تعيد مدونة الموسيقا، وفي إطار محاولتها لحفظ الذاكرة الموسيقية السورية، ولملمة المبعثر والمتناثر منها، إحياء ونشر العديد من المواد المنشورة منذ أعوام على مدونة وطن eSyria مدعمة بفيديوهات صورها فريق عمل المدونة آنذاك، ولم تنشر لأسباب فنية.

فنانٌ وشاعر ريفي، نشأ وترعرع في حي تختلط فيه عادات الريف بعادات المدينة فكانت طفولته التي يصفها بالمعذبة غنية بالثقافات مطعمةً بالعذاب والألم الذي كان طريقه إلى الشعر.

إنه الفنان والشاعر "ياسر زادة" الذي تحدث لمدونة وطن eSyria عن طفولته بالقول: «أصولي تنحدر من قرية "عوينة الريحان" التابعة لبلدة "القرداحة"، لكنني نشأت وترعرعت في حي "دعتور بسنادا" في اللاذقية، وهو حيٌ يشهد مزيجاً من الثقافات وخليطاً من الريف والمدينة وأفضل تشبيه له هو (مائدة رمضان التي تضم كل نوع من أنواع الطعام).

مع عازف العود الفنان مطلق سلطون

منذ سنوات بعيدة سكنا في هذه المنطقة، ولكثرة ما عرفنا بالشعر واستدلت الناس على منزلنا (أين بيت الشاعر، أين بيت الشاعر) أصبحنا نعرف في المنطقة باسم بيت الشاعر.

طفولتي كانت مريرةً معذبة قاسية ورغم قسوتها أجدها من أجمل مراحل حياتي وأهمها لأنها كانت سبيلي للوصول إلى معرفة الحياة على حقيقتها ومن هنا بدأت بذور الشعر تنبت في داخلي فكان الألم طريقي إلى الشعر».

"ياسر" الشاعر صنع من الأب الشاعر "علي زادة" حسب تعبيره حيث قال: «تربيت في كنف أب عظيم وشاعر رائع عاش حياةً مريرةً في صغره وكبره، وأنتج من معاناته شعراً دخل به كل بيت على طول الشريط الساحلي، ومن أشبه أباه فما ظلم، لذلك أتمنى أن أصل لما وصل له أبي وأن أنال رضى الناس وحبهم كما نالهما أبي رحمه الله».

طريقه نحو الشعر لم تكن مفروشة بالورود وإنما كانت ملأى بالأشواك وهو يتحدث عن مرحلة البدايات بالقول: «منذ أبصرت النور وأنا أرافق الوالد وأجلس وأستمع له وهو يقول الشعر والمجالس مدارس خصوصاً إذا كان الطالب مستمعاً جيداً، والمستمع الجيد مشروع شاعر ومشروعي كشاعر ظهرت بذوره في الصف التاسع حيث كتبت أول قصائدي، وشيئاً فشيئاً تطور الأمر وأصبحت أكتب مع صديقي الشاعر "نصر صادق" قصائد هجاء نهجو بعضنا فيها، وكانت تجربةً رائعة جداً استمرت إلى ما بعد المرحلة الثانوية، ودخولي إلى الجامعة ودراستي للأدب الإنكليزي لم تبعدني عن الأدب العربي حيث قرأت الأدب العربي عموماً والشعبي خصوصاً، وقد وجدت فيه أفضل أنواع الشعر وأغناها في كل شيء (المحسنات البديعية، التراكيب، الألفاظ، الصور الشعرية)، ولقد كان وما يزال بالنسبة لي أشبه بالروضة الغناء، لكن والدي في هذه المرحلة لم يكن يجدنا أهلاً لسلك هذه الطريق فرفع يده عنا وتركنا نتخبط يميناً وشمالاً حتى استطعنا إثبات جدارتنا ونيل ثقته فيما بعد».

ألف الشاعر "ياسر زادة" خلال العشرين عاماً أكثر من مئة أغنية، وكان أول ظهور حقيقي له كشاعر عبر أغنية "علواه" ليلمع بعدها اسمه وتشتهر أغانيه تباعاً "لا تشكيلي ببكيلك"، و"فيني براضي كل الناس" التي غناها الفنان "علي الديك"، "يا قلبي أوعى يا قلب" أيضاً للفنان "علي الديك".

"زادة" لم يكتفِ بكتابة الشعر وإنما له العديد من الأغاني الشخصية وهو يقول عن هذه التجربة: «أنا ابن التراث وقد خلقت من رحمه، عشقته فكتبته وغنيته ولا يوجد نوع من أنواع الشعر العربي إلا وكتبته وأسمعته للجمهور، لكن ما دفعني للغناء هو وجود صوت دفين موجود في داخلي منذ الطفولة وقد لاحظت في مرحلةٍ من المراحل أن الوسط مملوءٌ بالنشاز وأنه أولى بي أن أُسمِعَ الناس صوتي بدل أن أكتمه ويظلَّ الغناء هوايةً فقط، فتم الأمر ونجحت التجربة وأصبح الفن هوايتي ومهنتي ومصدر رزقي».

