التنوع المميز لأبناء الجزيرة السورية، وتعدد أطيافها وأديانها، أضفى جمالاً وبهاء على كل مناحي الحياة في الجزيرة، ليكون للفن والموسيقا خاصة حصة كبيرة وجميلة، لم يجد فنانو الجزيرة التصدي لابتكارات آلات موسيقية باتت إرثاً موسيقياً عظيما مع مرور الزمن والسنين، فقد تبين مدى قيمتها وأهميتها، وتم إحياء عديد الحفلات والمناسبات من خلال تلك الآلات الموسيقية، التي أنتجتها اليد الريفية البسيطة في مناطق الجزيرة السورية

التنوع المميز لأبناء الجزيرة السورية، وتعدد أطيافها وأديانها، أضفى جمالاً وبهاء على كل مناحي الحياة في الجزيرة، ليكون للفن والموسيقا خاصة حصة كبيرة وجميلة، لم يجد فنانو الجزيرة التصدي لابتكارات آلات موسيقية باتت إرثاً موسيقياً عظيما مع مرور الزمن والسنين، فقد تبين مدى قيمتها وأهميتها،

وتم إحياء عديد الحفلات والمناسبات من خلال تلك الآلات الموسيقية، التي أنتجتها اليد الريفية البسيطة في مناطق الجزيرة السورية،

1- دحام السلطان (1)

منها آلة الربابة للفنان الكبير "سعد الحرباوي"

التراث الموسيقي للجزيرة السورية عمره بعمر المنطقة، تناقلتها أجيال بعد أجيال، قدمت أسماء فنية وموسيقية على مستوى القطر وأبعد من ذلك، نافست أسماء عربية في مجال الموسيقا خاصة الدول العربية المجاورة لبلدنا، أشاد بها تلك الأسماء العربية، وأنجزوا معاً حفلات موسيقية، كما الحال مع الاسم الفني الكبير لابن محافظة الحسكة الفنان "سعد الحرباوي، سعيد يوسف، سعيد كاباري، وغيرهم" وصلت أغانيهم وعزفهم على الألات التراثية المختلفة إلى عديد الدول العربية، ووصلت إلى السوريين المغتربين في أوربا لتكون أنيساً لهم.

في الستينات أشتهر بعض الفنانين والذين أبدعوا في العزف والغناء على مستوى المنطقة أبرزهم سعد الحرباوي بالحسكة وابراهيم الاخرس وصالح الهتيم من الرقة، ومن الحسكة أيضا سلامة الوافي ومن الأكراد محمد شيخو وسعيد كاباري وسعيد يوسف.

بالنسبة للتراث الفني على ضفاف الفرات "الرقة، دير الزور"، وريفهما كانت تشتهر قديما ب"المولية" (المولية الديرية هي نمط من أنماط الغناء الفراتي الديري القديم والفراتي) ولا يزال حتى تاريخه يحرص فنانوها على غناء المولية.

"طبعاً شكّل التنوع الطبيعي والديموغرافي والحالة الاقتصادية والثقافية الفطرية لمحافظة الحسكة أنماطاً سلوكية ارتبطت بتعايشهم ومعيشتهم اليومية، نتيجة لوجودها امتداد رقعة جغرافية، شكلت أرضية فنية خصبة للمحافظة الممتدة سهولها وأريافها وبواديها بين دولتين مجاورتين لها" هذا ما قاله الكاتب والباحث "دحام السلطان".

وأضاف: "من خلال وجود التراث الفني الماردنلي "الميردلي أو الماردللي" نسبة إلى ماردين التي تشكل الامتداد الطبيعي للمحافظة من الجهة الشمالية، إضافة إلى التراث الفراتي الممتد انسيابياً عبر سورية والعراق بمختلف ألوانه الخصبة والمتنوعة "العربية، الآشورية، الكلدانية" وسواها وبوجود الألوان الفلكلورية التقليدية المتواجدة بالمحافظة منذ الأزل كالسريانية وليدة الآرامية والعربية والكردية والشركسية وألوانها الشيشانية والداغستانية والأباضية إضافة إلى الأرمينية وسواها".

