تعدّ قصيدة الفن واحدة من فنون الأدب الشعبي وتشكل جدلاً وإشكالية أدبية ونقدية في جبل العرب. جاءت كلمة فن في المعاجم اللغوية بمعاني مختلفة، يقولون: فننته؛ أي زيّنته، وهو فنُّ، وفي لسان العرب لابن منظور عرف الفن أنه نوع، كما عرفه أنه الحال، وضرب من الشيء، وجمعه فنون وأفنان.
والفن السمعي لم يدرس في جبل العرب، فهو فن زجلي، منه ما يشبه الموشح أو بعض الأزجال الأندلسية. له قفل وأغصان، ويكون ثنائياً أو رباعياً أو أكثر وهو من الأزجال التي طرأ عليها بعض التعديل أو التغيير أو التحريف ومنه ما يسمى (بالمخمس المردوف) وله أوزان وقواف متعددة.
الفَنُّ وَبِنَائِيَّتُهُ:
إن قصيدة الفن تكون مربعاً (من بيتين في أربعة أشطار) أو أكثر، وتتألف من مطلع وغصون فالمطلع هو البيت الأول من القصيدة تكون قافيته هي قافية القصيدة ويجب أن تتفق معها وتعود إليها آخر قافية في كل غصن أو مقطع كما يسمى فهذه القافية المتكررة إنما تؤلف بين قواف متفرقة، تتعقبها وتضمها وتردها إلى البيت الأول الذي بنيت عليه القصيدة لتشبه المسمط وهي كالسمط (السلك) الذي يضم ويجمع حبات العقد، فهي عمود القصيدة.
أما الأغصان فهي غير محددة بعدد الأبيات فقد تكون 2 أو 3 أو 4 أو 4 أو 5 أو.. ويجوز أن يكون القفل من بيت واحد أي من المطلع لا غير يكرر بعد الغصون وأما الصفة الغالبة على (الفن) فهي أن يكون القفل الأول من بيتين وأربع قواف تكون الثالثة مخالفة في الأشطر الأربعة.. مثل:
شديت حرة من الهجن عاظني- تسبق رزيم اللي عجلها يفني
شديتها لا ما تودي كتابي- يم القرم لا بو حمد متعني
ثم يعود المطلع ليكون هو القفل بعد الغصون، ويكون هو الخرجة أيضاً.
وقد تتفق القافية الأولى مع الثالثة، وتتفق الثانية مع الرابعة، ويلتزم الشاعر بقافيتي الصدر والعجز لا يخرج عنهما، وهذا النوع يسمى "المربع" لأنه من أربعة أشطار، أو الثنائي لأنه من بيتين وأربع قواف، أو المزدوج لأنه مقطع ومقسم بيتين بيتين.
وفي قصيدة الفن بوجه عام يجب إعادة تكرار المطلع أو القفل الأول فقط بعد كل غصن أثناء الغناء، وغالباً ما يكون المطلع أي البيت الأول من القصيدة هو القفل المتكرر بعد كل غصن أي أنه يشكل كل أقفال القصيدة، أما الخرجة.. فإنها هي المطلع أو القفل نفسه.
أما وزنه، فلقصيدة الفن أوزان وبحور متعدد منها:
1-بحر الرجز: مستفعلن مستفعلن مستفعلن– وتأتي مفعولن
2-بحر الرمل: فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن– وتأتي فاعلن
3-بحر المضارع: مفاعلين فاعلاتن مفاعيلن، وغالباً ما يستعمل منه المضارع الأخرب: مفعول فاعلاتن مفاعيل فاعلاتن
وكثيراً ما يأتي شاذاً: مفعولن فاعلاتن أو مفعولن مفعولاتن إن في الصدر أو في العجز
4-مجزوء المتدارك: فاعلن فاعلن فاعلن، وغالباً ما تأتي على فعلن، وتخرج في العروض أو في الضرب إلى فعل أو فعٌ ، (وذلك خطأ) ومن الفن بعض الأنواع التي تشبه ملامح الزجل الأندلسي..
