اكتشف حبه للناي عن طريق المصادفة وعمل على تعزيز موهبته بالدراسة الأكاديمية منطلقاً برحلته الموسيقية من "سورية" إلى العالم عبر المشاركة مع عدة فرق عالمية ساعياً من خلالها إلى دمج الموسيقا الشرقية بالغربية.

هكذا بدأ

"مدونة الموسيقا" تواصلت مع المؤلف الموسيقي وعازف الناي والكوله "محمد فتيان" المقيم حالياً في "ألمانيا" ليحدثنا عن بدايات الموهبة بقوله: «لم أخطط لأصبح موسيقياً بل كان الأمر عن طريق المصادفة عندما كنت أسير في شوارع "حلب" في منطقة "باب الفرج" برفقة أحد الأصدقاء، وكان هناك شخص على الرصيف يعزف الناي ويبيعها بنفس الوقت، فشدني صوت هذه الآلة واشتريتها، كنت حينها في السادسة عشرة من عمري، ذهبت للمنزل وجربت عدة مرات لكن لم يخرج منها صوتاً حينها أرسلني والدي حينها للعازف "محمد خير نحاس" لأتعلم العزف الذي اعتذر عن تعليمي لضيق الوقت، وأرسلني بدوره إلى الأستاذ الأكاديمي، الفنان والباحث الموسيقي "محمد قصاص" الذي رحب بي خلال فترة تجريبية على أن يستمر بتعليمي في حال استطعت العزف، وبعد فترة تعلقت جداً بالآلة، وتابعت دروس لدى الأستاذ الموسيقي "بيرج قسيس" وشدتني الفرق الموسيقية على الشاشة وجعلتني أرسم صورة ذهنية حول أن أصبح عازفاً يقف على المسرح، وبدأت موهبتي تتطور شيئاً فشيئاً».

انطلاقةٌ مهمّة

الموسيقي "فتيان" خريج المعهد العالي للموسيقا عام 2009 وحول هذه المرحلة يقول: «تشكل دراستي في المعهد مرحلة أكاديمية تعليمية هامة ففيه تعرفت إلى دراسة الموسيقا الغربية وتعلمت الهارموني والبيانو، تاريخ الموسيقا الغربية، الغناء بالكورال عبر مواد داعمة للنظريات الموسيقية مما أتاح لي الفرصة للتعرف إلى الموسيقا العالمية وأصبح لديّ خيال موسيقي، لأن الموسيقا الغربية هي الموسيقا العامودية، والعربية هي الأفقية، وأقصد هنا أن الموسيقا العامودية يكون فيها أكثر من صوت يتماشى مع بعضه البعض وهي تختلف عن الموسيقا العربية التي تحوي على لحن واحد والغنيّة بتفاصيلها، لكن بالنسبة لي تعلمت جانب كنت لا أعلمه بالنسبة للموسيقا الغربية وفتحت الدراسة في المعهد أمامي الفرص لتسجيل العديد من الأعمال كالموسيقا التصويرية مع المؤلفين والعديد من الحفلات مع الفرق، ومنها مهرجان الجاز عام 2005 عندما كنت أول عازف موسيقي يعزف آلة موسيقا شرقية مع أوركسترا الجاز، كما ألفت عدة أعمال مسرحية منها من إخراج الفنان "جهاد سعد" عندما كنت في السنة الدراسية الأولى تم عرضها في دار الأوبرا بدمشق وفي عدة مهرجانات عالمية في "باكستان، "إسبانيا"، "تونس"».

1- عازف الناي محمد فتيان وهو يؤدي بعيد عنك على طريقته

الفرقُ بينَ النّاي وآلة الكَوَلَه!

2- محمد فتيان في أحد مشاركاته الخارجية

بعد خمسة سنوات من عزفه على آلة الناي اختار الموسيقي "فتيان" تعلم العزف على آلة الكوله التي يميزها عن الناي بقوله: «أحببت صوتها العريض الذي يلامس القلب خاصةً في الألحان البطيئة والتأملية، من ناحية الشكل تعتبر آلة الناي أرفع من آلة الكوله وعلى صعيد الصوت يستخدم الناي للألحان السريعة أكثر أي في التكنيك العالي بينما تستخدم آلة الكوله بالألحان البطيئة والأصوات الممدودة، وتصنع الآلتين من القصب وتتألف آلة الناي من سبعة ثقوب؛ ستة أماميات وثقب واحد من الخلف، أما الكوله تحتوي على ستة ثقوب من الأمام وتعتبران من عائلة واحدة.

مشاركاتٌ محليّةٌ وعربيةٌ وعالمية

هناك العديد من الفرق والفعاليات التي شارك معها الموسيقي "فتيان" وحولها يقول: «تشرفت بالعزف مع الأوركسترا السيمفونية الوطنية ومع أوركسترا الموسيقا العربية في "سورية"، وقُدتُ فرقة "شباب سورية للموسيقا العربية" لمدة ثلاث سنوات كانت مميزة تضم حوالي مئة وخمسين مغني ومغنية وعازف وعازفة من كل محافظات سورية كنا نجتمع في "دمشق" وتركت ذكرى رائعة بقلبي».