وفق ذلك السياق فإن التراث اللوني الموسيقي لم يقف عند حد معين ولم يختزله أحد كحالة احتكار من حالات احتكار الحدود اللونية البشرية عند أبناء المنطقة -حسب دحام السلطان- بل كان مشاعاً لدى جميع أبنائها على مختلف ألوانهم ومشاربهم ونمطية سلوكياتهم، فأهازيج الفرح، ونوح المآتم، وأغاني الحصاد لم تكن بمنأى لمكون اجتماعي عن الآخر، بل كانت بمتناول يد الجميع وضمن إطار الإرادة ومشيئة التعايش الموحد لدى أبناء المنطقة، وربما ينبطبق هذا أيضاً على الحالة اللحنية لـ"هوسة" الحماسة و"الفزعة" والترانيم والتراتيل الروحية، التي تنبني كلها على الموروث الشعبي القديم غير معلوم الزمن والوثيقة التأريخية! والذي وصل إلينا بالتواتر والتتابع وبرسم تناقله جيلاً بعد جيل حتى وصل إلينا.

في عصرنا الراهن، فقد تلاشى هذا الموروث الشعبي الموسيقي الذي عزفته الرباب أو الربابة (هذه الآلة الوترية خالية من التعقيد رفيقة ابن الصحراء في حله وترحاله، فقد حملها معه وهو يقطع تلك المسافات يعزف عليها أينما جلس وسار، تكون خير رفيق له)، والناي (آلة موسيقية شرقية هوائية تستخدم في التخت الموسيقي الشرقي من الآلات الأساسية في الموسيقى العربية. يصنع من نبات القصب البري) والمجوز (آلة موسيقية تقليدية تعني "مزدوج" قصيرة تتكون من جهتين ومن خيزران القصب)، وقرعته الطبول (الطبل الة موسيقية إيقاعية عالمية وقديمة العهد)، وغنته الشفاه، فاقتصر حضوره وظهوره في المناسبات الفلكلورية والمهرجانات التراثية فقط من خلال الفرق الفنية الشعبية التي لم تتوفق كلها في إبراز وإظهار هذا التراث الموسيقي بالشكل المنشود والمطلوب لنا كأبناء منطقة، لظروف ربما ترتبط بالعولمة الثقافية والفنية الموسيقية التي تمكنت من اختراف هذا الموروث والتمكن من تبديده، ولابتعادنا عنه نحن تدريجياً ولهثنا نحو الحداثة وصخبها اليوم؟

يتفق معظم باحثي وفناني الجزيرة السورية على عراقة منطقتهم وغناها بالألوان الموسيقية، يملكون تاريخاً عريقا في ذلك المجال، تمازج ألوان أبنائها أضفى عليها ذلك الغنى والعراقة، هذا ما القه الباحث الكردي "عمر إسماعيل": "تملك الجزيرة وعلى مدار السنين الطويلة صفحات مشرقة وكبيرة من الفنانين الموسيقيين الذين أبدعوا في الغناء والعزف معاً، هذه ميزة ساهمت بتطور الموسيقا والفن عامة لمنطقتنا، الأهم أن تلك الأسماء المهمة والقوية في عالم الفن كانت تجيد بالإضافة إلى العزف والغناء، تملك إبداع صناعة بعض الآلات التي عمرها بعمر المنطقة، مثل صناعة العود والبزق والربابة، وكثير من الفنانين يمتلك موهبة العزف والغناء بأكثر من لغة من لغات المنطقة، وهذا سر من أسرار نجاح وتميز فنانينا، فالحرباوي سعد مبدع بالغناء وبعدة لغات أبناء منطقته، ومنهم روني جزراوي أيضا يغني بأكثر من لغة، وأسماء أخرى، ومشاركة كل اطياف المنطقة بكردها وعربها وسريانها وأرمنها في الحفلات والمناسبات معا، يتطلب منهم تنوع العزف والغناء، مما أعطى جمالا مضاعفاً لكل لون موسيقي وفني".