ما قدّمه من إبداع في ميدان "التأليف الموسيقي" كان كفيلاً بأن يفتح له "كل مرة" أفقاً أرحب نحو تجارب أوسع وأهم، وما أدل على ذلك إلا ما حصل معه بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما اختاره المخرج السينمائي "نبيل المالح" ليقوم بتأليف الموسيقا لأعمال صامتة، بكل ما تحفل به مثل هذه التجربة من صعوبة. إنه المؤلف الموسيقي "رضوان نصري" الذي يحتل اليوم مركزه المرموق في عالم "التأليف الموسيقي" بكل ثقة ودراية ومعرفة.

الخيار الموسيقي

قام "رضوان نصري" بتأليف الموسيقا لعدة أعمال درامية في شهر رمضان الماضي، حول ما قدّمه خلالها يؤكد في حديثه لـ "مدونة الموسيقا" أن من أهمها كان مسلسل "حبق" الذي تم تأجيله "للأسف" بسبب ظروف إنتاجية، مشيراً إلى أنه يُعتبر قصة عاطفية واقعية تشويقية، وهو من الأصناف الدرامية التي فُقِدت عندنا منذ أيام المخرج الراحل "حاتم علي".

وعن الخيار الموسيقي الذي ذهب إليه في العمل، يقول: «ذهبت نحو "الكلاسيك الوجداني" الذي يحبه الناس وله علاقة بالعاطفة، هي العاطفة المُستفيضة والدافئة جداً، ويشبه الأنماط التي كان يشتغل عليها الراحل "حاتم علي" والتي لها علاقة بالأسرة وحالات الحب».

المؤلف الموسيقي رضوان نصري داخل الاستديو الخاص به

ومن الأعمال الدرامية الأخرى التي وضع موسيقاها مسلسل "السبع"، الذي وصفه بالملحمة الفنتازية، موضحاً أنه استخدم فيه مجموعة جديدة من الآلات التي لها علاقة بـ "الموسيقا الغجرية"، خاصة أن المسلسل يرسخ هذا الموضوع فذهب باتجاهه. وعن قرب النمط الموسيقي المُستخدم فيه من موسيقا مسلسل "صراع العروش"، قال: «هما عملان ملحميان ومن تركيبة المدرسة نفسها، وستسمع داخل العمل حالات أخرى مرتبطة بما هو معاصر، فهناك آلات غريبة ولم استخدم الآلات القديمة، وإنما الآلات الحديثة بما فيها "الغيتارات والبيانو" والأصوات البشرية، فطالما أنه فنتازيا فهو يحتمل الذهاب بهذا الاتجاه».

إنجاز ما افتقدناه

كما قام بالتأليف الموسيقي للمسلسل السعودي "شارع الأعشى" الذي حقق صدى طيباً لدى عرضه، عنه يقول: «ربما هي المرة الأولى التي يخوض فيها موسيقي سوري تجربة مع مخرج تركي، وقد حقق العمل نجاحاً كبيراً، وتناول مجموعة قصص غرام تعود إلى زمن السبعينيات، وهو مأخوذ من رواية "غراميات شارع الأعشى" للكاتبة السعودية "بردية البشر"، وذهبت بموسيقاه نحو ما هو دافئ، الأمر الذي فرضته طبيعة النص».

المؤلف الموسيقي رضوان نصري

ويشير إلى أن هذه التجربة حققت نقلة ربما لا يستطيع تحقيقها اليوم في مسلسلاتنا السورية، لأن هذا النوع الدرامي لم يعد موجوداً فيها، فمنذ أكثر من خمس سنوات لم يتجرأ أحد على تقديم الحالة الاجتماعية العاطفية بهذا القالب، والتي كانت موجودة في أعمال سابقة مثل "على قيد الحب، أهل الغرام، الفصول الأربعة"، ولكن أتت الفرصة عبر "شارع الأعشى" ليحقق ما افتقدناه لفترة من الزمن.

وفيما يتعلق بموسيقا "سوق الحرامية" يقول: «هو مسلسل تشويقي، حاولت في موسيقاه استخدام نمط غريب إلى حد ما، وسعيت لأن أخفف قليلاً من حدة العمل، فذهبت نحو الحالة المعاكس له، بحيث أن كل ما نراه بشكل قاسٍ له ارتباط عاطفي، فحاولت اللعب بهذه الدلائل وبأن كل ما نراه من أكشن وإجرام سببه حالة عاطفية وحالة من الفقدان». ويشير إلى أنه قدّم أيضاً في الخليج قطعة موسيقية اسمها "مولاي" وهي موسيقا تركيبتها صوفية معاصرة.

