يُؤمن المايسترو "نزيه أسعد" بأن الموسيقا الشرقيّة تُضاهي نظيرتها الكلاسيكيّة إذا تمّ نشرها وتسويقها بشكلٍ صحيح

يُؤمن المايسترو "نزيه أسعد" بأن الموسيقا الشرقيّة تُضاهي نظيرتها الكلاسيكيّة إذا تمّ نشرها وتسويقها بشكلٍ صحيح

لذا لا يبدو هاجسه بجعلها "عالميّة" أمراً مستحيلاً فيما لو اشتغل عليه جيلٌ كامل من أكاديميين ومثقفين وباحثين يشاركونه الرغبة ذاتها.

المايسترو نزيه أسعد

حماس لم يفارقه منذ عهِدَ إليه الراحل "صلحي الوادي" بتدريس مادة "نظريات الموسيقا الشرقيّة" في المعهد العالي للموسيقا، التزامٌ أخلاقي ومهني أخلصَ له ولا زال رغم تشّعب مشاريعه وأعماله الموسيقيّة، بدءاً من قيادة وتدريب مجموعةٍ من الفرق مثل "أوركسترا الموسيقا الشرقيّة، كورال الفرقة الوطنية للموسيقا العربيّة، فرقة أميّة، فرقة نهاوند، فرقة شباب سوريّة، فرقة روح للموسيقا الصوفيّة والروحيّة"، إلى جانب تأليف الموسيقا التصويريّة لعدد من الأعمال التلفزيونيّة الدراميّة والوثائقيّة مثل "الجمر والجمار، حكاية أمّ، بداية وحضارة، فيلم الأمانة، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق".

في رصيده أيضاً مؤلفاتٌ لبعض الأعمال المسرحية الغنائية وأعمال الفنون الشعبية لفرق "آرام، جلنار، أجيال، المهرة، الرقة للفنون الشعبيّة".

المايسترو نزيه أسعد

وزّع أسعد أغانٍ لعديد من المطربين ولحّن العديد من الأغاني لصالح الإذاعة والتلفزيون السوري

وهو ضيف متردد على برامج موسيقيّة عديدة مثل "تاريخ ومقام، أصوات منسيّة، صولو، في رحاب المقام"، قدّم البرنامج الموسيقي "سماعي اوغاريت"،

يُقدّم ويُعد حالياً برنامج "صندوق النغم" على هواء إذاعة دمشق إضافة إلى مهامه كرئيس لمكتب الثقافة والإعلام في نقابة الفنانين.

عن أعماله الأخيرة ورأيه في عدد من القضايا، التقت "مدونة موسيقا" المايسترو "نزيه أسعد"، وكان هذا الحوار:

• أنت من القلائل الذين أخلصوا للأغنية الوطنيّة، كيف تصف تجربتك في عوالمها وماذا عن جديدك؟

** الأغنيّة الوطنيّة حالة إيمانٍ داخلي قبل كل شيء، تتميّز بقدرتها التأثير على شريحة واسعة من الجمهور، وهو ما لا تتمتع به أنواع أخرى. تجربتي فيها قديمة تحديداً مع انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1988، كنت طالباً وقتها في الثانويّة حين لّحنت أغنيات بالعربيّة الفصحى والعاميّة، ثم انتسبتُ إلى فرق وطنيّة منها "فرقة العاشقين الفلسطينيّة"،

وشكّلتُ فرقاً للغناء الملتزم، أيضاً لحّنت الكثير من الأناشيد والأعمال الوطنيّة خلال مشواري الموسيقي مثل "شمس الأحرار، أصواتهم، جولاننا وجداننا، ملحمة ترابك ذهب". أما عن الجديد، فهما عملان موسيقيان شاركتُ بهما مؤخراً تلحيناً وتوزيعاً "بيان الأمة" للشاعر أحمد الدخيل و"القدس أقرب" للشاعرة أحلام بناوي.

