تجربةٌ جديدةٌ حملتْ عمقَها واختلافَها، مُعشّقة بالمشاعر الإنسانية الخالصة، تمازجتْ فيها كلماتٌ عكستْ رؤيةً وفلسفةً عميقةً للحياة، مع موسيقا نبعتْ من رحم أفكارٍ تلاطمتْ على شاطئها أسئلةٌ وجوديةٌ مرتبطةٌ بالحياة والموت. فأتتْ ملامسةً للروح ومُحرِّضة للعقل. هي التجربة التي قدَّمها مؤخراً كورال "غاردينيا" النسائي بقيادة "سفانة بقلة" عبر أمسيةٍ غنائيَّةٍ بعنوان: "طقوس سوريّة"، أقيمتْ على خشبة مسرح الدراما في دار الأسد للثَّقافة والفنون.

برنامج الأمسية

تشكَّل قوامُ الأمسية من عملين قٌدّما للمرة الأولى، العملُ الأوَّل بعنوان: "سماءٌ بعيدة المنال"، وهو مبنيٌّ على نصٍّ "أوغاريتي" يُعتقد بأنه كُتب عام 1700 قبلَ الميلاد، يتناول أسئلةً مُتعلِّقةً بمعضلة الإنسان الوجودية، وجاء من ألحان وتوزيع "سفانة بقلة"، وقُدّم باللغة الإنكليزية. أمَّا العملُ الثاني فحملَ عنوان "طقوسٌ سوريَّة"، وهو عمل موسيقي كورالي مؤلَّفٌ من عشرِ حركاتٍ مُتسلسلةٍ مَبنيةٍ على نصٍّ كُتِبَ لهذا الغرض، وجاء باللغتين العربية والسريانية "الطورانية"، وهو منْ تأليف وألحان وتوزيع "سفانة بقلة".

عناوينُ الحركاتِ العشرِ بالعربية والسريانيّة، هي: روحي تطوف "روحي كطَيفو"، وا أسفاه "عَم كول حبول"، أهو الحب؟ "هاثه يو إي حوبو"، درب الصعود طويل "ياري خويو أو دربو دو سلوقو"، يا صديقي "أوه حاورَيدي"ـ في قاع البئر أنا "بي يَارعو دو بيرو"، في داخلي حيوانٌ برّي "كيتو بكاوي حيوو بارويو"، أفتحُ صدري "كفتحونو صدري"، أنتَ قدسُ الأقداس "هات قدوش قُدشين"، سيأتي يوم "غدّوثه يومو".

سفانة بقلة تقود كورال غاردينيا في أمسية طقوس سورية

كورال "غاردينيا" مُؤلَّفٌ من ثلاثةِ أصوات "سوبرانو، ميتزو سوبرانو، آلتو"، وقائدة الكورال "سفانة بقلة" عازفة هارب، وهي مُؤلِّفةٌ وموزِّعةٌ موسيقيَّةٌ، ومغنيةُ سوبرانو أول. وقد رافق الكورال في أمسية "طقوس سوريّة" عزفٌ موسيقيٌّ كانتْ فيه مجموعةٌ من الآلات "كمان، فيولا، تشيلو، كونترباص، بيانو، إيقاع، هارب".

نصٌّ فلسفيٌّ

حول معالم المشروع وخصوصية ما قُدِّم في الأمسية، تحدَّثتْ "سفانة بقلة" قائدة كورال "غاردينيا" لـ "مدونة الموسيقا" قائلةً: «بُنِيَ العمل الأوّل على نص فلسفي قرأتُه في مقالٍ، حين كنتَ أُفتِّش عن نصٍّ يحوي فكرةً مُرتبطةً بالتاريخ السحيق للمنطقة وحالةً يمكنني التواصل معها كإنسان معاصر، وكان مُترجماً عن مجموعة يافعين كتبُوا نصَّاً أدبياً ضمن "وظيفة" فجاء أشبه بالقصيدة النثرية حول أسئلة وجودية عميقة، وهو سوداويٌّ جداً ويدعو للكآبة، وعندما تقرؤه تستغرب كيف أنّ يافعين فكَّرُوا بهذه الطريقة عام 1700 قبل الميلاد». وأوضحتْ أنَّها ترجمتِ النّصَّ إلى اللغة الإنكليزية وقدَّمته إلى مسابقةِ تأليف.