المؤلف الموسيقي رضوان نصري

الموسيقا الدرامية

المؤلف الموسيقي رضوان نصري

إلى أي مدى يمكن للموسيقا أن تُقدّم "دراما"؟ وهل لـ "الموسيقا التصويري" القدرة على تلخيص المسلسل كاملاً؟.. يجيب في حديثه لـ "مدونة الموسيقا": «يمكن أن تلّخص فكرة العمل بدقيقة، فالموسيقا التي تعّلق في ذهننا هي التي تمتلك خصوبة درامية، ولديها القدرة على اختصار الكثير من الكلام، لأن رموزها دقيقة جداً، فيمكن أن تستوحي من علامة أو علامتين في الموسيقا حالة عاطفية معينة، بينما مجموعة جمل كتابية قد لا توصلك للمعنى المُراد. فالمادة الموسيقية تركيزها عالٍ عند المستمع وتصل إليه بسرعة».

يحاول المؤلف الموسيقي "رضوان نصري" منافسة نفسه فيما يُقدم من أعمال، خاصة أنه غالباً ما يذهب كل مرة إلى خيارات جديدة ومتأصلة مع الروح الدرامية للمسلسل، يقول: «قد أقدّم في العام الواحد عدة أعمال، منها "بيئة ومعاصرة وفنتازيا.."، فموسيقا كل منها تُنافس الأخرى، وحتى لو قدّمت نمطين مختلفين فأنافس نفسي بهما وأحاول إثبات أنهما جميلان، وحدث ذلك أكثر من مرة. ولكن تبقى الموسيقا عنصر من مجموعة عناصر يتألف منها المسلسل، فإن لم يفرض العمل الدرامي نفسه قد يؤثر ذلك على الموسيقا ولا تفرض نفسها للأسف».

المؤلف الموسيقي رضوان نصري

ولا بد من الإشارة إلى "نصري" أنجز موسيقا لشارات مسلسلات خرجت من الحالة الدرامية لتُقدم منفردة، يقول: «كثيراً ما حدث معي هذا الأمر، فربما لا يتابع الناس المسلسل ولكن يحفظون موسيقاه، لأن الذاكرة السمعية أقوى من الذاكرة البصرية، ومن الأمثلة عن ذلك موسيقا مسلسلي "نزار قباني، وشاء الهوى"».

حجر الأساس

حول نقاط العلّام في مسيرته الموسيقية، والتي بدأها فعلياً عام "1993" مع المخرج السينمائي الراحل "نبيل المالح"، يقول: «أهم تحوّل حدث في بدايتي مع المخرج "نبيل المالح"، الذي عاد من الخارج "ولم يكن يعجبه العجب"، فأفكاره مختلفة عن السائد ويستمع للموسيقا الغربية، وأعتبر أن وجودي معه في تلك اللحظة، وبعمر مُبكر هو أمر بحد ذاته بمثابة شهادة كبيرة لي، فمعه كانت أولى أعمالي».

وحول كيف حصل اللقاء بينهما، وما الذي جذب المخرج الراحل لاختياره وهو لا يزال موسيقياً مبتدئاً، يجيب: «حصل الأمر مصادفة، فكنت حينها أنجز إعلاناً هاماً يحتاج إلى موسيقا مميّزة، وبعد إنجازي للموسيقا وعرض الإعلان سأل "نبيل المالح" مخرجه إن كان استعان بمؤلف موسيقي من الخارج، فأجابه إن الذي أنجز موسيقا الإعلان موسيقي سوري، فلم يصدقه بداية، لأن ما قدم هو تفكير بعيد التفكير الموسيقي السائد، فطلب رؤيتي، وعندما تقابلنا قدّر خبرتي ولكنه لم يقتنع بعمري، وخضنا تجربة طويلة الأمد عبر مجموعة أفلام بعنوان "احتمالات"، وكانت كلها صامتة، ومعنى ذلك أن الموسيقا كانت عنصراً أساسياً فيها».

مما لا شك فيه أن هذه المرحلة شكلت الأساس والانطلاقة الحقيقية في عمل "رضوان نصري" الذي تحدث عن تجربته في الفيلم القصير الصامت "فلاش" إخراج "نبيل المالح" وتأليف وتمثيل "بسام كوسا" عام "1997"، وقال: «حصد الفيلم الكثير من الجوائز، وقدّم مجموعة حالات متدرجة لشخص، وأعتبر أن هذه التجربة كانت انطلاقة هامة وهي التي قدمتني. فالشغل في فيلم صامت أمر ليس بالأمر السهل، ويحتاج إلى تركيز عالٍ، علماً أن التقنيات كانت في ذلك الوقت "لا شيء"».

