وجود رباعي وتري يضم الآلات المتعارف عليها "كمان أول، كمان ثاني، فيولا، وتشيلو" ليس بغريب، ولكن أن يكون هناك "رباعي عود" فهو أمر يحمل في طياته الكثير من الجرأة، ويثير تساؤلات حول كيف يمكن أن يقدم موسيقاه، خاصة أن "العود" عادة ما يكون آلة موسيقية فردية أو مصاحبة لفرقة موسيقية شرقية، فكيف له أن يكون ضمن رباعي مخصص له؟ وما نوع الموسيقا التي يقدمها؟ وكيف يمكن توزيع الأدوار بين الموسيقيين؟.
تلاقي الأعواد الأربعة
أسئلة سعت أمسية "رباعي العود السوري" التي أقيمت في "دار أوبرا دمشق"، إلى الإجابة عنها، فاتحة الباب مشرعاً أمام تجربة يقف وراءها الكثير من الشغف والجهد والعمل الدؤوب، وقد شكّلت الأمسية مناسبة للتعرف عن قرب على الرباعي الذي لم يكن وليد اللحظة، فهو مشروع قائم منذ سنوات وتعاقب عليه العديد من العازفين. ويشرف عليه رئيس قسم الآلات الشرقية في المعهد العالي للموسيقا الأستاذ "محمد عثمان".
عزف ضمن الرباعي في الأمسية كل من "سليمان المصطفى، بدر الريشاني، عمر أبو هرموش، كنان الحسين"، بإشراف الموسيقي "محمد عثمان" الذي تحدث لـ "مدونة الموسيقا" بداية عن كيفية توزيع الأدوار بين عازفي العود الأربعة، مشيراً إلى أن الأدوار الأربعة تمثل "الهارموني" أي التآلف الموسيقي، لأنه يحدث أن تكون هناك ثلاث أو أربع أصوات ولكنها لا تسير في السياق نفسه، وقد يكون الصوت مرافقاً ليعطي "الإيقاع"، أو يعطي تردداً أو جواب للحن المعزوف.
يقول: «ضمن "رباعي العود" هناك "عود" أخذ دور "الباص" و"البيس" هو قاعدة الموسيقا والارتكاز، تأتي أهميته بعد "الإيقاع" الذي هو "النبض"، فـ "البيس" يترجم "النبض" لنوتات موسيقية. ويأتي "العود" الثالث ليكون بين "الباص" و"العود" الثاني بالنسبة لحدة الصوت، ويمكن أن يعزف ما يعزفه "العودة" الأول ولكن بأوكتاف أدنى، وإن لم يؤدِ ما يقدمه "العودة" الأول، فيكون هو صلة الوصل بين "العودين" الأول والتاني حسب الموسيقا، وعلى سبيل المثال في "السويت" الذي تم تقديمه، كان "العود" الثالث هو المترجم وصلة الوصل بين الأول والتاني».
ويؤكد أن فكرة "الرباعي" موجودة في الموسيقا العالمية، مثل "الرباعي الوتري" الذي يتألف من "كمان أول، كمان ثاني، فيولا، وتشيلو" بمختلف درجات الصوت، من القرار إلى الجواب ليعطي الهارموني والتلون المطلوب، "السؤال والجواب" في الألحان، فلا يكون اللحن أحادياً، وإنما تُقدم وجهات نظر أخرى للحن نفسه.
ويتحدث عن التجربة التي تم تقديمها: «حاولنا اسقاط هذه التجربة عبر "العود" وألا يكون أحادياً، فــ "العود" هو آلة "سولو"، ويمكن أن يرافق الغناء ليترجمه، أو ليكون ركيزة للمغني بدل الإيقاع والآلات الموسيقية لأن فيه "البيس" الذي يُعد القاعدة ويعطي الإيقاع واللحن ليرافقه الغناء».