التراث لا ينفصل عن فن "زادة" وما يقدمه، وهو يعتبره جزءاً لا يتجزأ من فنه ويسعى لتطويره معللاً ذلك بقوله: «هناك نوع من الغناء يسمى القدود وهو عبارة عن حالة من الماضي كلماتها وألحانها جميلة جداً ولجمالها أبقوا على اللحن وغيروا الكلمات ووضعوا كلمات جديدة على قد اللحن لذلك سميت القدود، وهذا جزءٌ مما أقوم به اليوم فأنا أحافظ على ألحان التراث وأضيف عليها كلمات جديدة من روح العصر».

رغم أنه يغني ويكتب الشعر إلا أنه يجد نفسه في الشعر أكثر من أي فنٍ آخر ويصفه بأنه الطريق إلى روحه وذاته ويقول في ذلك: «أينما يكون الشعر تهيم الروح، وروحي تهيم إلى كل شيء جميل في هذا الكون ولا أستطيع التعبير عن سعادتي بالأشياء الجميلة إلا بالشعر.

العتابات، والشعر نفحة من ذات الإنسان وتعبير عن مكنونات الروح، ولقد قولبنا "العتابا" في الساحل السوري وأخرجناها بأبهى صورة وأحلى شكل، وقدمناها للناس وجعلناهم يحبونها بطريقتنا فكانت عتابا الساحل مميزة في كل شيء».

إذا قررت زيارة "ياسر زادة" والسؤال عنه فعليك أن تسأل عن بيت "الشاعر" وإلا فإنك قد لا تستدل عن اسمه "ياسر زادة"، وعن سبب تسمية عائلتهم "بالشاعر" قال "زادة": «منذ سنوات بعيدة سكنا في هذه المنطقة، ولكثرة ما عرفنا بالشعر واستدلت الناس على منزلنا (أين بيت الشاعر، أين بيت الشاعر) أصبحنا نعرف في المنطقة باسم بيت الشاعر».

الفنان "علي حيدر" قال عنه: «إنه واحد من أشهر وأفضل كتاب الشعر الغنائي في هذه المرحلة، ركز في شعره كثيراً على التراث والبيئة الريفية التي تستهويني وتستهوي الكثيرين، وهذا ما دفعني للتعامل معه وقد غنيت أكثر من أغنية كتبتها أنامله الذهبية. هو ملتزم جداً في شعره ويسعى لتقديم فن راقٍ بعيدٍ عن الهرج والمرج والهزلية، والاغاني التي كتبها تستطيع بمجرد سماعها ان تدرك أن قلم "زادة" قد خط كلماتها».

عازف العود "مطلق سلطون" أضاف: «"ياسر" بحد ذاته تراث فهو خبير بكل أنواع الشعر القديم وفنونه وطرق كتابته وصياغته، والأغاني التي يكتبها بكلماتها ووزنها ونفحتها التراثية تدفع الملحن لتلحينها وعزفها على أنغام عوده دون أن يطلب منه ذلك.

الذاكرة التراثية الطيبة التي يتمتع بها "زادة" الى جانب الصوت الجهوري والاداء الارتجالي جعلوا منه معشوقاً لجمهور الفن الشعبي الذي ينتظر حفلاته من الحفلة للأخرى. علاقتي به وطيدة جداً، وقد عزفت الى جانبه عشرات ان لم يكن مئات المرات وفي كل مرة كان يسحرني بقدرته على ارتجال الكلمات في لحظتها خصوصاً في المناظرات».

المصور "يامن ديوب" قال: «يعتبر "ياسر" من المؤسسين لثقافة المناظرات الشعرية حديثاً حيث استطاع من خلال المناظرات التي كان يقيمها مع نظرائه الشعراء خلق ثقافة جديدة قديمة لدى الجمهور الذي أصبح يتابع ويحضر هذه المناظرات الغنية بالجمل الشعرية والشديدة المنافسة والحماسية، وهو كثيراً ما كان يبدع القصائد خلال المناظرات وقد تميز بسرعة البديهة وحسن الكلمة والوزن والغنى بالمخزون الابداعي الأدبي من خلال القدرة على القاء القصائد والرد على المناظرة لفترات طويلة من الوقت ضمن الحفلة الواحدة ودون تلكؤ».

الجدير بالذكر ان الشاعر "ياسر علي زادة" من مواليد /1969/، متزوج ولديه أربعة أبناء، شارك في العديد من المهرجانات المحلية (مهرجان الأغنية السورية، مهرجان المحبة، مهرجان الأغنية التراثية، مهرجان الأغنية التراثية الشعبية في البودي)، وهو خريج أدب إنكليزي.