تُعَدّ المواهب الشابة كنزاً ثميناً في المجتمع، وتمثل رافداً حيوياً لإثراء الساحة الفنية والثقافية، ومن هنا يأتي دعم الأطفال الموهوبين بالعزف والغناء كخطوةً أساسية لتحفيزهم على الإبداع وتعزيز حضورهم أمام الجمهور، مما يخلق جيلاً أكثر تميّزاً وإبداعاً في المستقبل.
رسالة حب
تولي العديد من المعاهد الموسيقية والمراكز الثقافية اهتماماً عميقاً بالمواهب الناشئة، وتحرص على رعايتها وتدريبها وإبراز دور الموسيقا كجسر للتواصل الإنساني، ووسيلة للحفاظ على الهوية الوطنية والثقافية للأجيال القادمة.
وفي هذا السياق قدّم معهد "محمد عبد الكريم" للموسيقا التابع لوزارة الثقافة حفلاً موسيقياً على مسرح دار الثقافة في "حمص"، بعنوان "بانوراما رسالة حب" بقيادة الأستاذة "رهف السليمان" ومشاركة نخبة من الأطفال واليافعين الموهوبين بالعزف والغناء، مؤسساً لفضاء فني تربوي يجمع بين التعليم الراقي والرعاية الإنسانية للمواهب الناشئة.
وضمن أجواء يملؤها شغف النغم وإيقاع الحلم، التقت "مدونة الموسيقا" مع مديرة المعهد "رشا النقري" لتتحدث عن خصوصية ما تم تقديمه في الحفل، قالت: «حمل الحفل رسالة حب من سوريا الحرة إلى أطفال العالم، وضمّ 18 عازفاً و12 مشاركاً في الكورال، قدّموا باقة منوّعة من المقطوعات الموسيقية والأغاني التراثية والطربية». لافتة إلى دور المعهد في نشر الفن وإشراك الأجيال الجديدة في تجسيد الهوية الموسيقية الوطنية.
وأضافت أنّ المعهد تأسس عام 2013، ويعد مؤسسة تعليمية تهدف إلى تطوير مهارات الطلاب الفنية والإبداعية في مجال الموسيقا من خلال برامج تعليمية متخصصة تجمع بين النظري والعملي، ويستقطب طلابه من عمر 8 - 11 سنة ليتخرجوا بعد إتمام سنوات دراستهم بشهادة مصدّقة من وزارة الثقافة.
مهارات الطلاب
عن كيفية تعليم العزف على الآلات الموسيقية بشكل أكاديمي، أشارت "النقري" إلى أنّ المعهد يقدّم دروساً فردية مخصصة لتطوير مهارات الطلاب على الآلات أو الصوت، إضافة إلى دروس الأداء الجماعي والتدريبات المستمرة سواء بالمشاركة في الفرق الموسيقية أم الأنشطة الصيفية التي تساعدهم على التفاعل والتعاون مع زملائهم.
وحول الدور الأساسي للأجيال الفنية الواعدة، أكدت أنهم يمثلون جسر الاستمرارية بين الماضي والحاضر من خلال التعلّم والأداء والابتكار الموسيقي وتطويره بروح معاصرة. وفيما يتعلق بأهمية إقامة حفلات موسيقية بشكل دوري، لفتت إلى دورها في صقل مواهب الأطفال وتنمية خبراتهم العمليّة، مما يكسبهم الثقة بالنفس ويمنحهم فرصة لتطبيق ما تعلّموه نظرياً وعملياً أمام الجمهور.
وبيّنت أنّ رؤية المعهد تقوم على تربية جيل موسيقي واعٍ ومبدع يجمع بين المعرفة الأكاديميّة والمهارة العمليّة، مشددة على ضرورة التعاون مع المؤسسات الثقافية الأخرى، مشيرةً إلى دور وزارة الثقافة في دعم المعاهد مادّياً وفنياً ورعاية البرامج التعليمية والفنية.
ووجّهت "النقري" رسالتها إلى الأهالي موضحةً ضرورة تقديم الدعم للأطفال الموهوبين والتشجيع المستمر لتنمية مواهبهم، إضافة إلى المتابعة الدائمة مع المدرسين.
التحفيز على الإبداع
قائدة ومدربة الفرقة الأستاذة "رهف السليمان" أشارت إلى أن الأطفال قدموا في الحفل مجموعة من المقطوعات الموسيقية، منها: "قضية العم أحمد" للموسيقار "عمر خيرت"، أغنية "عصفور طلّ من الشباك"، "هلي يا سنابل"، "تحية إلى فلسطين"، "ويمر بي طيفها"، إضافة إلى وصلات تراثية منوّعة.
