بأنغام الزمن الجميل..فرقة "قصيد للموسيقا العربية" تؤدي أغاني وألحان آليّة بلغة هارمونية مع الحفاظ على الهوية والطابع العربي للألحان

بأنغام تعيدك إلى الزمن الجميل وذكريات الماضي تؤدي فرقة "قصيد للموسيقا العربية" مقطوعات غنائية وألحان آليّة (من دون كلمات) بلغة هارمونية أوركسترالية مع الحفاظ على الهوية والطابع العربي للأعمال التي تؤديها.

تشكلت الفرقة بعام 2007 من طلبة وخريجي المعهد العالي للموسيقا بدمشق. اتخذت من مسارح دار "الأوبرا" السورية منطلقاً لها ومنصة لانطلاقتها في رحلة طموحها التي تعنى بتوثيق الغناء العربي والمحافظة على شخصيته المميزة، رابطة بین التراث والحداثة بما لا يؤثر على قيمة التراث وأصالته، ولا ينحاز إلى الحداثة المطلقة!

المايسترو كمال سكيكر

كما عملت الفرقة على أداء مختارات موسيقية من التراث، إضافة إلى الأعمال الإبداعية المحيطة بكل قديم وأصيل من الأعمال الغنائية العربية بشكل عام، والسورية بشكل خاص بلغة أوركسترالية لا تؤثر على النكهة والمزاج العربي الأساس سواء في التلحين أو الغناء محافظةً في عملها على التفاصيل التي تعطي للغناء العربي شخصيته، فضلاً عن الأعمال الآلية المكتوبة للأوركسترا العربية التي تبرز بدورها الآلات العربية متساوية مع الآلات الأوركسترالیة المعروفة ضمن أعمال تجريبية وتجديدية تدعم التراث الموسيقي العربي وترفده بالحداثة.

قائدها ومؤسسها "كمال سكيكر" من مواليد عام 1976، من خريجي صف العود في المعهد العالي للموسيقا عام 2004، مؤلف وموزع وملحن موسيقي، ألف العديد من الأعمال الموسيقية في القوالب العربية المعروفة كالسماعي واللونغة والبشرف والتحمیل، وعدد من القطع الموسيقية الإبداعية كمقطوعة "سحر الشرق" ومقطوعة" لھا الحب" التي عزفتهما الأوركسترا الشرقية اللبنانية، وعدد من القطع الموسيقية كمقطوعة "تحية إلى الشهيد"، كما لحن عدداً من قصائد كبار الشعراء العرب، منهم الشاعر السوري الكبير "بدوي الجبل" كقصيدة "الحب والله" وقصيدة "شقراء" وقصيدة "يا قمر"، كما لحن قصيدة "المبعدون" للشاعر العربي الكبير "نظمي جمال"، وأيضاً قصيدة "شآم" للشاعر السوري "صالح الھواري" والتي غناها المطرب السوري "سومر نجار"، كما وزع العديد من الأعمال الموسيقية كباليه "ديك الجن" للمؤلف السوري الراحل "مطيع المصري" والعديد من الأعمال الغنائية لكبار الملحنين والمؤلفين العرب، كما ألف ووزع عشرات الأعمال التي نفذتها الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية على مسارح سورية ومسارح في دول أخرى كروسيا، إضافة إلى أن له عدة مشاركات مع الفرقة الوطنية السيمفونية كمؤلف وعازف عود "صولو" منها: عملين للعود والأوركسترا هما مقطوعة "ورد" وحوارية العود والأوركسترا " كلام". شارك في عدة مهرجانات سورية وعربية وأوربية كعازف على العود وكمؤلف وموزع وكقائد أوركسترا منها "مهرجان الأغنية الوطنية السورية" عام 2014.

المايسترو كمال سكيكر مع بعض أعضاء فرقته

كما رافقت فرقة "قصيد" المغنية المصرية "آمال ماهر" بحفل افتتاح تدمر بعام 2009، ورافقت الفنانة المصرية "عفاف راضي" عام 2019، والمطرب السوري "سومر نجار" في حفل "شهبا يا نور عيوني" من العام نفسه.

الموسيقا هي المقياس الصادق والوحيد للمحبة والتشاركية والتسامح الإنساني هكذا عرفها لنا المايسترو "كمال سكيكر" عندما التقتهُ "مدونة موسيقا".

وعن فرقته "قصيد" وسبب تسميتها قال: "بالنسبة للتسمية "قصيد" فإن عدنا لتاريخ الموسيقا العربية لوجدنا أن أصل الموسيقا العربية هي موسيقا غنائية حيث ارتبطت بالشعر، فكان العرب يغنون القصيد ويتغنون به في أفراحهم وأتراحهم وبطولاتهم وهجائهم وفخرهم، فالغناء بالأصل هو شعر أحبته العرب فتغنت به وأنشدته، ومع التراكم التاريخي للتراث الغنائي أصبح للغناء العربي تفاصيل خاصة غاصت به حتى أعطته نكهة تميزه عن باقي فنون الغناء في العالم، وفرقة "قصيد" تؤدي الموسيقا العربية بشكل خاص والمقطوعات الغنائية بشكل محدد والألحان الصامتة بدون كلمات ومن هنا أتت تسمية "قصيد"، كما أن فرقة "قصيد" –يتابع سكيكر- نشأت على فكرة تقديم الأعمال الغنائية العربية الكلاسيكية واستنباط أعمال جديدة معاصرة من روح هذا التراث الفني العظيم، كما تنتهج أسلوب تعدد المغنيين المنفردين، ومن هنا لا يوجد مغن بالمعنى الموروث الذي يختصر الفرقة كاملة، كما أن "قصيد" تعتمد التوزيع الموسيقي أسلوباً جماعياً، ومن هنا تأتي الضرورة الملحة للكتابة الموسيقية المدروسة التي ينصهر جميع العازفين والمغنين فيها ببوتقة واحدة، وهي فكرة العمل ككل، إضافة إلى كتابة هارمونية في بعض الأعمال، مع الأخذ بعين الاعتبار أن فكرة العمل الذي نريد توزيعه لا يجب المساس بها أبداً".

