ما زلتُ أعتقد أنّ ذلك الحبل السري بيني وبين أمي لم ينقطع بعد، وأنّني ما زلت طفلةً تحبو أصرخ عندما أشعر بالجوع أو الألم أو التعب كي أنامَ بين ذراعيها. فالحديث عن الأم حديثٌ ذو شجون خاصة عندما يصبح الحب والأم والوطن سواء، فهي الملاذ الآمن دائماً، غنّى لها وكتب عنها العديد من الشعراء والمطربين، وما زلنا إلى اليوم نردّد هذه الأغنيات طال الزمن أو قصر.
ست الحبايب
حظيت "الأم" باهتمام الكثير من الفنانين، وهي واحدة من أشهر الأغنيات التي تحدّثتْ عن "ست الحبايب" للمطربة المصرية ذات الأصول السورية "فايزة أحمد"، وهي كلمات الشاعر "حسين السيد" وألحان الموسيقار "محمد عبد الوهاب". تقول كلماتها:
لو عشت طول عمري أوفي جمايلك
الغالية عليّ
أجيب منين عمر يكفي ولاقي فين
أغلى هدية
نور عيني ومهجتي وحياتي ودنيتي
لو ترضي تقبليهم
دول هما هديتي
يا ربي يخليكي يا أمي
يا ست الحبايب يا حبيبة يا حبيبة وحبيبة
شعور الحب والعطف كان عكسياً أيضاً من الأم إلى الطفل عندما غنّت الفنانة "شادية" لولدها وهي لم تنجب "سيد الحبايب" في فيلم "المرأة المجهولة"، كتب كلمات الأغنية الشاعر "فتحي فورة" ولحنها "منير مراد".
ومن لبنان قدّم الفنان "مارسيل خليفة" أغنيته الشهيرة "أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي" كلمات الشاعر "محمود درويش". كما غنت السيدة "فيروز" للأم ضمن ألبوم "أنا وسهرانة" أغنية "أمي يا ملاكي" لمؤلّفها "سعيد عقل" وألحان ا"لأخوين الرحباني". وحملت أغنية "أمي جنة" للمطرب الإماراتي "حسين الجسمي" روح الطفولة والحنين للأم، وهناك أغنية الفنان العراقي "سعدون الجابر" بعنوان "أمي يا أم الوفا".
ومن الأعمال المؤثّرة أيضاً أوبريت "أمي ثم أمي" الذي صدر عام 2008، وشارك فيه فنّانون عرب، منهم: "يارا ورامي عياش وجنات وتامر حسني" وهي من كلمات "أيمن بهجت قمر" وألحان "حميد الشاعري."
الأمّ في الأغنية السورية
تتالتِ الأغنيات التي تغنّت بالأم، ولعلّ من أشهرها في سوريا أغنية الفنان دريد لحام "يامو يا ست الحبايب" التي غنّاها ضمن مسلسل "ملح وسكر" مع عدد من الممثلين، مثل "ناجي جبر ومحمد الشيخ نجيب" تعبيراً عن الشوق والندم، ورغم أنّها أُنتجتْ عام "1972" إلّا أنّها لا تزال تعدّ إلى يومنا الحالي النشيد الرسمي لعيد الأم، رغم مرور واحد وخمسون عاماً على غنائها. وربّما السر وراء نجاحها واستمرارها الصدق في المشاعر وبساطة الكلمات، ما جعلها أيقونة عيد الأم، وهي من كلمات "دريد لحام" وألحان "عبد الفتاح سكر". ومن كلماتها:
يا مو يا مو يا ست الحبايب يا مو
يا مو يا مو يا ست الحناين يا مو
تسع شهور وأنت حاملتيني
وبعدا تعبت كتير تا جبتيني
وعذبتك كتير لتربيني
وضاعت الترباية فيني يا مو
ومن الأغنيات السورية الخاصة بعيد الأم أيضاً أغنية الفنان فهد بلان "أمي ويا ريتك أمي" ويقول فيها "نيال الي عندو أم، ما بيعرف قيمة الأم، إلا الي متلي يا أمي". كذلك غنّى الفنان ناصيف زيتون "أمي" عام 2017. وقدّم المطرب "جورج وسوف" أغنية "يا أمي" التي غناها منذ عشر سنوات باللهجة المصرية، وتظهر معه والدته في بعض اللقطات، وتقول كلماتها:
قلبي من كتر اللي فيه يـ مايا نفسه يهرب بيكي من جوايا
نفسه يعمل كل حاجة عشانك
جزء من جزء اتعمل ويايا
قلبي من كتر اللي فيه يـ مايا نفسه يهرب بيكي كم جوايا
نفسه يعمل كل حاجة عشانك جزء من جزء اتعمل ويايا
اسمحيلي انحني وأبوس ايديكي
ده الكريم لو حبني يكرمني بيكي
الحياة أو تبتسملي من دعاكي ومن رضاكي فرحتي وهنايا
ذكرى مع والدته
المطرب "سامر كابرو" من الفنّانين السوريين الذين قدّموا تجربةً مميزة تركت بصمتها في مجال الغناء للأم. عن ذلك يتحدّث لـ "مدونة الموسيقا" قائلاً: «من الأفضل للفنان أن يكون مواكباً للحالات التي يمرّ بها المجتمع، ولكل ما يمتّ للمشاعر الإنسانيّة، والأم هي كل شيء في هذه الدنيا، فهي التي أنجبتنا، وكل شيء مرتبطٌ بها، هي نبع الحنان وأصل الوجود، وفي النهاية الوطن هو الأم، فمن الطبيعي أن أكون مهتماً بهذا الموضوع».