3- محمد فتيان يبتهج بموسيقاه

ويتابع: «عزفت مع الفنان "وديع الصافي" في "حمص"، مع المغني "إلهام المدفعي" في "الأردن" في أكثر من عشرين حفل ومع مجموعة من الفنانين "كاظم الساهر"، "وليد توفيق" ،"أصالة"، "نور مهنا"، وسجلت مجموعة من الأعمال الدرامية مع المؤلف الموسيقي "سعد الحسيني" والموسيقي "إياد الريماوي"، وعالمياً عزفت مع عدة فرق عالمية بعد وصولي لألمانيا منها أوركسترا "برلين" سيمفوني وهي من أحد الأوركسترات المهمة عالمياً، وحالياً أشارك في أوركسترا "تريكستا" العالمية التي تقيم حفلات عالمية وتضم موسيقيين من مختلف دول العالم، كما عملت مع أوركسترا البلجيكية والسويسرية وحالياً أدير فرقتي الخاصة في "ألمانيا" وفي نفس الوقت يتم طلبي للمشاركة مع فرق أخرى موجودة في "أوربا" وكانت حفلتي الأخيرة مع أوركسترا "تريكستا" على مسرح "إيلب فيالهارموني" وهو واحد من أكثر المسارح الهامة عالمياً».

تجرِبَةُ التدريس

وصل الموسيقي "فتيان" إلى "دمشق" قادماً من "حلب" عام 2003 وبدأت رحلته مع التدريس عام 2004 واستمرت حتى عام 2013 وحولها يقول: «عملت مدرساً لآلة الناي في معاهد "شبيبة الأسد" للموسيقا، و"صلحي الوادي" وفي وكالة "الأونرا"، وفي جمعية "قرى الأطفال" وتجاوز عدد طلابي الأربعين طالب وطالبة، ودفعتني هذه التجربة الرائعة لإنشاء أكاديمية خاصة باسم "فتيان أكاديمي" عبر الانترنت التي تنطلق خلال الفترة القادمة، وأنقل من خلالها خبرتي في التدريس وأسعى ليكون لها فرعاً في "برلين" كأكاديمية دولية متخصصة بالناي والكوله، وحالياً أُدرّس آلةَ الناي في جامعة ألمانية اسمها "هيلدزهايم" لطلاب الماجستير».

تأسيسُ فرق موسيقية

فرقة "أسامينا" و"أراشام" من الفرق التي أسسها الموسيقي "فتيان" ويقول عنها: «أسست فرقة "أسامينا"عام 2005 وكانت مؤلفة من مجموعة من الآلات العربية مثل العود، القانون، الناي، البزق والإيقاعات العربية بالإضافة إلى الكمنجات، وشكلت خليطاً من الآلات وعزفت بعض الأعمال من تأليفي وبعضها الآخر من التراث السوري والعربي وأقامت عدة حفلات مثل مهرجانات "السيدة" في "حمص" و"مرمريتا" ومجموعة من الحفلات في المراكز الثقافية في "دمشق" وفي "حلب"، وكانت تضم مجموعة من الموسيقيين الرائعين ومنهم صديقي المايسترو "عدنان فتح الله" على آلة العود، "إبراهيم كدر" على آلة الناي، والفنانين "ليندا بيطار" ،"منال سمعان" ، "أيهم أبو عمار" "آري سرحان" ومجموعة من الشباب المميزين».

ويتابع: «في عام 2009 أسست فرقة "أراشام" وهي عبارة عن غيتارين للعازفين "طارق صالحية"، "جورج مالك" وكونترباص "باسم الجابر" بمشاركة العازفين "عفيف وعامر دهبر" على الإيقاع، وكانت خلطة موسيقية الهدف منها المزج بين الشرقي والغربي لدمج الناي مع الآلات الغربية وتهدف لعزف الموسيقا السريانية والسورية العربية عبر إقامة حفلات في "سورية"، وجولات في "أوربا" لكن لم يحالفها الحظ لتنطلق. ثم تفرقنا بسبب ظروف الحرب على أمل أن نجتمع مرة ثانية حيث دفعني الضغط النفسي الذي سببته الحرب إلى السفر عام 2013».

تجارب جديدة

كان "فتيان" أول عازف صوليست للناي في تجربة كانت الأولى من نوعها مع أوركسترا الجاز في "سورية" في قلعة "دمشق" عزف فيها مقطوعة "هالأسمر اللون" الموزعة بطريقة الجاز مع الناي وكانت إضافتها كآلة شرقية مع أوركسترا الجاز تجربة مميزة تركت انطباعاً إيجابياً وبعدها شارك بمهرجان الجاز السنوي مع موسيقيين من أغلب دول العالم في "دمشق".

