدة التأثّر، وقال لي الآن أستطيع التسجيل«.

ويشير إلى أنه حقق نجاحاً كبيراً من خلال هذه الشارة، فلم يجتمع بأحد إلا وكان سمعها أو حفظ كلماتها، وكان يُطلب منه دائماً غناءها في الحفلات، لافتاً إلى أنه أحيا العديد من الحفلات في الوطن العربي "العراق، الأردن، لبنان، السعودية، الإمارات العربية" إضافة إلى "لندن، باريس".

ويؤكد أنه أدى أيضأً شارة الأجزاء "10 و 11 و 12" من مسلسل "باب الحارة" والتي جاءت بعنوان "كلمتنا عهد علينا" ألحان "سعد الحسيني"، كما غنى شارتي مسلسلي "الفدائي" و"الروح"، ولكنه يوضحه أن هذه الشارات كلها لم تنل الضجة الإعلامية التي نالتها شارة "يا أهل المروة".

بين الشارة والأغنية

أدت المغنية "سارة درويش" عدداً من شارات المسلسلات التلفزيونية، منها: شارة مسلسل "دومينو" التي جاءت بعنوان "أسرار بقلبي"، وشارة مسلسل "وحدن"، كذلك غنت شارة مسلسل عن "الهوى والجوى" إضافة إلى الأغنيات الموجودة داخل العمل، وأغنية الختام في مسلسل "تاج"، وشارة مسلسل "أقل من عادي" بعنوان "ما تخافي" إضافة إلى ست أغنيات داخل العمل، منها أغنيتي "ومشيت، شي حلو".

ومن أحدث أعمالها ضمن هذا إطار غناء شارة النهاية لمسلسل "تحت سابع أرض" للمؤلف الموسيقي "آري جان"، والتي حملت في معانيها حكاية المسلسل ووجع الحب والفراق. حول خصوصيتها تحدثت "سارة درويش" لـ "مدونة الموسيقا" قائلة:» عملت مع الموسيقي "آري جان" منذ عشر سنوات تقريباً، وهناك تعاون بيننا في أداء الشارات، كما أن لديه تعاوناً مع عدد من الفنانين، ولكن كنت برأيه المناسبة لأدائها، وأتمنى أن أكون قد أضفت شيئاً من ذاتي كي تصل الشارة إلى الناس وتلاقي الإعجاب«.

وفيما يتعلق بوجه الاختلاف بين الغناء العادي وغناء شارات المسلسلات، تقول: »مما لا شك فيه أن التجربة تختلف بين الحالتين، لأنه يتعين على المطرب إيصال أحداث المسلسل من خلال الشارة التي يقدمها، ومحاولة حكاية أكثر من قصة ضمن أغنية واحدة، وعندما أؤدي أي شارة لا أعتبر نفسي مطربة بل ممثلة، لأنني أعيش الشخصية لأتمكن من إيصال مشاعرها نفسها، فالمشاهد الذي يسمع الأغنية ينبغي أن يربطها بالمسلسل، كما يربط المسلسل مع الأغنية«.

التمكن من الأداء

وعن المعطيات التي ينبغي توفرها لدى مغني الشارة، تضيف "سارة درويش" قائلة: »كان يتطلب الموضوع مني أحياناً تغيير طريقة الصوت لتتناسب مع الشارة، حتى أنني اضطررت في إحدى المرات إلى تضخيم صوتي لأبدو امرأة أكبر عمراً ولإيصال حالة ما تعانيه من الإرهاق، وفي أحيان أخرى كنت أغني بصوت رفيع لأنقل إحساس فتاة صغيرة بالعمر. وبرأيي مغني الشارة عليه أن يكون متمكناً من أداء الشخصية ضمن الأغنية«.

وتشير إلى أنه ليس من سبب معروف وراء نجاح أغنية شارة مسلسل دون أخرى، فقد يلعب التوزيع الفني دوراً، كما أن الذائقة الفنية ربما تتغير من موسم إلى آخر، تقول: »ينبغي أن يكون المسلسل مشغولاً بحرفّية وأن يتم اختيار فريق العمل والموزع الموسيقي بذكاء، فالموسيقا التصويرية مهمة جداً لنجاح العمل الدرامي«.