ولدى سؤالها عن كيفية تدريب الأطفال على قراءة النوتة الموسيقيّة، أوضحت لـ "مدونة الموسيقا" أن ذلك يتم من خلال المنهاج النظري للصولفيج الذي يركّز على أربع نقاط: قراءة النوتة، والإيقاع، والغناء الصحيح، وتدريب الأذن على التقاط النغمات بدقة، مع تدرج المستوى حسب السنوات.
وعن دور الأهل في دعم الأطفال وتحفيزهم على الإبداع ونشر الثقافة الموسيقيّة، لفتت إلى أنّ الأهل هم الداعم الأكبر للعملية التدريسية، ويتم التنسيق دائماً بينهم وبين الأستاذ لتحديد نقاط الخلل والمساعدة على التدريب الصحيح في المنزل والمعهد للوصول إلى التطور والنجاح.
وحول دور الموسيقا في بناء شخصيّة الطفل وتهيئته نفسيّاً للصعود إلى المسرح، أكدت أنّ الموسيقا تنمّي شخصية الطفل وتعزّز ثقته بنفسه، وتزيد قدرته على الإصغاء واحترام الآخرين، وأنّ المسرح عمل جماعي يتطلب الإصغاء والحفظ الجيد للأدوار. ووصفت شعورها عندما رأتهم يقدّمون عرضاً ناجحاً أمام الجمهور قائلةً: "أطفالنا مبدعون، ولديهم مقدرات كبيرة، وأتى أداؤهم المبدع على المسرح نتيجة التدريب المتواصل، وكانت سعادتي كبيرة لأنهم حصدوا ثمرة تعبهم من خلال تقديمهم عرضاً مميزاً".
أمل المستقبل
معاون مدير الثقافة "محمد سعيد الجبولي" تحدث لـ "مدونة الموسيقا عن دور مديرية ثقافة حمص في دعم المعاهد الموسيقية التابعة لها وإظهار المواهب الواعدة، مؤكداً أهمية توفير البيئة التعليمية المناسبة في المعهد، ورعاية الكوادر التدريبية والأطفال الموهوبين، وتقديم الدعم اللوجستي والإعلامي لتسليط الضوء على الجهود المميزة.
وفيما يتعلق برؤية المديرية للمجال الموسيقي وأهمية خلق جيل جديد يؤمن بالفن كوسيلة بناء، أوضح "الجبولي" أنّ الموسيقا لغة عالمية ترتقي بالذوق، وتُعزز الانتماء وتصقل الشخصية، لافتاً إلى ضرورة تعزيز مشاركة الأطفال واليافعين في الحياة الثقافية العامة من خلال المعاهد والفرق الموسيقية والفعاليات المحلية.
وعن أهميّة استثمار مواهب الأطفال في الحفاظ على الفن الأصيل، بيّن أن الاستثمار في الفن والثقافة ليس رفاهية بل ضرورة وطنية، وأنّ مديرية الثقافة ستبقى حاضنةً لكل موهبة تحمل نغمة أمل للمستقبل.
تنمية المواهب
تحدّث الشاب "جلال محفوض" عن مشاركته في الحفل الموسيقي وموهبته في العزف على آلة العود قائلاً: «منذ خمس سنوات وأنا أتدرّب على العزف على آلة العود في المعهد، وأسعى دائماً إلى التوفيق بين دراستي الأكاديمية وشغفي بالموسيقا، وأقدّر كثيراً الدعم الكبير الذي تقدّمه إدارة المعهد والأساتذة المتخصصون في التعليم الموسيقي، مما أتاح لي فرصة المشاركة مع العديد من الفرق الموسيقية على مسارح مدينة حمص، ويبقى الدور الأكبر لعائلتي التي شجعتني على التعليم الموسيقي واهتمامها بالموسيقا الشرقية والطرب الأصيل».
أبهر الطفل الموهوب "جاد موسى" الحضور بصوته العذب وأدائه المتميز في الغناء، وتحدث قائلاً: «أحببت الغناء منذ الطفولة، وشاركت خلال الصفوف الابتدائية في عدة فعاليات مدرسية، ومع مرور الوقت، نمت موهبتي تدريجياً، وأتيحت لي الفرصة للمشاركة في مسابقات تدعم مواهب الأطفال داخل القطر وخارجه، وتمّ قبولي في "معهد محمد عبد الكريم" تقديراً لموهبتي، وتشجيعاً من عائلتي لصقلها بشكل أكاديمي. كما شاركت مع أطفال المعهد في فعالية "رسالة حب"، وقدمت صولو غنائي منفرد لأغنية بعنوان "ويمر بي طيفها"، وسعدت جداً بتفاعل الجمهور وتصفيقه الحار».