بين الأزقة القديمة تشاهد باباً صغيراً يعلوه لافتة كُتب عليها: "إعادة إحياء العود الدمشقي"، فتتوارد الأسئلة عن زمن صناعة العود وتاريخه؟ وهل يختلف "العود الدمشقي" عن غيره من الأعواد؟

بين الأزقة القديمة تشاهد باباً صغيراً يعلوه لافتة كُتب عليها: "إعادة إحياء العود الدمشقي"، فتتوارد الأسئلة عن زمن صناعة العود وتاريخه؟ وهل يختلف "العود الدمشقي" عن غيره من الأعواد؟.

ندخل من الباب لنبحث عن الأجوبة، فنجد ورشة مليئة بالأخشاب المقوسة والمستقيمة والعديد من آلات العود الجاهزة وأخرى لا تزال قيد الإنجاز، وفي إحدى الزوايا آلات عود مُجمّعة تحتاج للإصلاح، لتكون كلمات "بشار جودت الحلبي" صاحب الورشة لـ"مدونة موسيقا" إجابةً عن تساؤلاتنا كلّها:

بشار جودت الحلبي

«تختلف صناعة العود من مكان إلى آخر، فهناك العود المصري، والعود التركي، والعراقي، حتى ضمن سورية هناك العود الحلبي والدمشقي، ويظهر الاختلاف بطريقة تجميع أجزاء آلة العود حيث يخلف صوت العود وفقاً لشكله ونوعية خشبه، لكن يعتبر العود الشرقي الدمشقي أهم الأنواع والأكثر شهرة بينها حيث يتم تدريس هذه الآلة في المعاهد الأوروبية العالمية».

ويتابع "الحلبي" الحديث عن تاريخ العود الدمشقي:

تجميع العود

«بحسب بحثي والتوثيقات التي تأكدت منها فإن عام 1880م هو مولد العود الشرقي الدمشقي عندما قام الصانع "عبده نحات" وبعد الكثير من المحاولات والجهد الدؤوب أصبح عود "عبده نحات" من أهم الأعواد التي تدرس في جميع المعاهد المحلية وحتى الأوروبية، كما أن جميع التطويرات التي جاءت بعده والتي حاولت إضفاء شيء جديد على هذه الآلة كانت تتجه نحو القولبة، وكثرة الإنتاج، والتجارية أكثر من التطوير بحدّ ذاته، لكن لا يمكن إنكار وجود آلات عود ترجع إلى قبل هذا التاريخ حيث قام والدي ومن بعده أنا بإجراء تصليحات للكثير من آلات العود التي يعود تاريخها إلى ما قبل الثمانينيات من القرن التاسع عشر».

وتختلف نوعية الخشاب التي يصنع منها العود الدمشقي عن غيرها من الأعواد، حيث أن نوع الخشب المستخدم وطريقة جمع أجزاء العود تؤثر وبشكل كبير على الصوت الصادر عنه، يقول "الحلبي": «يمكن صناعة آلة العود من أي نوع خشب، ولكن يتميز العود الدمشقي بخشباته الدمشقية القادمة من غوطة دمشق، وتعدّ أخشاب الجوز والمشمش والسرو من أهم الأنواع التي يصنع منها ضهر آلة العود، أما صدر العود يصنع من خشب معين من فصيلة الصنوبريات، ويكون الاهتمام الأكبر بصدر العود كونه المسؤول عن الصوت الحقيقي، ويتميز بشكله غير الهندسي بحيث لا يمكن تحديد قاعدة له، وهذا الذي كان يميز بين الصناع، فكل صانع عود له طريقة في هندسة العود، فيما أوتار العود كانت تصنع من مصران الخروف، أو كان يتم استيراد الأوتار من ألمانيا والنمسا وايطاليا، حيث كان هناك معامل لصناعة الأوتار للآلات الوترية الغربية، لكن أوتار العور كان لها مقاسات وأقطار مخصصة حتى تعطي نوعية جيدة من صوت العلامات الشرقية».

يتابع الحلبي لـ"مدونة موسيقا": «ولأن المواد الطبيعية كانت تتآكل مع الزمن تم الاعتماد على مادة النايلون في صناعة الأوتار الذي أعطى 60 – 70 % من الصوت الأصلي، أما بالنسبة للغِراء المستخدم لتجميع العود فهو الغِراء الأحمر المصنوع من جلود الحيوانات ويتم تسخينه على بخار الماء حتى نستطيع استخدامه، ويتميز هذا النوع بعد أن يجفّ يشابه الزجاج فيعطي ارتداداً للصوت أفضل، بينما الغراء البترولي المستخدم حالياً فهو ذي طبيعة مطاطية لذلك فإن ارتداد الصوت عنه يكون أقل بكثير، وبالنسبة للمرحلة الأخيرة وهي مرحلة اللون فالاعتماد على لون الخشب الطبيعي هو الأفضل، ويمكن استخدام مادة تظهر اللون تسمى "الكمليكا"، ويتم تلوين العود كاملاً ما عدا صدر العود حتى لا يتأثر الصوت الصادر منه، ولأن هذه المادة تتأثر بعَرَقِ الإنسان فالكثير من الأفراد يفضلون المواد البترولية "اللكر" لأنه مادة بترولية ولا تتأثر بالعوامل الخارجية».

يعمل "بشار جودت الحلبي" حالياً على مشروع "إعادة إحياء العود الدمشقي" الذي يكثر عليه الطلب من خارج البلاد، فالقدرة الشرائية لا تسمح باقتناء العود الدمشقي الأصلي، لذا يتجه الكثير من الأشخاص إلى شراء العود التجاري الذي يعطي صوت العود الدمشقي لكن ليس بجودة الأصل.

يذكر أن الكثير من صناع الآلة اتجهوا إلى الصناعة التجارية نظراً للإقبال الكثير من مختلف الأعمار نحو تعلم العزف على آلة العود.