• هل يرتبط نجاح الأغنية الوطنيّة باللحن الحماسي الصاخب؟

** إطلاقاً، الفكرة ترتبط بالحسّ الوطني، قدمتُ أغنياتٍ هادئة بآلة أو اثنتين، من دون الطبول والآلات النفخيّة. وفي ذاكرتنا نماذج جميلة جداً منها مثلاً "مارسيل خليفة" صاحب أغنيات وطنيّة جميلة بمرافقة العود، كذلك غنّت "أميمة خليل" "عصفور طل من الشباك"، ولا ننس فيروز حين تقول "في قهوة عالمفرق" وصولاً إلى "ما في غيرك يا وطني".

• ومع هذا فضّل عددٌ كبير من الموسيقيين السوريين اللحنَ القوي؟

** لكلٍّ أسبابه ووجهة نظره، لكن ربما يستند هؤلاء إلى واحدة من مهام هذه الأغنيات وهي "شحذ الهمم" لذلك يلجؤون إلى لحن قوي يُؤثر بشكل مباشر، عدا عن أن كثيراً مما قُدّم كان ردة فعل سريعة تجاه حدثٍ ما لهذا ظهرت القوة اللحنيّة، مع الإشارة إلى أن المفردات الجزلة القوية من شأنها أن تُقيّد الملحن أيضاً.

• في الدراما شاركتَ في مسلسل "شارع شيكاغو"... ما رأيك بما سمعناه هذا العام؟

** هذه المشاركة أخذت مني جهداً ووقتاً لكني سُعدت بها كثيراً، عملت مع الفنانتين أمل عرفة وسلاف فواخرجي، وهما مغنيتان في العمل. قمتُ بالإعداد والتوزيع والتسجيل بأصواتهن. في العموم، اتجهَ كثيرٌ من الموسيقيين نحو الأعمال المغناة في شارات المسلسلات، ربما لأن الجمهور ينجذب للكلمة، وبعضهم استعان بمطربين من خارج سوريّة، ولا أعرف السبب! لكن لدينا أصواتٌ جميلة جداً مع احترامي للجميع. في "شارع شيكاغو" تحديداً لفتتني الموسيقا التصويريّة للعمل ككل، وهي من تأليف الفنان سعد الحسيني، من دون كلمات لكنها معبّرة عن الأحداث.

• هل يمكن للموسيقا التصويريّة أو لشارة مسلسل أن تحظى بالإعجاب والانتباه بغض النظر عن العمل الدرامي؟

** هذا يعود إلى ذكاء الملحن والمؤلف وكيفية التسويق، في رمضان مثلاً ستتكرر الشارة لمدة ثلاثين يوماً في البيوت، ومن ثم ستُعاد بعض الأعمال عدة مرات، هذا يساهم في انتشارها، خلال السنوات الأخيرة ظهرت أعمال تُحترم وتُقدّر، أثبتت حضورها بغض النظر عن العمل الدرامي.

• كنتَ جزءاً من برنامجين للمواهب "أصوات" و"Syrian Talents"، كيف تقيّم التجربة السوريّة في هذا المجال؟

** شاركت في برنامج "أصوات" على قناة "سورية دراما" كرئيس فرقة موسيقيّة ومدرّب، وفي "Syrian talents" على قناة "سما" كنت عضواً في لجنة التحكيم الأولى إضافة إلى تدريب المتسابقين وقيادة الفرقة، وفي الحقيقة التجربة مهمة في الحالتين. في الثانية منهما توقّعنا عقبات ومطبات، لا سيما من الناحية المادية، لأن هذه النوعيّة من البرامج تتطلب تكاليف إنتاجية كبيرة، ما حصل أيضاً أن البعض كان منسجماً في البداية لكنه تراخى خلال فترة البرنامج الطويلة، وكما هو معروف هذه البرامج تحتاج نفساً طويلاً وجماعياً لكن "Syrian talents" قدّم حالة جديدة محلياً، وساهم في إظهار مواهب مدفونة لشباب وأطفال تحتاج رعاية واهتماماً وأفقاً مادياً. من جهة أخرى، تمنيت وجود حالة نقد بنّاءة من دون تجريح أو إساءة، والبعض أساء لنا فعلاً وطالبَنا بعدم التجريب وبأننا لسنا أهلاً لهذه البرامج، علماً أنني انتقدتُ ما قُدِّم لألفت النظر إلى الثغرات ولتجاوز الأخطاء. حالياً نسعى بالتعاون مع وزارة الثقافة لدعم المواهب المتميزة عبر حفلات في عدة محافظات.