نقاط علّام

من نقاظ العلّام الهامة في مسيرته انتقاله في مرحلة لاحقة إلى أسلوب آخر، عن ذلك يقول: «انتقلت إلى مكان آخر هو الكوميديا مع المخرج الراحل "هشام شربتجي" عبر عائلات النجوم "عيلة ست نجوم، وما بعدها" ومسلسل "جميل وهناء"، وكانت تجربة تحمل خصوصيتها، لأنه من الصعب إضحاك الناس من خلال الموسيقا التي لا بد أن تكون قريبة من قلوبهم. والتزمت لفترة بهذا الخط، ومما أنجزته أيضاً موسيقا "مبروك" و"بطل من هذا الزمان" و"أنت عمري"، ولقيت هذه الأعمال صداها. وكان اللافت أنه حتى في الكوميديا حققت عدة نقلات، فقدمنا كوميديا التهريج والكوميديا الثقيلة التي لها معنى».

ويتابع: «أنجزت فيما بعد نقلة مهمة من خلال مسلسل "أسرار المدينة" إخراج "هشام شربتجي"، والذي يُعتبر من أدفأ الأعمال الدرامية. ثم أتى مسلسل "نزار قباني" إخراج باسل الخطيب، وكان نقلة اسميها بالحالة البرجوازية في الفن، فيها "كلاسيكية وبرجوازية وفخامة"، فمع شاعر بحجم "نزار قباني" لا تستطيع إلا أن تكون برجوازياً فيما تُقدم من موسيقا، وحدثت هذه النقلة عبر "الكلاسيك" الذي هو بين الغربي والعربي، فقدمت لوناً موسيقاً "غريباً عجيباً"، وقامت المطربة "أصالة نصري" بغناء الشارة، وهي قصيدة "هذي دمشق" للشاعر الراحل "محمد مهدي الجواهري"، ووصفت "أصالة" الأغنية بأنها من أهم مقتطفات حياتها، حتى أنها عندما تصل إلى مكان تتحدث فيه عن "مآذن الشام" تبكي، وبالتالي حققت هي أيضاً نقلة عبرها».

موسيقا غريبة

وفي حديثه عن المرحلة التالي، يقول: «بعد هذه الأعمال دخل المخرجون الشباب إلى الساحة، فقدمت موسيقا مسلسل "وشاء الهوى" إخراج "زهير قنوع"، و"الأميمي" إخراج "تامر اسحاق"، و"طالع الفضة" مع المخرج سيف سبيعي الذي أخرج أيضاً "الحصرم الشامي"، وفيه حققت نقلة هامة، فكانت موسيقاه غريبة، وهي المرة الأولى التي أسجل فيها الموسيقا في "اسطنبول". ثم قدمت موسيقا مسلسل "الحوت" إخراج رضوان شاهين، وفيما بعد أتت أعمال التشويق الاجتماعي العاطفي التي اختفت اليوم من حياتنا، مثل "زمن العار" و"تخت شرقي" وآخرها "تخت شرقي" وهي من إخراج رشا شربتجي».

وفيما يتعلق بما حققته أغنية "ويمر بي طيفها" شارة مسلسل "عناية مشددة"، التي قام بغنائها الفنان "آدم"، ومطلعها "ويمر بي طيفها وتسكن الأحلام، جميلة وأحبها واسمها شآم"، يقول "نصري" في حديثه لـ "مدونة الموسيقا": «أنجزتها كأغنية لأني رغبت في تقديم عمل للناس يحكي عن البلد، وسط خضم تركيبة الأغاني الوطنية التي كانت دارجة حينها، فكل عدة أيام كانت تُطرح أغنية وطنية جديدة على الساحة، وأردت تحقيق عمل أقلب فيه الطاولة، وهذا ما حصل بالفعل، واستطاعت الأغنية أن تٌكون بمثابة درس لهم».

ويتابع: «عُرِفت "ويمر بي طيفها" أولاً كأغنية وفيما بعد عرفها الناس على أنها شارة لمسلسل "عناية مشددة"، علماً أنها لا تشبهه، ولكن أحببت أن تنتشر بسرعة ووضعها كشارة جعلها تحقق رواجاً أكبر وتُعرض على المحطات الفضائية، وما فكرت به تحقق وبات السوريون أينما كانوا في الوطن والمهجر يسمعونها».