الربط بين الحداثة والتراث

بالنسبة للتراث الموسيقي العربي فمن المعروف أن الموسيقا العربية هي موسيقا ذات خط لحني واحد متكامل مع ذاته في هارمونية معينة بحيث يكون وقْعُه على المستمع كافٍ ووافٍ بالنسبة للمعنى العام المراد توصيله للمستمع، من هنا تكون الطريقة للوصول إلى الحداثة حسب رأي المايسترو "سكيكر" هي عبر التوزيع الموسيقي المدروس بشكل لا يؤذي أو يُحدِثُ تغييراً بالخط اللحني الرئيسي الذي هو صلب الموسيقا العربية، أي أن الألحان التي ستضاف وترافق اللحن الرئيسي يجب أن تكون داعمة له وألّا يكون هدفها تغييره، وهذا ما يفعله شخصياً عندما يكتب لفرقة "قصيد" أو أية فرقة موسيقية غيرها، فهو يدعم اللحن الرئيسي بألحان مرافقة تكون وظيفتها تظهير اللحن الرئيسي بأجمل صورة ولا تكون وظيفتها أن تحل محله.

ويتابع "سكيكر" وصفه للحالة فعلى سبيل التشبيه "أستطيع أن أقدّم قليلاً من الماء بكأس بلاستيكي أو أقدمه بكأس أنيق على طبق مُذهَّب... وهكذا أقدم المادة نفسها (أي الماء) لكن بطريقة مختلفة، أما عندما أضيف شيئاً إلى الماء أكون بذلك قد غيرت المادة الرئيسية وشوّهتُها"، وهذا هو مبدأ التوزيع الموسيقي للتراث، فالتوزيع يجب أن يدعم التراث لا أن يغيره أو يشوهه.

المايسترو "كمال" قدم عدة أعمال في قوالب غنائية كالقصيدة والأغنية وقوالب آلية كالسماعي والتحميل وجميعها أعمال مكتوبة بالطريقة العربية الأصيلة أي أنه قام بإعطاء اللحن الرئيسي دور البطولة في العمل وترافقه وتدعمه ألحان مرافقة، كما قام بتوزيع وإعداد الكثير من الأغاني التراثية السورية والعربية وجميعها قدمت على مسرح دار الأسد للثقافة والفنون (دار الأوبرا السورية) بهدف توثيق الغناء العربي والمحافظة على شخصيته المميزة بما لا يضرر قيمة التراث وأصالته ولا ينحاز إلى الحداثة المطلقة.

استعادة لأمجادنا الموسيقية!

يؤكد "سكيكر" على أهمية هذا الشأن بقوله "نحن في زمن انتصرت فيه السخافة على القيمة الحقيقية، والشكل على المضمون...لذلك بإحياء هكذا حفلات نحن لا نكرم فنانين بعينهم، بل نستذكر أعمالهم أو بالأحرى نستعيد أمجاداً موسيقية عاشت ولازالت وستبقى لأنها ذات قيمة حقيقية وجوهرية، ومن جهة أخرى نحاول خلق أعمال جديدة تحاكي الهوية الموسيقية العربية الأصيلة وترسيخها، غنائية كانت أم آلية، بهدف الارتقاء بالذوق الموسيقي العام وخصوصاً في هذه المرحلة من الابتذال اللا موسيقي واللا غنائي الرخيص، تعريف الجيل الجديد بأصوله الثقافية على صعيد الموسيقا الراقية حتى يستطيع أن يفرق بين كل ما يسمع من ألحان".

هكذا قدمت الفرقةُ العديد من الحفلات التي اعتبرت بمثابة تحية إلى مسيرة فنانين وموسيقيين كبار كالموسيقار "فريد الأطرش" والراحل "رفيق شكري" والراحلة "فايزة أحمد" والموسيقار "محمد عبد الوهاب" والمطرب السوري الكبير "فهد بلان" ما ترَكَ من إرثاً جميلاً في الساحة الغنائية العربية المعاصرة، فما تفعله فرقة "قصيد" من خلال تكريم الفنانين الكبار خطوةٌ تُسجلُ لها، على الأقل من ناحية تقديم شيء جميل بعيد عن النشاز اليومي الذي نسمعه من هذه الفضائية أو تلك.

واختتم المايسترو سكيكر اللقاء بتوجيه رسالة إلى الأجيال القادمة بـ"أن يحبوا تراثهم ويقدّروه فهو منطلقهم للمستقبل وهويتهم الحقيقية"!