كورال غاردينيا بقيادة سفانة بقلة في أمسية طقوس سورية

وعن العمل الثاني، تقول: «عندما كتبتُ النَّصَّ الثاني، لا أعرف كيف تداعتْ فيه الأفكارُ وراء بعضها بعضاً، وبطريقةٍ مُترابطةٍ فكرةً وراء أخرى، فجاء أقرب لـ "الهايكو النثري"، لأنَّه مقاطعُ مُختزلةٌ، وكلُّ مقطعٍ يُعبِّر عن حالة شعوريَّة ذاتيّة، وكلُّ نصٍّ يحوي فكرةً واحدةً مُختزلة، وهو نابعٌ من ألمٍ شخصيٍّ ومن السرديّة التي نعيشها كلّنا ومن طريقة تفاعلي معها. ويبدأ المقطع الأول منه بـ "روحي تطوف فوق السهول والجبال"، وأذكرُ هنا أنَّه تهيَّأ لي السفر ولم أسافر، ولم أجد تفسيراً منطقياً لذلك، ولكن لا بدَّ أن يكون هناك تفسيرٌ شعوريٌّ له علاقةٌ بأنَّ خيطاً يربطنا بهذا المكان ولا ينقطع».

عوالم وجدانية

وفيما يتعلَّق بالسبب الذي دعا إلى تسمية المشروع بـ "طقوس سورية"، ومدى الإبحار فيه نحو العوالم الوجدانيَّة، تقول: «هي فكرةٌ مستوحاةٌ من الرُّقم، وكأنَّها وجدانياتٌ في حياةٍ سابقةٍ، وذاكرةٌ جمعيةٌ متراكمةٌ من آلاف السنين، فتخيّلتُ أنَّها خواطرُ فيها جوٌّ ملحميٌّ وأسطوريٌّ، وشعرتُ أنَّ الحالةَ الطّقسيةَ مكتوبةٌ على حجرٍ قديمٍ موجودٍ في داخلي اكتشفته في حالة إلهام». وعن فكرة العمل قالت: «أشعر أنَّ هناك معركةً بين الحياة والموت منذ زمن، وكلُّ ما أفعله هو محاولة أنْ أكونَ إلى صفِّ الحياة بكلِّ أوجهها، البشعة والوحشية والمؤلمة وغير المفهومة، وحتَّى التي تحسُّ فيها بالغربة والخسارة».

كورال غاردينيا بقيادة سفانة بقلة في أمسية طقوس سورية

العمل الثاني في الأمسية "طقوس سورية" ضمَّ عشرَ حركاتٍ متتالية، جاءت أشبه بمتتاليةٍ مُتراكمةٍ من الانكسارات والأوجاع والآلام، هذا ما تؤكده في حديثها قائلةً: «كانتِ المحاولةُ في إيجاد القوة والأمل ضمن هذه الخسارات والانكسارات، فالحتميةُ الوحيدة لدى الإنسان بعد ولادته هي الموت، وهي أسئلةٌ كانت تؤرِّقني دائماً، وأرى أنَّ محاولة تجاوز الكآبة تكون عبر محاولة إيجاد معنى لقيمةِ الحياة بحدِّ ذاتها».

بين الألم والتأمل

على ماذا اعتمدَ تسلسل الأفكار ضمن النصَّ النثري المؤلَّف من عشرِ حركاتٍ؟.. تجيب قائلةً: «ما جرى أنَّ فكرةً أتتْ بأخرى، وبما أنَّنا نتكلَّم عن رحلةٍ نهايتُها افتراشُ التراب، فالمحاولةُ أنْ يكونَ هناك شعورٌ كثيفٌ ومؤلمٌ، وبعده شعورٌ فيه حالةٌ من التأمُّل، فأوّلُ حركة "روحي تطوف" عكستْ حالةَ أنَّنا أرواحٌ هائمةٌ في المكان، وكان للحركة الثانية علاقةٌ بالرحيل والحضور "وا أسفاه.. راح الأحباب بعيداً.. راحوا وبقيت وحيداً.. راحوا وما زلت أحس بأنفاسهم على وجنتي"، وبعدها مُخاطبةٌ فيها ألم مُبطَّن وحبّ" بماذا أشعر؟"، والحركة الرّابعة "دربُ الصعودِ طويلٌ"، وفي الخامسة مناجاةٌ للإيمان الداخلي "يا صديقي.. يا معجزتي.. يا إيماني.. وحدكَ الذي لم تهجرني في مصيبتي.. وحدكَ الذي كنتَ معي في معاناتي.. وكلُّ ما عداك سرابٌ". وبعد الألم وطريق الصعود تأتي الحركة السادسة "في قاع البئر أنا.. أحاول الصعود.. أسقط وأحاول النهوض من جديد.. لم أعد أصرخ.. لا أحدَ هنا"».