حالة ثقافية فلسفية

في لقاء سابق تم إجراؤه مع المؤلف الموسيقي "رضوان نصري" عام "2012"، قال "الموسيقا التصويرية حالة ثقافية فلسفية تعبر عن المكونات الداخلية ولها علاقة بالنفس والروح"، فإلى أي مدى هي لاتزال كذلك؟ وأين دور الفهم الدرامي للنص من ذلك كله؟.. يجيب قائلاً: «يظن الناس أن الموسيقا هي العزف على الآلة فقط، في حين أن كل إنسان يتحرك على الأرض يحمل موسيقاه معه، فالإنسان الحزين في الحياة موسيقاه حزينة، واليائس تلمس في نبرة صوته موسيقا معينة، يعبر عنها وتعكس حالته النفسية، فهي مكنونات كل إنسان، وما في داخله هو موسيقا يعبر عنها بطريقته، فإيقاعك اليومي الاعتيادي الموجود معك دائماً هو موسيقاك».

ولكن لدى اسقاط هذا الكلام على النص الدرامي وشخصياته، يكون الأمر مختلفاً، يقول: «عند قراءة النص تلمس رموز كل شخصية ومكنوناتها ودوافعها، فمن المهم جداً أن تكتشف غموضها عبر قراءتها، وبالتالي تلمس موسيقاها من خلال مفردات الحوار، وتعرف الموسيقا التي ستشتغل على أساسها. ويأتي حضورك إلى موقع التصوير ليُدخِلك في الجو العام، بحيث يحدث توازن بين قراءتك ومشاهدتك، وتأتي مرحلة المونتاج لتُدعّم أفكارك بما تقدم من موسيقا».

ويؤكد "نصري" أن هذه القواعد لا يسير وفقها الجميع، لا بل هناك من يتخطاها، ويدخل في المرحلة الأخيرة من التصوير ليُنجز موسيقا العمل كاملة.

المسموح والممنوع

الكثير من الموسيقيين يستلهمون أو يستعيرون من الموسيقا "الأذربيجانية، الأرمنية، الكردية، الشركسية،.." والتي قد لا تكون منتشرة ومعروفة في منطقتنا، فما الحدود الفاصلة بين المسموح به ويمنح للعمل غنى إضافياً وبين غير المسموح به ويُعتبر سرقة؟.. يقول: «يسمع المؤلفون الموسيقيون كلهم موسيقا من شتى أصقاع الأرض ليغذوا أنفسهم، وفي الوقت نفسه ليكون لديهم معلومات عن الأنماط الموسيقية كلها، وفي المقابل هناك من يستمع لنمط أو نمطين فقط، وهو أمر يختلف من مؤلف موسيقي إلى آخر، لأن هناك أشخاصاً متعصبين لنمط أو نمطين في الموسيقا، فيبقون في زاوية واحدة ولا يستطيعون التغيير، وإن خرجوا عن نمطهم يضعُف نتاجهم، وهنا يظهر مقدار الثقافة الموسيقية لدى المؤلف الموسيقي».

ويتابع: «الموسيقا علمياً هي "نظرية ومعادلة" مثل معادلة الرياضيات، فإن وجدت معادلة جميلة يمكن أن تأخذها على أن توجد لها حلولاً أخرى، فالمعادلة الرياضية تُحل بأكثر من طريقة، وهكذا هي الموسيقا. ولكن الخطأ يكمن في آخذ المعادلة نفسها واللجوء إلى استخدام طريقة الحل ذاتها، وعندها يُسمى هذا الأمر "سرقة"، بمعنى أنني قد أسمع موسيقا لمؤلف أرمني وأحبها وأجد أنه قدّم نظرية جديدة في الموسيقا، فما المانع من أن أفهم نظريته وأجد حلاً آخراً لها يختلف عن الحل الذي قدمه؟. فالمسموح به هو استلهام روح الموسيقا».

ويشير إلى أن مناطق مثل "أذربيجان" يكون تراثها الموسيقي غنياً لأن جغرافيتها غنية، ويرى أن غنى الموسيقا من غنى الجغرافيا، وبالتالي يمكن الاستفادة من الروحانية التي يقدمها هذا الغنى، وهو الأمر الموجودة عندنا في سورية الغنية بجغرافيتها.

لغة الصمت

سبق وأكد المؤلف الموسيقي "رضوان نصري" أن "الصمتُ أحد أهمّ أدوات المؤلِّف الموسيقي"، عن ذلك يقول لـ "مدونة الموسيقا": «نستخدم الصمت أحياناً في الدراما لنعبّر عن حالة موسيقا المكان، خاصة إن كان في العمل الدرامي جغرافيا معينة. أما الصمت عند المؤلف الموسيقي فمن خلاله يمكن أن يبدع بالموسيقا ويتخيلها. لأنها تحتاج إلى حالة تأمل ليستوحي ما يقدم خلالها».