ويؤكد أن فكرة وجود "أربعة أعواد" تعزف معاً هي جديدة نوعاً ما، لأنه حتى فلسفياً اعتدنا سماع اللحن الواحد، الاتجاه الواحد، وبالتالي فإن وجود أربع اتجاهات تتداخل معاً سيكون أمراً صعباً إلى حد ما، ولم يعتاد الجمهور على سماع أربع ألحان باللحظة نفسها. ويتابع: «ولكن استطعنا في الحفلة الاستفادة من تجارب سابقة لمؤلفين عالميين، تم توزيع أعمال لهم لأربعة "أعواد"، وفي "السويت" الذي ألفته بشكل خاص لـ "الرباعي" حدث نوع من الحوار والجدل، وأحياناً نوع من الصراع، ونوع من التوافق في مرات أخرى».
عود يسلّم آخر
خلال الأمسية كانت هناك "أعواد" تعزف وأخرى ترتاح، وكأن هناك توزيع أدوار فيما بينها، وبدا المشهد أشبه بـ "عود" يسلّم آخر، عن ذلك يقول "عثمان": «ظهر ذلك على سبيل المثال في الحركة الثانية من "السويت"، فكانت حوار درامي بحيث يحكي "العود" الأول، ليأتي الرد من "العود" الثاني ومن ثم يرد "العود" الثالث، وعندما أسميت الموسيقا "ضياع" كانت ترجمة للواقع السوري في تلك الفترة قبل عشر سنوات تقريباً، فكانت أقرب لتكون نوعاً من الصراع، أي أن أحدهم يحكي والثاني لا يسمعه، أو أن يسمعه الثاني ولكنه يريد فرض وجهة نظره، ليأتي الثالث برأي مختلف. والفكرة أننا بحاجة ماسة إلى الحوار شرط ألا يتحول إلى صراع».
إلى أي مدى يمكن أن تصل فكرة الحوارية بين "الأعواد" بهذه الرؤية إلى الجمهور؟ وعندما يترجم المؤلف الموسيقي رؤاه إلى عمل موسيقي، إلى أي مدى يمكن أن تصل هذه الرؤى إلى الآخر؟.. يجيب: «الموسيقا علم تجريدي بحت، خاصة عندما تكون من دون كلام، هي توصل أصوات عبر الدماغ تتم ترجمتها حسب ثقافة كل إنسان ووجهة نظره. وفي الحوارية عندما يعزف "العود" الأول اللحن ويرد عليه الثاني أو يكمله، أو يساعده على اللحن، تجد أن هناك ضرورة لوجود الثاني أو الثالث ليكملوا بعضهم البعض، مع وجود تآلف هارموني. فإن سمعت هذه الموسيقا لـ "عود" واحد فقط ستشعر أن العمل ناقص، لأن الموسيقا كُتبت على هذا الأساس، فوجود كل عود ضروري ليكمل الحوارية والحدث».
المساحة الصوتية لـ "العود"
أكد "محمد عثمان" أنه تم توظيف المساحة الصوتية الكاملة للعود ضمن "الرباعي"، يقول: «أكثر إمكانية يمكن أن نستفيد فيها من العود حققناها، إن كان عبر هذه الحفلة أو بغيرها، فالأمر مرتبط بطريقة الكتابة لـ "العود"، وقد انطلقت بهذه الطريقة منذ البداية، بحيث أكتب لكامل المساحة، فتستفيد "الأعواد" الأربعة من المساحة كلها».
ويتابع: «هناك من يرى أنه على "العود" أن يكون مصاحباً للغناء فقط، وآخرون يرونه للتقاسيم كما كان يعزف عليه الراحل "فريد الأطرش"، ولكنهم لم يروه بصيغة "رباعي العود"، وبالتالي عندما تطرحه وفق هذا الإطار تعطي المجال للمستمع ليراه بطريقه أخرى قد يحبها بشكل أكبر. ففي أوروبا سبق أن بدأ كل من "الكمان" و"التشيللو" كآلات مصاحبة للغناء، ومن ثم بتنا نسمع "رباعي وتري" لوحده، ونرى "أوركسترا" مؤلفة من آلات "الكمان" فنحبها أكتر، ولكن مضى وقت حتى أحببنا ذلك. وعندنا لم يتعرف الناس على "العود" ضمن مجموعة "أعواد"، وإنما اعتادوا عليه أن يعزف منفرداً، إلا أن المستمع تتغير ذائقته رويداً رويداً، فالتراكم السمعي يتغير».