كورال غاردينيا بقيادة سفانة بقلة في أمسية طقوس سورية

وتتابع: «الحركةُ السابعةُ فيها حالة التوحّش "في داخلي حيوان بريّ.. يريد أن يصرخَ بصوتٍ عال.. أنْ يفعلَ ما لا أجرؤ أنْ أفكِّر به.. أكرهه.. لكنَّني حيٌّ بفضله" فتعود وتشعر أنَّك على قيد الحياة، وبعده حالة تأمُّلية في الحركة الثامنة "أفتح صدري فأجد.. شيئاً من النجوم.. شيئاً من الأشجار.. شيئاً من سواد الليل من ضوء النهار.. شيئاً من خالق كلِّ ذاك"، ثمَّ حركة "تحادثني نفسي"، لنصلَ إلى النهاية في الحركة العاشرة "سيأتي يوم.. أفترشُ فيه التراب.. وأغمض عيني.. براحةٍ وسكينةٍ.. وأعودُ من حيث أتيت.. لكنّ الكون قدْ تغيَّر إلى الأبد.. لأنَّني مررتُ به". فكان هناك نوعٌ من التوازن بين الألم الشديد والتأمُّل بما فيه من قناعة».

حرّية موسيقيّة

توضح قائدة الكورال "سفانة بقلة" أنَّها ليست بكاتبة، لا بل ترى أن النصَّ لو لم يُترجم بشكلٍّ موسيقي ربَّما لم يكن مؤثِّراً، تقول:

كورال غاردينيا بقيادة سفانة بقلة في أمسية طقوس سورية

«بما أنني موسيقيّة حاولتُ ترجمة هذا الشعور إلى لغة، لا أريد القول إنَّها نخبويّة، ولكنَّها لغةٌ حرَّة مرتبطةٌ بالطريقة التي أستطيع فيها استخدام أدواتي، وكيف أتلقّى هذه الموسيقا التي أخلقها، وكيفَ أوصل الشعور الذي أحسُّه بالعمق بالطريقة التي تناسبني كمؤلِّفة. ولكن رافق هذه الحرية الموسيقيّة خوفٌ، لأنَّ ما فعلتُه كان بعيداً عن المتوقَّع، ليس لأنَّ المتوقع غير مؤثّر، بل هو مؤثّر ولكن ليس لي، فأنا أفتِّش عن لغةٍ وإحساسٍ مختلفين، ومقاربةٍ موسيقيّةٍ مختلفةٍ للمعاني التي أحاول إيصالها، لأنجزَ ما يشبهني. وبالتالي لا يمكنني القول إن ما قُدّم كان عرضاً بسيطاً».

وتتابع: «كانتْ تجربةً تعلُّميةً إلى حدٍّ بعيدٍ، تحرّرتْ فيها كمؤلِّفة وموسيقيّة من أمور كثيرة مألوفة، فعادةً عندما ننجزُ مشاريعَنا الخاصّة نجدُ زاويةً قد لا تُشبعنا موسيقياً ولكنها تُقرّب الفكرة إلى الجمهور، إلَّا أنه لم يكن لدي هذا الهاجس في الحفل الأخير، رغم أنه ليس هناك من أحد لا يهمُّه رأي الناس، إلَّا أن هذا العمل كان حقيقياً جداً، فلم يكن هاجسي "هل سيحبُّه الناس ويصفِّقون له؟" بقدر ما كان الهاجس أنْ يُظهرَ ما أردتُ قوله منه. ولكنْ يعنيني كثيراً أن يكون هناك من يتذوّقه، وإن كانوا قلائل».

كورال غاردينيا بقيادة سفانة بقلة في أمسية طقوس سورية

ترجمة الإحساس موسيقياً

كورال غاردينيا بقيادة سفانة بقلة في أمسية طقوس سورية

وحول إنْ كان للتحرر من القيود الموسيقية حدودٌ، قالتْ: «الأمرُ ليس تحرُّراً بالمطلق من القيود، ولكنْ هي حالة تجريبيّة في التأليف غير مألوفة للجمهور السوري. ربَّما تكون مُستساغةً أكثرَ عندَ أشخاصٍ مُعتادين على الانتقالاتِ الهارمونية الحادّة، ولكنَّ ثقافتنَا معتمدةٌ على الجمل الأفقية، فهناك حالةٌ من التوقّع في المقامات والانتقالات، في حين أن الكسر يحملُ نوعاً من الصدمة».

