فنّانٌ موسيقيٌّ وملّحنٌ وعازفٌ مبدعٌ، إنّه "آري جان" الذي تميّزتْ موسيقاه بالتنوّع بين الشجن والأمل، وبالعمق العاطفي والفكري بتوزيعٍ موسيقيٍّ جمع بين آلة "البزق" التي يجيد العزف عليها وآلات أخرى وبتقنياتٍ مختلفة تركت أثرها لدى السامعين. هو خريج "المعهد العالي للموسيقا"، قام بتأليف العديد من المقطوعات الموسيقية، له ألبومان غنائيان وموسيقيان، الأول ألبوم "جيان" والثاني ألبوم "موالنا" الذي تميّزت فيه أغنية "بعيد وبعيد"، إضافةً إلى المقطوعاتِ التي قدَّمها وفق رؤيته الخاصة السمعية والبصرية. واستطاع أن يصبحَ من أبرز الأسماء في مجال تلحين "الموسيقا التصويريّة" للعديد من الأفلام والمسلسلات.

مشروع موسيقي

حول مشروعه الموسيقيّ تحدث لـ "مدونة الموسيقا"، قائلاً: «أعمل على العديد من المشاريع وليس على مشروع واحد. فمن جهة، هناك "الموسيقا التصويرية" التي أعتبرها الشقّ الأساسي في مهنتي، وأعمل بها منذ خمسة عشر عاماً، وأحاول البحث والمساهمة في تطوير هذه المهنة بحيث نحصل على "موسيقا تصويريّة" متطوّرة وتتماشى مع العصر الحالي. فالتطوّر الدرامي الحاصل في الحياة وما رافقه من تطور كلّ العناصر الدرامية عبر "النص وآلية الكتابة والإخراج والموسيقا التصويرية والأداء"، عدا عن ظهور منصّات العرض الجديدة، ذلك كلّه جعلني أنظر إلى "الموسيقا التصويرية" وكيفية وضع لون سمعي للمسلسل على أنّها مشروعي الأول. ومن جهة أخرى، لدي همي الأكاديمي كموسيقي سوري، حيث كان ولا يزال، هاجسي العمل على إنتاج موسيقا رغم التحديات الكبيرة التي تواجه هكذا إنتاجات، ومنها شح الإنتاج الموسيقي في "سوريا"، لذا قمت بإنشاء قناة خاصة بي على "اليوتيوب" وسعيت إلى البحث المتواصل في التراث سواء الغنائي "الكوردي" أو "السوري" بشكل عام. وفي هذا المجال، عملت على تطوير الأغاني السورية التراثية وإعادة تسجيلها من باب توثيق التراث ومحاولة تطويره وتقديمه بطريقة جديدة تتوافق مع رؤيتنا له».

ويتابع: «كما أعمل على مشروع "الأغاني السورية المعاصرة" في ظلِّ سؤالٍ مهمّ يُطرح دائماً "هل هناك أغانٍ سورية؟" وأسعى في هذا الشقّ من مشروعي إلى تقديم أغانٍ باللهجة المحكية، أعكس فيها الثقافات السورية المتنوعة وغنى العامية السورية وموسيقا كلماتها؛ لأقدّم أعمالاً تصل إلى الناس كلّهم».

الفنان والملحن آري جان

وعن خصوصية ألبوم "جان" وما يميّزه، قال: «هو من إنتاج "اتجاهات ــ ثقافة مستقلة" وأعتبره أيضاً ضمن الثقافة المستقلة، حيث حاولت فيه -بعيداً عن الدراما- أن أجد أدواتي كموسيقي وأعبّر عن نفسي بشكل مستقل سواء عبر المقطوعات الموسيقية أو الأغاني الموجودة فيه. ويضم أغنيتين باللهجة "السورية" المحكية هما "شمس الصبح" و"اللي بيحبوك ما بيكرهوك"، إضافة إلى قطع موسيقية، منها قطعة "بساتين الكورد" مع آلة "الأكروديون" لعادل كاراي، وأخرى مع "الغيتار" من تأليفي وتدعى بالكوردي "يول" وبالعربية "طريق"، وسعيت عبر هذا الألبوم إلى إظهار مدى تجاوب آلة "البزق" مع آلاتٍ ثانيةٍ، إضافة إلى التعبير عن نفسي، وأنّني أستطيع تقديم أكثر من نمط موسيقي، وقد نجحتُ وانتشرتْ أغاني الألبوم، خاصة "شمس الصبح" التي ما زالت تحظى بشعبية متزايدة إلى اليوم».