وحول العزف المنفرد للعازفين الذي حرص على وجوده ضمن الأمسية، بحيث يكون لكل منهم مقطوعة تٌعزف بشكل "سولو"، يقول: «أضأت عليهم كعازفين افراديين، فقد درسوا في "المعهد العالي لموسيقا" لمدة خمس سنين، ولديهم مخزون جيد سواء بالعلم والتكنيك أو بالأحاسيس التي يمكن أن يوظفوها، لذلك أحببت أن أفرد لهم مساحة يبرز فيها كل منهم جانباً من شخصيته، خاصة أن "العود" آلة "صولو". كما أن الجمهور قد يحب رؤية هذه الحالة في العزف الافرادي، فعزفوا بشكل ارتجالي مضبوط إلى حد ما، بمعنى، إن ارتجلت على مقام "النهاوند" فهناك حد تصل إليه ينبغي ألا تتجاوزه ولا تستعرض كامل المقام، ليُكمل العازف الذي يليك، فقولبتهم نوعاً ما، وتركت لكل منهم الحرية بتقديم ما يريد. وبما أنهم طلابي وأعرف مستواهم جيداً فقد سعيت خلال البروفات لتلمس مكمن قوة كل منهم لإبراز الجوانب التي هم متمكنون منها بشكل أكبر».
بين الشرقي والغربي
يتحدث "عثمان" لـ "مدونة الموسيقا" عن تقديم الموسيقا الشرقية إلى جانب الموسيقا العالمية ضمن أمسية واحدة يتم فيها العزف على آلة شرقية، يقول: «نقوم في "المعهد العالي للموسيقا" بتدريس الموسيقا العالمية، بحيث نستفيد من التكنيك الذي فيها، وطريقة معالجة الجمل الموسيقية، وقد بات لدى العازفين ثقافة غربية وشرقية بشكل طبيعي، وفي النهاية آلة "العود" إرث انساني ليس حكراً على الموسيقا الشرقية أو الغربية، لأنه حتى في الشرقي هناك "العربي، التركي، الفارسي"، وفي العربي هناك "السوري والمصري.." وهكذا، وبالتالي هي إرث إنساني وحق للجميع».
ويتابع: «عندما عزف "الرباعي" موسيقا "برازيلية" كان أقرب إلى المؤلف الأساسي الذي غازل الموسيقا الشرقية بألحانه، فعندما عُزِفت المقطوعة على "العود" وصلت للناس بشكل أسرع، رغم أن المقطوعة هي "آريا" لأوبرا "من البرازيل إلى باخ"، فهي بعيدة عن ثقافتنا، لكن الموسيقا لغة عالمية، والآلة الموسيقية قادرة أن تترجم أي لحن».
وعن آلية تنويت المقطوعات العالمية لتُعزف على "العود" يشير إلى أن نوتات المؤلفين الأصلية موجودة، ولكنه قام بإعدادها للأعواد، يقول: «حسبت المساحة بما يتناسب مع مساحة "العود" من أخفض إلى أعلى نوتة، وبما يتناسب مع المقام الموسيقي، حتى استطعت الحصول على أكبر نسبة مئوية تتناسب مع "العود". فالملحن يؤلف العمل الموسيقي لآلة معينة وفق تقنياتها، ولكن لدينا فائض من التقنيات لـ "العود"، فرغبت بتوظيفها واستخدمت التقنيات الموجودة في الموسيقا العالمية بما يتناسب مع المساحة الصوتية واللون الموسيقي الذي يصدر عن "العود"».
روح التجريب
وعن خصوصية البصمة التي وضعها "الرباعي" على مقطوعة "روحي الخماش" التي قُدمت في الأمسية، يقول: «عزفت هذا "السماعي" لأول مرة سنة 1998، و"الخماش" مؤلف قدير جداً ولكن لم يكن معروفاً بشكل كبير بين الموسيقيين، حتى عندما سمعوني أعزفها قالوا "لو سمع الخماش ما قدمت لأعجب به كثيراً"، وينبع إعجاب الناس بما قدمت حينها لأنني أعطيت الروح المناسبة للألحان. وقد رغبت بتوزعه للأعواد الأربعة خاصة أن مؤلفه عازف "عود"».