وإن كانتْ كلماتُ النصِّ النثري هي من قادتها إلى اللحن، تقول: «من الناحية الموسيقيّة هناك جانبان للموضوع، ففي الأعمال الآلية الحريّة أكبر، ولكنَّ الأمرَ هنا أشبهُ بمعادلةٍ رياضيّةٍ، فمخارجُ الحروف في اللغتين العربية والسريانية صعبة، كما أنَّ اللغة العربية أصعبُ اللغات كتلحين، وخاصّة التلحين بهذه الطريقة. وبالتالي، لا بدَّ أن تُراعى مجموعةُ أمورٍ في كيف تجد الطريقة التي تُغنّى بها الجملة ويكون الكلام واضحاً وغير مشوّهٍ، والطبقة الصوتيّة للمغنيات مريحة، كما أنَّ اللمعة لعلامة أو لحرف بمكانٍ معيّنٍ أمرٌ يحتاج أيضاً معالجةً من نوعٍ خاصٍّ. أمَّا الجانب الثاني فيرتبط بكوني أميل إلى التّعقيد العمودي في العمل، فلا يستهويني اللّحن الواحد، وأحبُّ مشاهدةَ أعماقه والطّبقات الملونة له، وكأنَّه نسيجٌ مُترابطٌ مع بعضه بعضاً، وبالوقت نفسه كلُّ عنصرٍ بحدِّ ذاته إنْ سمعته لا تعرف أنَّه سيوصلك إلى هذا المكان، وأن تسمع عناصرَ لا يمكن أنْ تتخيَّل النتيجة النهائية لها، وهذا بحدِّ ذاته بالنسبة إليَّ سحرٌ، فسحرُ الموسيقا يكمن هنا».

كورال غاردينيا بقيادة سفانة بقلة في أمسية طقوس سورية

وحول أن شكلَ "النشيد الحوري السادس" أو ما يُعرف بـ "آلهة القمر" الأوغاريتي، مصدرُ إلهام موسيقيٍّ، تؤكد أن "طقوس سورية" كانتْ لها علاقة بالحالة الشعوريَّة أكثر من علاقتها بالحالة الموسيقيّة: «حاولت أنْ أسمعَ الكثير من الأعمال بما فيها أكثرَ من خمسينَ لحناً سريانياً، ولكنْ ذهبتُ بالاتجاه الذي نحا إليه عقلي، ومن المؤكد أنَّ هناك آثاراً في العمق قد تجدها، ولكنَّني استلهمتُ منها، ولم أعتمدْ عليها بشكل واعٍ».

موسيقا الصوت البشري

تحوّل الصوتُ البشريِّ في الكثير من الأماكن إلى موسيقا، منفردةً تارةً وبرفقةِ الآلات الموسيقية تارةً أخرى، فكيف تمَّ التوزيع الموسيقي له؟ وهل تمَّ اللجوء إليه بغيةَ تعميق الحالة المُراد إيصالها؟ تجيبُ قائلةً: «العمل الأول كان "أكابيلا" غناء للكورال دون موسيقا، ولكن الآلات كان لها دورٌ مهمٌّ، في حين أنَّنا اعتدنا العكس تماماً في الأعمال الكورالية، وقليلاً ما نرى هذا التوازن، ولكنَّني أنحاز إلى الصوت البشري، فهو طريقتُنا للتواصل والأكثر تأثيراً للمغنى، والفرقُ كبيرٌ بين المغني والعازف، فأنا عازفة هارب ومغنية كورال. ولكن أقول إن الغناءَ الجماعيَّ الذي تكون فيه كتلةُ الأصوات موزّعةً ومُندمجةً مع بعضها بعضاً تجربةٌ تفعُل فعلَها في كيميا الدماغ، وقد وصلْنا مع الصبايا إلى نتيجةٍ مُهمّة، كما أن العمل الأول كان دون مرافقةِ غناءٍ وقُدِّم بدقَّةٍ عاليةٍ، وهذه درجةٌ أخرى من السلطنة».

في العديد من الأماكن برزتْ خصوصيةُ كلَّ آلة موسيقيّة على حدة، عن ذلك تقول: «هناك شخصيةٌ للآلاتِ الموسيقيّة، وتبقى الوتريات حاملاً للعمل، ولكنَّ الناي هو الأقرب للصوت البشري، وكان دعماً كبيراً، وشكّل الهارب إضافةً نوعيَّةً، أمَّا البُزق فشارك في بعض القطع بدورٍ محدّدٍ ولكنه مهمٌّ، وأضاف وجوده نكهةً مشرقيةً وبالوقت نفسه غير تقليديّة، وما بقي من الآلات فهو الحامل للهارموني وللإيقاع، وقد كانتِ الإيقاعاتُ مهمّةً في بعض الأماكن، ففي الحركة الثانية أعطتْ "دراما" في نهاية الجملة التي يقولها الكورال، كما أنَّ صوت الطبول جاءَ أقرب لما هو قدري». ولفتت إلى أنَّه بشكلٍ عام كانت هناك حواريةٌ بين الآلات والكورال.