وحول تجربة العزف المنفرد يقول: «عزفت على آلة الناي عدة حفلات "صولو" في مهرجانات "تونس"، "حلب"، وكان التفاعل فيها رائعاً لأن الفكرة لم تكن منتشرة بشكل كبير ألا وهي التركيز على آلة الناي بالمعزوفات البطيئة والسريعة وبالتأمل وفي حالات موسيقية مختلفة».

الموسيقا جزءٌ من حياته

لدى سؤالنا له حول مكانة الموسيقا قال: «هي جزء من حياتي أشعر منذ بدأت بتعلم الموسيقا حتى اليوم بالإحباط في حال عدم سماعي أو عزفي للموسيقا لمدة يومين أو ثلاثة لأن أعصابي تعودت على ملامسة النوطات الموسيقية، هي الدواء أو غذاء رئيسي لروحي، أشعر بالمتعة عند سماع عازفين وأفكار موسيقية جديدة، أحب أن أتذوق الموسيقا وهي حاجة أساسية بالنسبة لي كالطعام والشراب وكذلك الأمر بالنسبة لأغلب الناس حيث تعتبر ملامسة الموسيقا للأعصاب حاجة أساسية تعدل المزاج وتهذب الروح».

التأليفُ الموسيقي

اتجه الموسيقي "فتيان" إلى التأليف الموسيقي بالصدفة التي يقول عنها: «بعد أن تلقيت دروساً أساسية لمدة ثمانية شهور، انتسبت للشبيبة في "حلب" وعزفت معهم ثم لاحظت أن هناك ما يسمى بالتأليف وأن المشرف على الفرقة يؤلف أعمالاً موسيقية فبدأ لدي الشغف والرغبة بالتميز وجربت حينها التأليف بتشجيع من المشرف "جميل أصفري" الذي طلب مني بعد فترة الإشراف على التدريب وقدمت عدة أعمال في مهرجان الشبيبة المركزي في "دمشق" ولحنت فيه عدة أغاني سياسية وحصل اللحن الذي ألفته على المركز الأول على مستوى المحافظات فأصبح لدي شغف لأن يكون التأليف موضوع مميز، وفي المعهد العالي للموسيقا تعرفت إلى عدة فنانين منهم "جهاد سعد" وكنت المؤلف الموسيقي لعدة أعمال، وشاركت كمؤلف موسيقي في عمل مسرحي مع المخرج د."عجاج سليم"، ومن أبرز مؤلفاتي الموسيقية "مناجاة أندلسية" للناي مع أوركسترا عربية ونالت ملايين المشاهدات، وعمل للناي والبيانو بعنوان "في قلبي" وهو من الأعمال المحببة لدي، و"بكاء الناي" وهي مقطوعة موجودة على اليوتيوب وتجاوزت الستة مليون ونصف مشاهد ولازلت أتابع عملية التأليف الموسيقي مع فرقتي الخاصة وهي موسيقا عربية مع موسيقا الروك لأن وجودي في "ألمانيا" يجعلني بحاجة لمشاريع تربط الثقافة العربية مع الغربية وأشعر بالشغف لتأليف ألحان تنال استحسان الجمهورين العربي والغربي».

ألبوم خاص

ويتابع: «أحضر لألبوم "سحر المقامات" مع ضيوف من "تركيا"، "إيران"، "الأردن"، "تونس"، "أرمينيا" وحصل على تمويل ضخم من قبل مؤسسة ألمانية وأحضر له حالياً وتبدأ حفلاته في شهر آب2022».

الموسيقا المفضلة

الموسيقي "فتيان" المولود في "حلب" عام 1984 يفضل أنواعاً موسيقية عديدة منها بحسب قوله: «أفضل الموسيقا العربية الشرقية التي تربيت عليها وشعرت أكثر بعشقي وجذوري الشرقية عندما انتقلت للإقامة في "ألمانيا"، وكذلك تلامسني الموسيقا التأملية، ومن الموسيقا الغربية أحب موسيقا الروك وأشبهها لنوع من أنواع الموسيقا الصوفية وأشعر أن هناك اتصال بينهما حيث تعتمد على الطاقة العالية والتكرار في الجمل الموسيقية وتشبه الموسيقا الصوفية في الوصول إلى نشوة روحية والعمق الفني، وأعتبر نفسي معجباً بموسيقا الجاز التي تشبه الارتجالات في الموسيقا العربية».

نشير إلى أن الموسيقي وعازف الناي والكوله "محمد فتيان" حاصل على جائزة أفضل عازف ناي عام 2002، وجائزة أفضل قائد فرقة في المهرجان المركزي للشباب السوريين عام 2003، وجوائز تكريمية أخرى حيث كان أول عازف ناي يعزف مع أوركسترا الجاز السورية عام 2005 وشارك عام 2015 في حفل افتتاح بطولة كأس دبي العالمية للخيول وهو خريج المعهد العالي للموسيقا في "دمشق".