الرؤيا البصرية

تحدّث "آري جان" عن الرؤية البصرية الخاصة في تصوير وتلحين "المقطوعات الموسيقية"، يقول: «خبرتي في عالم الدراما والنصّ والإخراج التي جاءت بحكم عملي في "الموسيقا التصويرية"؛ طوّرتْ علاقتي بالمادة البصرية، وأصبحتُ أولي اهتماماً كبيراً بطريقة التصوير، حيث ينبغي أن تكون هناك دائماً رسائلُ معيّنة ينبغي إيصالها، وعليها أن تكون أقرب ما يكون إلى المستوى الثقافي العالي. وغالباً ما أقوم باختيار الموقع وفكرة النص والإخراج ليكون متناسباً إما مع وضع المقطوعة الموسيقية أو مع الكلمات في حال تصوير أغنية، ويأخذ هذا الموضوع حيزاً كبيراً من اهتمامي، وخاصّة أننا في عصر تلعب فيه الصورة البصرية دوراً كبيراً في انتشار المادة الفنية. وغالباً ما أعمل وفق تصوّر مسبق لشكل الأغنية التي أريد تصويرها أو المقطوعة الموسيقية وأحاول تطوير هذه الحالة وفق إمكانيات الإنتاج المتوفرة بالتأكيد».

الفنان والملحن آري جان

وفيما يتعلق بربط "الموسيقا التصويرية" مع النصوص التلفزيونية، يقول: «عادة ما تُؤلف "الموسيقا التصويرية" بناء على المسلسل والحقبة الزمنية التي يتحدّث عنها، وهذا يتطلّب مني قراءةً لهذه المرحلة، يتبعها جلسات مع المخرج لمناقشة طريقة التلحين والبحث عن المراجع المتوافرة، وكذلك معرفة طريقة التصوير والإضاءة والديكور، يلي ذلك مشاهدة مقاطع من المسلسل، ثم زيارة مواقع التصوير ومتابعة كل هذه التفاصيل وربطها معاً لأبدأ التأليف، وبعدها تتم مزامنة الموسيقا مع المشاهد لمعرفة مدى تناسقها مع المشهد الدرامي. أما في السينما فالأمر مختلفٌ؛ لأنّني أضع "الموسيقا التصويرية" للفيلم بعد انتهائه وليس العكس. ولكن في جميع الحالات، على الموسيقي أن يبحث ويستمع ويتابع مع المخرج ويتحدّث معه عن التوجه، كي يُصار إلى الربط مع النص والذي يعتبر أمراً أساسياً».

اختيار الصوت

عن طريقة اختياره للأصوات التي تؤدي أغانيه، وخاصة "الكوردية" منها، يقول: «غالباُ ما يقع الاختيار حسب مدى مناسبة الصوت للأغنية، سواء من حيث الكلام أو النمط الموسيقي أو طريقة التلحين، وعندما أعمل على أغنية، غالباً ما يكون لديّ تصوّرٌ ومعرفةٌ مسبقة حول من سيؤديها، سواء كانت أغنية تراثية أو جديدة، ويتم الاختيار وفق إمكانيات الصوت وإلى أي مدى يمكن أن يتناغمَ مع هذه الأغنية. وقد تعاونتُ مع عدد من المغنين من كلا الجنسين ومنهم "صفوان العابد ومحمد مجذوب وسارة درويش وفرح يوسف" وأستطيع القول إن الملحن يصنع الأغنية لصوت معين».

الفنان والملحن آري جان

ويتابع: «فكرة أن يؤدي المغني باللغة "الكوردية" أتبناها بقوة بما أنني أتكلم "الكوردية"، فمن الطبيعي أن تصل الفكرة بشكل صحيح عندما يؤديها المغني، لكن من جهة أخرى، فإن المغنين الذين أقوم باختيارهم لأداء مثل هذه الأغاني يتقنون أكثر من لغةٍ؛ لذا لا يواجهون مشكلة في تقديم اللفظ بشكله الصحيح. وأؤكد مجدداً أن الأمر لا يتعلق فقط بإتقان اللغة "الكوردية" أو غيرها من اللغات المحكية، بل أن يكون الصوت ملائماً للأغنية، وهو الأهم، حيث يتم التدرّب عليها، وكلما زادت مدة هذا التدريب على الأداء قُدّمتِ الأغنية بطريقة أفضل».

وحول اختيار الأصوات المؤدية للشارات التلفزيونية وتماهيها مع النص والموسيقا يقول: «أغنية شارة المسلسل ينبغي دائماً أن تحكي قصته، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وأن تحمل روحه بطريقة فلسفية، فهي رسالة عليها أن تحكي الحدوتة الأساسية للمسلسل. وعلى سبيل المثال في مسلسل "نبتدي منين الحكاية" كانت البداية بطريقة سورية خالصة، وكذلك مسلسل "الزند" وشارة "رفاق الدرب"، وينسحب الأمر ذاته على شارات المسلسلات كلها التي عملت عليها، ولدى التمعّن فيها، سيجد المتلقي تفاصيلَ وثيقةَ الصلة بالنصّ ومقولة المسلسل. وهنا أيضاً يتم اختيار المؤدين وفقاً لمدى مناسبة صوتهم للحالة واللحن والموسيقا، وغالباً لا أختار المؤدي فوراً، بل أجرب مع أكثر من مؤدٍ إلى أن أصل إلى الصوت الذي أبحث عنه والمناسب للحن».

الفنان آري جان والفنانة نيرمين شوقي في ديو غنائي