يبرز سؤال حول روح التجريب وإلى أي مدى كانت حاضرة في مثل هذه الأعمال؟. يجيب "عثمان": «هي مهمة إلى الحد الذي يوضح فيه اللحن الرئيسي الذي تبناه الملحن، فقد حاولت قدر الإمكان الحفاظ على اللحن الرئيسي، وهذا ما أفعله دائماً، لكن أقوم بإنجاز نسيج حوله دون الخروج عن الفكرة الرئيسية التي وضعها المؤلف، وبذلك أكون قد حافظت على اللحن الرئيسي وبالوقت نفسه وضعت وجهة نظري».
وإن كانت تسمى هذه العملية بـ "الزخارف الموسيقي" يؤكد أن الزخارف هي المعنى البسيط، «إنها حالة روحية وفنية تعكس ثقافتك وقدراتك على التأليف كما تعكس فلسفتك، فالموسيقا فلسفة ومن خلالها تعرف كيف يفكر المؤلف الموسيقي».
الخصوصية وآلية التوزيع
يلقي "محمد عثمان" الضوء على البرنامج الذي قُدّم في الأمسية، من ناحية الخصوصية وتكنيك العزف وآلية التوزيع، حيث كانت الأعمال كلها من إعداده عدا "متتالية ضياع" التي جاءت من تأليفه، ويشير في حديثه لـ "مدونة الموسيقا" إلى أن العمل الأول كان "أداجيو - الحركة الثانية من الكونشيرتو الثالث" تأليف الأزربيجان "حاجي خان محمد" والذي ألّفه لآلة "التار" مع البيانو ولاحقاً مع الأوركسترا. يقول: «أخذت الحركة الثانية من "الكونشيرتو" التي تمتاز بلحنها الشاعري البطيء وهو لحن شرقي يشبهنا، كما أخذت "الهارموني" نفسه الذي وضعه المؤلف ووزعته لـ "الأعواد"، وبالتالي حافظت على وجهة نظره في "اللحن والهارموني"، وبقي موضوع تسلسل الألحان ما بين آلات "السولو" أي "الأعواد"، لأن اللحن كتبه لـ "سولو" مع مرافقة "بيانو"، فأخذت فكرته من الألحان وترجمت هذا "السولو" لأربعة "سولو" ولكن بكتلة واحدة، وشعرت أنه الأقرب لفكر المؤلف».
ويتابع حديثه: «القطعة الثانية "فالس رقم 2 مصنف 64" تأليف "فريدريك شوبان" كُتِب لـ "البيانو"، وموسيقاه مختلفة تماماً، حيث أخذت اللحن الذي يُعزف باليد اليمنى وقسمته إلى "عودين"، والذي يعزف باليد اليسرى وقسمته إلى "عودين" أيضاً، بحيث يكمل "العودين" الأول والثاني اللحن عن بعضهما البعض، وهكذا. أما الـ "اريا" التي جاءت بعنوان "من البرازيل إلى باخ" تأليف "فيلا لوبوس"، فمكتوبة لآلات "تشيلو" مع مغنية، وقد أخذت لحن المغنية وجعلت "العود" الأول يعزفه ووزعت أدوار "آلات التشيلو" لـ "الأعواد" الأخرى، وأبقيت على "الهارموني" كما كتبه المؤلف، فـ "العود" صوته قريب من "التشيلو"، وشعرت أن ما تم تقديمه قريب من المؤلف خاصة أنه استخدم أبعاداً في الموسيقا تناسب "الموسيقا الشرقية"، كالفواصل التي جاءت "نكريز" أو "حجاز" مما ناسب "العود" الذي يُعد آلة "سولو" يمكنها ترجمة صوت "المغنية" عن طريق "الرش" وهي عدة ضربات يتم سماعهم كأنهم صوت واحد، ليكون الصوت متماسكاً مثل الحنجرة، ويترجم صوت الغناء».