وحول إن كان أي مغنٍ أو مطرب يصلح لغناء شارات المسلسلات، يقول: «ليس كل مطرب يمكنه غناء الشارة، فمن يغنيها ينبغي أن يكون متغيراً شأنه شأن "الشارة الموسيقا"، ومساحات صوته تستطيع التقلب مع تقلباتها لأنها تختلف عن الأغنية التي تتألف من "مذهب وكوبليه" يتكرران طيلة فترة الأغنية، فالشارة تبدأ بمكان وتنتهي بمكان آخر، أي أن المقدمة فيها قد تكون مختلفة عن النهاية. وبالتالي إن لم يكن المطرب متغير مع هذه الحالة، فهو لا يصلح لغنائها. لذلك لا نختار من مساحة صوته محدودة، وإنما نستعين بمطربين يمتلكون خبرة طويلة».

ويؤكد أنه ليس شرطاً أن يغني "شارة المسلسل" نجم معروف، فشخص عادي ربما ينجح بها، ولكن يتم اللجوء أحياناً للنجوم بقصد الإسراع في عملية الانتشار، والمهم في ذلك أن يكون النجم في مكانه الصحيح. موضحاً أنه عندما يكون النجم حقيقياً فمما لا شك فيه أن صوته مهم، ومثال ذلك ما قدمه المطرب "معين شريف" في شارة مسلسل "الكندوش" والمطرب "آدم" في "ويمر بي طيفها".

بين مصر والخليج

قدّم المؤلف الموسيقي "رضوان نصري" تجارب هامة في "مصر"، حول خصوصيتها، يقول: «التزمت ضمن فترة معينة ببقائي في "مصر"، وقدمت فيها أربعة مسلسلات، هي "تحية كريوكا، جمال عبد الناصر، أدهم الشرقاوي" بالإضافة إلى عمل سوري مصري "آخر أيام الحب". وأعتبر تجربتي في "مصر" مهمة، خاصة أنهم يعملون بطريقة احتراقية مختلفة عن طريقة العمل عندنا. وقد استعانوا بي للتغيير من الطابع الموسيقي الذي يستخدمونه بشكل كبير، فهم يتجهون للجمل اللحنية وليس الدرامية، في حين نشتغل نحن على العنصرين معاً، حيث تهمنا الحالة الدرامية مع اللحن الجميل».

وحول الاختلاف في تجربته الموسيقية بين سورية ومصر والخليج، ومؤخراً تركيا، يقول: «في الدول العربية مثل "الخليج" و"مصر"، تشعر براحة في الحالة العامة الاحترافية لآلية إنتاج العمل، أما في ”سورية" فهناك معاناة أكبر، مما يتطلب منك أن تجتهد أكثر لتصل إلى النتيجة التي تريد، وذلك نتيجة الظروف بشكل عام، إن كان عبر ميزانية المسلسل أو التقنية الاحترافية، وهي غير موجودة عندنا بقدر كبير كما حالها في مصر والخليج، فآلية الصناعة الدرامية غير متكاملة عندنا. ولكن أحياناً الحالة المتكاملة قد لا تلعب دورها لأنها منفردة لا تكفي، فعندما يكون عندك فن جميل إضافة إلى الحالة الاحترافية المتكاملة عندها تتفوق».

لتوزيع الموسيقي

فيما يتعلق بآلية التوزيع في "الموسيقا التصويرية" يشير إلى أن طبيعة المكان والجغرافيا تفرض على المؤلف الموسيقي كيفية التوزيع، يقول: «في الحي الشامي القديم لا أستطيع تقديم "بيانو وغيتارات وترومبيت وسكسيفون" وإنما ألجأ إلى الآلات الشرقية مثل "العود والناي"، كما أنني في العمل معاصر لا أستطيع التعبير من خلال "العود والقانون" لأن الحالة ستكون منخفضة لا تشبه الجو الذي نعيشه، ولا أستطيع في جو "الأكشن" استخدام الآلات العاطفية، وإنما يتم اللجوء إلى الآلات القاسية التي فيها إيقاعات قوية أو موسيقا الكترونية».

وحول دور الذكاء الاصطناعي اليوم في مجال "التوزيع الموسيقي" قال: «يعتمد "الذكاء الاصطناعي" على "الداتا" التي تغذيه بها، فيقوم بإنشاء موسيقا وفقاً لما لديه من معلومات، ولكنه لا يستطيع أن يقرأ الحالة الإبداعية في داخلك وتنقلك بين الألحان».