ولفتتْ إلى أنَّ الكورال قدّم العمل بثلاثةِ أصواتٍ وأحياناً أربعة، الأصوات الثلاثة "سوبرانو، ميتزو سوبرانو، آلتو". ولكنْ أحياناً السوبرانو يكون "سوبرانو أول، سوبرانو ثاني"، كما أن الآلتو قد يكون أحياناً "آلتو أول، آلتو ثاني".

تكريس الهوية

هل تُعدّ أمسية "طقوس سورية" خطوةً أخرى نحو الأمام باتجاه تكريس هوية الكورال؟، وخاصّة أنَّه سبق وقدَّم النمط "الصوفي"، وهو ما يتجاور مع ما تمّ تقديمه في الحفل الأخير، تقول: «لا نفضّل أن يكون لدينا هويّة بالنمط الذي نقدِّمه، بقدر ما أن تكون الهوية مرتبطةً بكورالٍ احترافيٍّ متعدّد الأصوات مهمٍّ على المستوى التقنيّ. فلا نتقيّدُ بنمطٍ معيَّنٍ، وكلّ فترة قد نشتغل على نمط جديدٍ ومُختلفٍ، نستكشفه لنرى أفضل طريقةٍ لأدائه، ما يجعلنا متجددينَ دائماً، فكلُّ برنامج غنائيٍّ له جماليته، ونقدّمه بطريقتنا المتفرّدة».

وتتابع: «أمسية "طقوس سورية" كرّستْ سقف القدرات التي وصل إليها الكورال، فالأهمُّ عند أي فرقة أنْ تتطوَّرَ أدواتُها باستمرار، والغناءُ الكورالي مرتبطٌ بعقلية العمل الجماعي، لأنَّك تفكِّر في دور تقدِّمه يكمل الأدوار الأخرى، ودورُك يسهم في الصورة الأعمّ، والأمر هنا مرتبطٌ بالجسد والصوت، وهو ما نشتغل عليه لأشهر طويلةٍ ليخرجَ الصوتُ مُوحّداً. وبالتالي، من الناحيّة التّقنيّة رفعنا سقف أعضاء الكورال، أمَّا من الناحية الموسيقية فأنْ تستسيغ الصبايا ضمن الكورال الموسيقا الجديدة والمختلفة، ويقمنَ بتبنيها فهو دليلٌ على أنَّ هناك إضافةً حصلت على التذوُّق والفهم الموسيقيّ، وأرى أنَّها قصّةُ نجاح معهن، وما ينبغي أن يؤدينه قُمْن بأدائه بشكل مذهل، لا بل أدينه أفضل ممّا تخيّلت».

الشغل على التفاصيل

وفيما يتعلق بالشغل على التفاصيل ضمن عملٍ لم يكن موسيقياً فقط، وإنما جمع بين "الغناء والموسيقا والفن التشكيلي والرؤية البصري" وقدَّم وجهة نظر ورؤية فلسفية وجودية، تقول: «هناك شركاء هضمُوا فكرة العمل، فمن ناحية اللغة كانتِ التّرجمةُ للغة السريانية مُتعبةً، فالترجمةُ تم تنقيحها واشتغلنا على اللفظ، الأمر الذي أخذ وقتاً طويلاً، والشريكُ في هذا الموضوع المُترجم "أكاد سعدي" المقيم في أمريكا، كما استفدْنا من معلوماتِ عمّه الباحث اللغوي الدكتور "عبد المسيح سعدي"، أمَّا من ناحية العرض البصري فشريكتُنا منذ زمن الفنانة التشكيلية "سهى غانم" التي أرسلتُ إليها النصَّ وطلبتُ أعمالاً تعبيريَّة تجريديَّة، فكان جزءٌ كبيرٌ من اللوحات التي عُرِضت في الخلفية من أعمالها، واخترنا اللوحات حسب النص، وحتى الذي اختارته من أعمال ليستْ لها كان مناسباً، وبعد اختيارِ اللوحات تمَّ إنجازُ التشكيل بالخط العربي، ثم تحوّل العرض، إلى عرض بصريٍّ تفاعليٍّ مع "نادين الهبل". وبالتالي، كان هناك فريقٌ كبيرٌ وراء ما تمّ تقديمه».