رسالة العمل

المؤلف الموسيقي "سعد الحسيني" صاحب البصمة الخاصة في تأليف وتوزيع الموسيقا التصويرية للدراما السورية، ومن أعماله نذكر: "العبابيد، أسعد الوراق، الولادة من الخاصرة، أهل الراية، ليالي الصالحية، الخوالي" وغيرها الكثير، إضافة إلى "باب الحارة" الذي حصدت شارته "يا أهل المروة" المرتبة 54 عالمياً ضمن الأغاني الأكثر استماعاً على منصة الموسيقا الشهيرة في ألمانيا "iTunes".

حول آلية اختيار المؤدي المناسب للشارة تحدث لـ "مدونة الموسيقا" قائلاً: »اختيار المغني أو المؤدي المناسب لشارة مسلسل كان يتم سابقاً بناء على هوية المسلسل ورسالته، فلا قيمة لأي عمل لا يحمل رسالة خاصة به، كما أن "التوفيق" يلعب دوراً كبيراً في نجاح الشارة، فعلى سبيل المثال في مسلسل "باب الحارة" كنت أبحث عن صوت مميز، خاصة بعد أن حققت كل من شارتي مسلسلي "ليالي الصالحية" التي أداها "ينال طاهر"، و"بكرا أحلى" التي أداها المغني العراقي "محمد عبد الجبار" صدى مميزاً، وهما من كلمات الشاعر الغنائي "أسامة السعود«".

ويتابع: »أما في مسلسل "باب الحارة" فقد تم اختيار مغني الشارة بالمصادفة، حيث زارني صديقي "أحمد حمامي" وتحدثت معه عن هاجسي في البحث عن صوت جديد ومميز لأداء الشارة، فاقترح المنشد "عدنان حلاق"، ولدى لقائه اتخذت قراري فوراً وتم تسجيل الأغنية بصوته، والتي حققت نجاحاً مدوياً لم يكن متوقعاً. وتكرر الأمر معي لدى اختياري مغني شارة "الولادة من الخاصرة" كلمات الشاعر الغنائي سامر غزال، حيث تم اقتراح اسم المغنية "فرح يوسف" من قبل عازف التشيلو "موفق الذهبي"، وحدث ذلك قبل شهرتها وبروزها في برنامج المواهب. ويضاف إلى ذلك كله عدم تدخل جهة الإنتاج في قرار المؤلف الموسيقي حول من سيغني الشارة«.

إيصال الإحساس

يشير المؤلف الموسيقي "سعد الحسيني" إلى عدد ممن تعاون معهم في غناء الشارة، يقول: »منهم على سبيل المثال الفنان "عاصم سكر" صاحب الحنجرة الذهبية في غناء العديد من أعمالي، وكان يتم اختياره بناء على معرفته الواسعة وخبرته الكبيرة في مجال الغناء إضافة إلى صوته المميز، كذلك هناك العديد من الأصوات المميزة ممن أدوا الشارات أو الأناشيد، والذين قمت باختيارهم دون تدخل من الإخراج أو الجهة المنتجة للعمل، منهم: المرحوم المنشد "عبد الرزاق المنجد"، والمنشدون "فواز الخواجة، مأمون عبد السلام، حسان المؤنس، محمود الصياد، ضياء صادق"، والمطربة الراحلة "ميادة بسيليس"، وكل من "شام المردي، نور عرقسوسي، أماني عربي، هدية السبيني، نهلة موسى، أحلام ديب"«.

ويضيف: »للأسف في الآونة الأخيرة بات الإخراج والجهة المنتجة يتدخلان في اختيار من سيؤدي الشارة مما أثر سلباً على العمل، والدليل أن هناك شارات غنائية حققت انتشاراً جماهيرياً أهم من شارات غنائية أداها نجوم في الغناء«.

وفيما يتعلق بشروط اختيار مؤدي الشارة، يؤكد أن هناك شروطاً ينبغي تحقيقها عند اختيار مغنٍّ دون آخر، فعلى سبيل المثال من غير المقبول انتقاء مغنٍّ ليؤدي إحساساً إنشادياً، والعكس صحيح، منوهاً إلى أن هناك استثناءات قد تحدث، لذلك يستطيع المطرب المتمكن أحياناً من غناء الشارات وفق طبيعة معينة، ومثال ذلك مسلسل الدراما الاجتماعية "كثير من الحب كثير من العنف" الذي يحمل لمسة كوميدية، كذلك غناء الفنان "عاصم سكر" لكل من شارة مسلسل "عطر الشام" والمسلسل الكوميديا الهادف "أزمة عائلية" الذي كان مثالاً واقعياً لقدرة المؤدي على إيصال الإحساس المطلوب للمشاهد والانتقال به إلى الشعور الذي يناسب رسالة العمل.