• ما رأيك بما يُقدم بداعي "تجديد التراث" إلى أي درجة يحترم موروثنا الموسيقي وما هي بالمقابل المساحة التي يُمكن التجديد فيها؟

** نحن مع إحياء كل ما هو منسي أو معرض للنسيان والضياع لكن هذا يختلف عن التحريف، يجب أن نلتزم بالمقام واللحن والحرف بحيث نتناول القطعة التراثية كما لُحنت ورُدِدت لا كيف نريد توزيعها بأسلوب كلاسيكي أو غربي فقط لأننا نعزف أو نمتلك آلات غربية!.

• ربما لم تتوفر لهؤلاء دراسة أكاديميّة موسيقيّة أو أنهم يبحثون عن المرغوب "الماشي" في هذه المرحلة؟

** الحالة الثانية هي السائدة صراحة، فكل موسيقي يدخل تجربة أو مشروعاً لا يمكن أن يكون لديه جهلٌ بالمقامات الموسيقيّة الشرقيّة ويعرف تماماً ما أعنيه، وإذا لم يكن يعرف فبإمكانه استشارة من يعرفون. لدينا فرقٌ جميلة وأصوات وإمكانات لكن يجب تناول التراث كما هو مع تزيينات هارمونية مناسبة، لا مُشوِّهة، اللحن هو البطل الرئيسي دون المساس بأية جملة موسيقيّة أصليّة مع إمكانية الاستعانة بمرافقة موسيقيّة حديثة، من هنا أنا راضٍ عن المحاولة والتجربة لكنني لست راضياً عن تحريف اللحن.

• عندما يحصل التشويه أو التلاعب فعلى من تقع المسؤوليّة، ألا يُفترض وجود جهة تحمي تراثنا؟

** هذا يتعلق بالجهة المنتجة، ففي حال كانت رسميّة فهناك موسيقيون ولجان خبيرة مختصة وباحثون في التراث يعرفون مصداقيّة اللحن والكلمات، لكن إذا كانت جهات خاصة فلا أحد يستطيع منع التصوير والتسويق. اللافتُ في قضية تجديد التراث أن البعض حاول التواصل بشكل خاص مع عدة فرق جديدة للتنبيه إلى أخطاء حاصلة في لهجة ولحن منطقته مُنطلقاً من إحساس ومسؤولية شخصيين.

• ارتبط اسمك بقيادة الفرق الموسيقيّة، ما الذي قدمه العمل الجماعي لك؟

** الأمر يشبه قيادة طائرة، يجب أن ألحظ كل تفصيل، في تجربتي كان العمل الجماعي هاجسي لأنه نتاجٌ تتضافر فيه جهود الجميع وإمكانياتهم، قدمتُ في بداية مشواري عزفاً على العود وغناء منفرداً لقصيدة "قارئة الفنجان" على مسرح مكتبة الأسد، كانت تلك تجربة يتيمة، شعرت أن العمل الجماعي أهم وأجمل، لذلك حين أقرأ الكلمات أُقدِّم اقتراحاً للحن وأعرضه على مصمم الحركة والمخرج والراقصين، يهمني أن أسمع كل الآراء لأعرف مدى إحساسهم وتفاعلهم مع الجملة الموسيقيّة.

• تتحدث اليوم عن مسرحٍ غنائي سوري، إلى ماذا يحتاج هذا المشروع؟

** يحتاج قراراً واتفاقاً بين مجموعة أطراف إضافة إلى الإيمان والرغبة في الإنجاز. كل ما يُقدّم ضمن المسرح الراقص مع فرق الفنون الشعبية والاستعراضية في افتتاح المهرجانات والمناسبات المنوّعة ينحصر في "اسكتشات" ولوحات متتالية يربط بينها راوٍ أو ممثل، لكن ما أتحدثُ عنه هو مسرح غنائي حقيقي، فكرة يتم تمثيلها مع الغناء والرقص كمسلسلٍ على المسرح، مشروعٌ وحلمٌ سأعمل ليصبح حقيقة.