وحول أغنية "صباح الخير يا أمي" التي غناها مع والدته، وهي من كلماته وألحانه، يقول: «صادف أنّ صوتها جبلي حنون عفوي، ورغم أنّها ليستْ مغنية لكن أحببتُ أن أسجل الأغنية كذكرى مع والدتي، لذلك أعدّها محطة مميزة في مسيرتي الفنية، وجعلت الكثير من الناس داخل وخارج سوريا يتعرّفون على "سامر كابرو"، حيث حقّقت الأغنية انتشاراً جيداً، خاصّة أن الكلام كان حواراً بين أم وابنها، كما أنها باللهجة السورية البحتة، فكلمة "يا أمي" كلمة محكية سورية، إضافة إلى العديد من المفردات الأخرى، مثل "اشتقت للكانون للخبزة والزيتون" فحاولتُ إبراز صورة حقيقة عن العائلة السورية». ويؤكّد أنّه سيعيد الكرّة بأغنية جديدة عن "الأم"، وهي جاهزة ومميزة، لكن لم يتسنَ له تسجيلها قبل "عيد الأم".
موضوعات إنسانيّة
وحول ما قدمه أيضاً ضمن هذا الإطار، يقول "كابرو": «كذلك غنيت "تحيا المرأة السورية" وذكرت فيها وصايا الأم وأنّ المرأة هي أم وبنت وأخت، كما قدّمتُ أغنية "يا أمي" باللهجة المصريّة، وكانت إهداءً من الملحن الراحل "شاكر الموجي" والكاتب الراحل "إبراهيم الدرواني"، حيث أهدياني إياها بعد أن استمعا لأغنيتي "يكون بعون الأرض"، ولمسا أن لدي شخصية الفنان الذي يحب أن يغني مواضيع مختلفة، فالفنّ بالنسبة إلي ليس تجارة وأغاني فرح فقط، وإنما أحب الأغنيات الإنسانية والقومية والاجتماعية، وحتى تلك التي تحكي عن البيئة، فأرى أنّ أيّ موضوع يمكن أن يكون مادةً لأغنيةٍ تعبر عني وعن الإنسان بشكل عام، وحملت أغنية "يا أمي" كمية إحساس عالية، حيث كتبها الفنان الراحل الموجي لوالدته وحملت الحب والشوق، وقد أهديتها إلى أمي».
وعن قلة الأغنيات السورية الخاصة بالأم يقول: «خطأ كبير من بعض الفنانين اقتصار عملهم الفني على أغنيات الحب، وألّا تأخذ الأغنيات الإنسانية حيزها ضمن أعمالهم، والغريب ألّا تكون تلك الأغنيات عن "الأم"، وللأسف هناك مغنون يعتبرون الفنّ مصلحة للحصول على المال، ومثل هذا المغني لا تستطيع مطالبته بالغناء للأم، والفن لا يمتهنه الجميع كفنّ، فالأمر يختلف بين الفنان والمؤدي والتاجر».
ويختم كلامه بالقول: «أحب أن أعايد كل الأمهات في سوريا والوطن العربي وفي كل العالم، وأقول إنّ أي إنسان لا يكون عنده حب وبر وولاء وتفان لأمه ووطنه هو إنسان لا يحمل الخير للآخرين».