العمل الأخير حمل توقيع "محمد عثمان" في التأليف، وهو متتالية بعنوان "ضياع" مؤلفة من أربع مقاطع، عنها يقول: «تعود القطعة لعام 2018، وكتبتها بشكل خاص لـ "رباعي العود"، فإن أخدنا القطع وعزفناها سولو تحس أن فيها ما هو ناقص، فالألحان رُتِبت على أساس أنها حوارية، وهي آخر ما توصلت إليه في الرباعي، وهنا يظهر صدق الكتابة، إن كانت القطعة مكتوبة لسولو واحد ووزعتها لأربعة أعواد، أو أنها مكتوبة أساساً لأربعة أعواد. وهذا العمل أخذ مني جهد وعمل امتد لسنة ونصف تقريباً».
تبني المشروع
رغم أن "محمد عثمان" هو المشرف على "رباعي العود" إلا أنه لم يشارك في العزف بأي مقطوعة ضمن الأمسية الأخيرة، واكتفى بالإشراف والإعداد والبقاء خلف الكواليس، عن ذلك يقول: «أحببت أن يوجه الضوء نحو "الرباعي" نفسه، وبمجرد أنهم يعزفون فأفكاري ستصل وكأني ظاهر للجمهور لأن الموسيقا تكشف كاتبها، وبما أنهم طلابي فحتى تكنيك العزف وطريقة معالجة الجمل اللحنية كلها كنت المشرف عليها، فأرى نفسي فيما يُقدمون، ومن يعرفوني يرونني في كل نوتة».
وحول انتقائه لعازفي "الرباعي" يشير إلى أن "الشباب الأربعة" تبنوا المشروع ووجدوا أنفسهم فيه، وأحبوا فكرة العمل الجماعي، وهم منسجمين مع بعضهم البعض، ويحبون هذا النوع من الموسيقا الأكاديمية، وعلى هذا الأساس تم اختيارهم بالإضافة إلى الكفاءة والإيمان بالمشروع.
وحول انطلاق الفكرة الأولى في إنشاء "رباع عود" يقول: «بدأت الفكرة في "المعهد العالي للموسيقا"، فهناك مادة "موسيقا الحجرة" التي يتم تدريسها من السنة الثالثة إلى السنة الخامسة، وهي مادة فصلية أراها ضرورية جداً، وفيها يعزف الطالب مع مجموعة، لأن الموسيقا ليست "سولو" فقط، وعليه التدرب للعزف مع فرقة، وتم تكليفي بمجموعة طلاب، وعادة يكون هناك خلط بين الآلات، ولكني فضلت أن أبقى في اختصاصي، وأوظف خبرتي وأفكاري ضمن آلة "العود"، تقنياً وهارمونياً وعلمياً وحسياً، ومن هنا نبعت الفكرة، وبدأت أولاً بثلاثة طلاب ثم أضفت الرابع، وهو العدد الأقصى، بحيث نصل للهارموني النهائي، وكانت البداية من عام 2014. ولكن قليلة هي الحفلات التي أقمناها، فقد أقمنا حفلين فقط في "دار الأوبرا"، وحفلة في "السويداء"، وفي "الآرت هاوس" عام 2018، كما أقمنا حفلاً في "الهند"». مشيراً إلى تعاقب الطلاب على "رباعي العود".
تجربة فريدة
يتحدث لـ مدونة الموسيقا" عازف العود "سليمان المصطفى" الذي شارك في العزف ضمن "رباعي العود"، مشيراً إلى خصوصية مشاركته، يقول: «هي تجربة موسيقية فريدة من نوعها، من خلال تقديمها لآلة "العود" بأسلوب عمل جماعي، مبني على دراسة علمية وأكاديمية تراعي خصوصية الآلة من حيث طبيعة الصوت، وأسلوب الأداء والمجال الصوتي للآلة، ولكن تقدم الآلة من خلال عمل جماعي لأربع آلات "عود" تختلف بالطلقة والمساحة الصوتية وتنسجم فيما بينها بناء على قواعد الكتابة الموسيقية والهارموني والتوزيع الموسيقي، وأرى أن التجربة مهمة جداً ولها خصوصية كونها تضم زملاء خريجين ومن رفاق الدراسة في "المعهد العالي للموسيقا"، وبإشراف الأستاذ "محمد عثمان" أستاذ آلة العود في المعهد ومؤسس "رباعي العود"».
