كانتْ بدايةُ الفنان "بهيج شريف" كأغلبِ فناني منطقته، يجمعُ من بقايا البيئة ما يمكِّنه ويساعده على صناعة أدوات موسيقيّة بسيطة، تروي عطشه للفن والعزف والغناء، ومع مرورِ الزمن طوّر نفسه، ثمَّ منحه القدر فرصةَ الانتساب إلى نقابة الفنانين، التي قدَّمته كأحد أبرز الفنانين على مستوى محافظته، حسب كلامه. وهو من مواليد عام "1950" قرية "دير غصن" التابعة لبلدة "الجوادية" في ريف "الحسكة".

البدايات الأولى

على الرغم من أنَّ وعكةً صحيّةً ألزمته "بقرار" الابتعاد عن الفن، إلا أنَّ الفنان "بهيج شريف" لم يبتعد عن آلاته الموسيقيّة الراقدة أمام عينيه، فهي جزءٌ من حياته، ونغمةٌ معنويةٌ يوميةٌ تلازمه، ويحفظ في ذاكرته تاريخاً طيباً لمشواره الفنيّ.

وخلال حديثه لـ "مدونة الموسيقا" يشير إلى تفاصيل البدايات عن رحلته الفنيّة، فيقول: «خلال طفولتي ووجودي في قريتي، كنتُ أسمعُ الغناءَ والطرب والعزف من أهله، وبعد أن يتفرَّقوا أذهب خفية ووحيداً إلى أطراف القرية لأغني ما سمعتُه، إضافةً إلى ما وصل إليّ من الإذاعة، وكان يتكرَّر هذا الأمر يومياً وعلى مدار سنواتٍ، كما كنتُ أجمع بقايا وتوالف الطبيعة وأصنع منها عوداً أو طنبوراً وربّما دربكة، حسب المتوفر من المواد؛ لأدمجَ الغناء مع العزف، حتّى وصلتُ إلى عمر الثمانية عشر عاماً».

الفنان بهيج شريف

نقلة نوعية

الفنان بهيج شريف

في ذلك العمر حدثتْ نقلةٌ نوعيّة لمشواره الفني، ووصل خلالها إلى العاصمة دمشق، ليتحوَّل من عازفٍ هاوٍ إلى محترفٍ عبرَ نقابة فناني سورية.

عن تلك الرحلة الفنيّة يقول: «كانت جهتي إلى دمشقَ للعمل في أحد المطاعم، وخلال العمل كنتُ أغني لزملائي وأصدقائي، فأخبروا مدير المطعم عن عذوبة صوتي وجودته، فرافقني إلى نقابة الفنانين، من هناك بدأتُ رحلتي الفنية الاحترافيّة، ودرستُ في معهد الشبيبة للفنون الموسيقية، لمدّة ثلاث سنوات، قرأتُ وتعرّفتُ خلالها على الموسيقا العالميّة بمختلف تفاصيلها، وأتقنتُ العزف على آلات "العود، الطنبور، الكمان، الدربكة"، وبعد نجاحي في الاختبارات تمّ تعييني لمدة عامين عازفاً في فرق موسيقيّةٍ تابعةٍ للنقابة، ثمَّ تم تعييني مشرفاً على فرقة موسيقية ضمن النقابة».

الفنان بهيج شريف
بهيج شريف وإشرافه على فرق موسيقية

الإشراف على فرق موسيقية

بهيج شريف وإشرافه على فرق موسيقية

ويلفت "شريف" إلى أنه أسهم في تأسيس فرقتين فنيتين بدمشق وأشرف عليهما، هما "رابرين، هلات"، وكانتا تشاركانِ ضمن الحفلات الفنية وخاصَّة في أعياد "النوروز". وفيما يتعلق بمسيرته الفنيّة خارج الحدود السورية، يقول: «أسهمتُ وأشرفتُ على فرقة "بوطان" الفنيّة في المملكة العربية السعودية، وشملتْ رحلاتي الفنية كلَّاً من "ليبيا والأردن والإمارات ولبنان"، وتضمَّنتْ حفلاتٍ فنية والإشرافَ على فرق فنيّة إن وجدت؛ لأنني لم أستثمر الفن للغناء. وإنما عشقي كان للعزف بشكل أكبر، علماً أنني أمتلك صوتاً جميلاً جداً، كان يشيد به من أغني وأعزف أمامه، ومنهم فنانون كبار، مثل "دريد لحام وصباح فخري وفيروز وهادي بقدونس ووديع الصافي"، حتّى إنَّ بعضهم كان يستغرب إتقاني الغناء باللغتين الكردية والعربية، للجودة الكبيرة باللغتين، واستمرت هذه الرحلة "خارج حدود محافظتي" حتى عام 2011».

الغناء بعدة لغات ولهجات

تشهد له مسيرته الفنيّة أن الكثيرين تدرَّبوا عنده، وقدّم جلَّ خبرته طوعاً ودون مقابل، وخاصّة إلى نخبة الشباب، فلم يبخل أو يتردد في العطاء لسنوات طويلة، ويعتبر ذلك من أهم وأجمل محطاته الفنية، وممن درَّبهم دخل الساحة الفنيّة بدعمه وتعليمه.

يتقن الغناء بعدة لغات ولهجات، يقول عن ذلك: "أغني بتميّز باللغتين الكرديّة والعربية، وبعديد لهجاتها العراقية والمصرية واللبنانية والخليجية، إلى جانب عديد لهجات أبناء بلدي، وكلُّ من سمع تلك اللهجات يعبّر عن استغرابه وعجبه، لما أقدِّمه من إبداع. ولدي أغانٍ عدّة خاصّة بي منها: "شبتو أز دنالم" ترجمتها "لأجلك أتألم"، "مه ديت بريدا دجو" ترجمتها "شاهدتها في الطريق تمضي"، ولديّ فيديو كليب واحد بعنوان "رابرين" جميع أغانيه من كلماتي وألحاني، وفي سجلي الكثير من الأشرطة الغنائيّة "الكاسيتات"، وأشير إلى أنَّني تعلَّمت بمفردي الغناء بتلك اللهجات، فحبُّي للشعر العربي واهتمامي واطلاعي على الموشحات والمقامات الأندلسية والشرقيات سببٌ من أسباب التعلّم.

من أبرز فناني الجزيرة

الفنان "محمود العبد" أحد أبرز فناني الجزيرة السورية أشاد بمسيرة زميله الفنان "بهيج شريف"، مؤكداً تميّزه الفني وسخاءه، وخاصّة في دعم ومساندة الشباب، وله الفضل في تأهيل وتنمية مواهب الكثير منهم حسب العبد.

كما نوه "العبد" بغناء زميله عدّة لهجات عربية، وهذا يُعدّ سمّةً طيبةً، كما أشار إلى القدرة الكبيرة على العزف بعدة آلات موسيقية، ويبقى الدور الأكبر لمشواره الفني التعليم المهني والاحترافي للموسيقا والفن عامّة في المعاهد المختصة بدمشق.