وهذا فن مزدوج "لإسماعيل العبد الله" من الجبل، يلتزم فيه بأربع من كلمتين فقط مع اختلاف في المعنى على امتداد قصيدة تقارب سبعين بيتاً..
هول حمال المحامل هلهلا- سار مذبوح السراسي كبرد
جال طرفي بالمدامع هلهلا- وانتصب فوق المحاجر كبرد
وهناك نوع يسمى نظماً من الفن "لسلمان النجم" من الجبل:
داني لقربي يا وليفي داني- عذبتني حكي الخلق يكفاني
حالف ترى لا عهدكم ما خله- من بعدكم يا منيتي ما خله
كاسي غدا بعد الصفا ما خله- وانتم سبايب علتي وجناني
وهذا الفن "لحامد العقباني" من الجبل...
الحشم من ريقو -اسقاني شراب الموز
حاكيتو ما نباني- بو ثويب الروز
ويشبه (الكان وكان) وفي هذه الحال من حيث زيادة طول الشطر الأول عن الثاني فنرى القفل يتألف من (6×6) تفعيلات، ثم يختلف توزيعها في الأغصان لتصبح (4×2).
طريقة الأداء تتماسك الأيدي المسبلة والكتف على الكتف في دورة متئدة بعكس عقارب الساعة، وقيل إنه لا يستعمل بهذه الطريقة في الأداء سوى في الجبل لدرجة أنهم أطلقوا عليه اسم الفن الجبلي.
مَوضُوعَات قَصِيدَةِ الفَنِّ:
تتعدد فنون الأدب وهي:
1. وصف الطبيعة: ويسمون القصائد التي تتناول هذا الموضوع أسماء مختلفة، كالرياض، والصبوحي، والديجور، والفجر الذهبية، ويقصدون بها غروب الشمس، ساعة الأصيل.
2. مجالس الأنس والمرح:
أحلى من وليفة قيس وأبهى من قامة عبلة
وأحلى من سميرة ميس هلي من بعدها وقبله
واصفى من كهرب باريس هالشخصية ما تبله
جبت الاسم وأدريس بالحارة الشمالية..
3. قصائد الغزل:
وين كنتي مبارحه يا غزاله سارحه
طار عقلي وتاه فكري وعيني عليكي شايحه
*طار عقلي بنوبه يوم هجرتيني
*لاب خلك لوبه شارل مايداويني
*وين يامحبوبة وين تركتيني
*توبة غيرك توبة يا ام العيون الجارحه
4. الخمريات.
5. الهجاء.
6. الشعر المسرحي.
7. الرحلات الخيالية.
8. الشعر الفكاهي وفيه على سبيل المثال:
تألم يا قلبي تألم وعلي قضيتو تكلم
تكلم على عشتنا وعالسكني بالمخيم
9. الجفريات.
10. الألغاز، وتعرف قصائده بالسؤال.
ولدينا في جبل العرب العديد من تلك القصائد ذات الألغاز ومنها:
الأولي عظمها دم ما تلقى بجسما ولا عود
ريقها للوزر يقدم سبحان الخالق المعبود
لا تعندها بترشق سم اصلا من جبل مفقود
سألنا خوالها والعم وجدناها طير طار
أهمُّ أعلامِه:
يقسم إلى مراحل زمنية فقد سادت قصيدة الفن في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على أيدي الشعراء: إسماعيل العبد الله، سلامة أبو عاصي، المرحوم الشيخ أبو علي حسين صافي، حامد العقباني، شبلي الأطرش، ثاني عرابي، أسعد نصار. أما في قرن العشرين فكانوا: نجم العباس، عيسى عصفور، جاد الله سلام، سليمان مليح، سلمان وعلي نفاع، محمد رزق، سمرة الحناوي، سلمان النجم، قاسم الناصر، سليم الدبيسي، صالح عمار، مزيد الحمود الأطرش، صالح عرابي، جميل العطار، محمد العربيد، ناصر يقظان، حمد صافي، حسين معمر، هايل السلمان، وهناك شعراء شباب كثر معاصرين.