وحول مدى الاختلاف الذي تحمله هذه التجربة خاصة أن "العود" آلة فردية، يقول: «يُعرف "العود" بالأداء الفردي أو المرافق للغناء أو الأداء الارتجالي، لكن يقدم "الرباعي" تجربة مختلفة كلياً فـ "العود" هنا قادر أن يعبّر عن أعمال عالمية ويؤدي بعضاً منها بأسلوب أكاديمي، فكل آلة "عود" من الآلات الأربعة تقدم ألحاناً خاصة بها، وتنسجم هذه الألحان فيما بينها لتخرج بنسيج صوتي متآلف».
ويشير إلى أن تشكيل "رباع العود" هو الأول من نوعه في الوطن العربي بشكل عام كونه يقدم آلة "العود" بشكل مدروس وممنهج ومكتوب علمياً، الأمر الذي لا يلغي من شخصية الآلة وإنما يقدمها بأسلوب جديد ويكشف عن ميزات فريدة فيها من حيث الصوت وأسلوب الأداء والإمكانية التعبيرية.
الانسجام بين العازفين
فيما يتعلق بحالة الهارموني والانسجام القائمة بين العازفين الأربعة، يتابع "سليمان المصطفى" حديثه لـ مدونة الموسيقا" قائلاً: «يتحقق الانسجام من خلال الالتزام بقواعد الكتابة الموسيقية وعلم التآلف الصوتي أو الهارموني، والتوزيع المناسب لكل جملة موسيقية ولكل مقطع من العمل الموسيقي وللأساليب التي يقدم بها هذا العمل من حيث الألحان أو الإيقاعات أو أسلوب الأداء. فهناك جانب علمي أو أكاديمي يخلق حالة الانسجام. كما أن هناك جانباً آخراً هو الممارسة والتدريب المستمر والمحاولات المتكررة التي تسمح لكل عازف بأن يفهم طبيعة آلته ودورها والمطلوب منها وطبيعة بقية الآلات وما المطلوب منها. كما لا نغفل العمل الشخصي والانسجام الفكري النفسي بين العازفين، فهو يلعب دوراً هاماً جداً في خلق حالة الهارموني والانسجام بين العازفين بحيث يخرج العمل على شكل حوارية بين أربع آلات كل آلة تعبر عن ذاتها ولكنها بالوقت نفسه تسمع الآلات الأخرى دون أن تطغى عليها أو تلغيها بل، تنسجم معها لتعطي في النهاية لوحة متكاملة الألوان ومنسجمة مع بعضها، مما يعبر عن حالة الحوار بشكل عام بين البشر وبين الثقافات أو بين الحضارات».
وعن المقطوعة الفردية التي قام كل عازف بتأديتها، يؤكد أنها ليست فردية ومستقلة، وإنما عبارة عن مساحة من "سماعي نهواند" لـ "روحي الخماش"، وجاءت في نهاية العمل لتفسح المجال ويسمع الجمهور آلة "العود" بشكلها الكلاسيكي والمألوف له. يقول: «هي ارتجالية ولكن تنسجم مع روح العمل ومبنية على أفكاره الأساسية، أي أنها ارتجالية منظمة وليست عشوائية بشكل تام، وهذا النوع من الأداء يتيح إظهار شخصية كل آلة من الآلات الأربعة وخصوصيتها، وشخصية كل عازف من العازفين وأسلوبه الفردي. أما من حيث البنية فهي هذا الأسلوب من الأداء الذي يعرف بالتقاسيم أو الارتجالات الذي يقوم على الأداء الفردي ويعبّر عن أفكار العازف أو مشاعره كما يستعرض مهاراته وامكانياته التقنية في الأداء على الآلة».