لاشك أن شخصية الفنان ترتقي بخوضه تجربة البحث والتوثيق لتراث بيئة عاش في كنفها وتربى على ترابها، تعلم فيها وعلّم العديد من أبنائها، وهو ما يتمثل بالموسيقي والملحن "أمين مرشاق" في مدينة "النبك"، حيث ساهم في خلق علاقة ثقافية بين التراث والمعاصرة الحديثة باستمرار غنائه له وتطوير بعض أغصان من أغاني التراث بطريقة موسيقية تتضمن التجديد.
(مادة من أرشيف مدونة وطن eyria2011(
ذاك الشاب الموسيقي "أمين مرشاق" المولود في مدينته "النبك" في اليوم الثامن من شهر آذار عام 1963، والذي فقد بصره لكن بصيرته تعلقت بالتراث حتى إذا بدأ شبابه يُظهر عنفوانه آثار هبوب الشعر المحكي أو الشعبي، أو الزجلي لديه، الذي ورثه عن والده شاعر القلمون الأول "أبو داوود جرجس مرشاق" حيث تحدث لموقع eSyria قائلاً: «نشأت في بيت يعشق التراث الشعبي ويحبه، وأقول الشعر منذ صغري لتأثري بوالدي، وقد حاولت أن أتخذ من تراثنا نقطة انطلاق في تطوير مضمونه الموسيقي بعد أن درست الموسيقا عام 1981 ولغاية 1987 على يد الأستاذين "ميشيل عوض، وعدنان أيلوش"، وأصبحت قادراً على التفريق والتمييز بين الألحان الخفيفة والثقيلة وتعلمت أصول الإيقاعات، ليكون الميل الأول من مشروعي الثقافي الموسيقي في الأعراس والمناسبات الاجتماعية، والتي تعلمت منها أغانٍ تراثية كثيرة من شأنها أن تكون مادة بحث في تدوينها وتوثيقها، الأمر الذي دفع بي للحديث مع الدكتور "محمد ظافر سعيد" وهو مهتم بالتراث لجمعه وتدوينه وحفظه في المركز الثقافي العربي بالنبك، وأعددنا خطة عمل تم خلالها جمع 73 أغنية، تلك الأغاني قمنا بتحليلها لأن كل أغنية تغنى بلحن مختلف عن لحنها الأصلي، فهي تغنى في لبنان بطريقة وبفلسطين وبالأردن والعراق، وفي سورية وكل منها لها لهجتها وطريقة لحنها وأدائها، حتى نتيجة الاحتكاك، خرجنا بألحان مستقلة لنا مثل "أبو الزلف" الذي طورت شخصياً بعض أغصان الأغنية وليس اللحن الأصلي، إذ تقدم "أبو الزلف" في "النبك" بحركة وإيقاع ومقام "السيكا" بينما في "حلب" على مقام "العجم" وفي فلسطين على "البيات".
لابد لمن درس علماً ما أن يساهم في نشره بين أهله ووسطه الاجتماعي، فقد عمل "أمين مرشاق" على إحداث معهد لتعليم الموسيقا بالعزف على آلات موسيقية متعددة، مع الصولفيج الغنائي، وهو يقول: «بعد أن سافرت لحوالي عامين إلى دول عديدة منها "البرازيل والأرجنتين وهولندا والجزائر"، لأقدم معزوفات وأغانٍ تراثية عربية للجالية العربية، وكانت "تونس" المحطة الاغترابية الأخيرة قبل عودتي إلى بلدي لأنغمس في حياة التدريس الموسيقي لمدة تسع سنوات، بعد إحداث معهد الموسيقا الذي أعتبره مركزاً مهنياً متخصصاً، وعلى أساسه درست الآلات "كمان وإيقاع، وغيتار، وصولفيج غنائي" وتخرج فيه العديد من الشباب».
لحّن "مرشاق" ما يقارب 200 أغنية كتب كلمات بعضها، وتعامل في البقية مع شعراء منهم شقيقه "داوود، والدكتور محمد سالم غزال، وأمير تلة"، وآخرون، وشارك في لحن للفنانة "ردينة صنم" ضمن مهرجان الأغنية السورية عام 1996، حيث قام بتوزيعه "فاهيه ديمرجيان"، كما اتكأ على بعض الأغاني الفلكلورية وقام بتطوير لحنها -على حد اصطلاحه- مثل أغنية "سكابا" المعروفة والتي أضاف على أغصانها لحناً وشعراً مثل:
"طول غيابك يا حلو/ والقلب غيرك ما إلو
تعبت عيونك من السهر/ هيدا القمر روح اسالو
طول غيابك وضنا/ حرمني من نوم الهنا
سلمتك لا الله انا/ بكرة اصطفل منك إلو"
ولكونه شاعراً فقد عمل على إدخال "العتابا" في أغنية "سكابا" وهي على بحر "الوافر".
ولكن هناك مجموعة من الأسئلة تطرح على الباحثين والمبدعين والمطورين والمجددين للتراث، ما الدافع لتطوير أبيات الشعر المغناة على ألحان تراثية، أليس من الأفضل ترك ألحان التراث كما هي كي تبقى بزهوتها ورونقها؟، فكان للأستاذ "أمين" رأي وهو: "إن الأغنية تعيش فينا، وحتى لا تصبح متروكة ومهملة بلحن على رتم واحد، نحاول نحن محبي التراث تجديد كلماتها ولحنها بإدخال الحركة والإيقاع المختلف قليلاً عن اللحن الأم، مع المحافظة على جوهر اللحن كي يبقى مواكباً ويستمر أكثر بين الناس، وإلا بعد مدة زمنية قصيرة سوف يمحى من الذاكرة"
وفي حديثه عن أصالة الأنماط الغنائية في "النبك" يقول: "لكوننا في منطقة وسطى فقد تمازجنا مع الكثير من الثقافات الوافدة ومنها على سبيل المثال "الشروقي" الذي هو من أصل نبطي، غناه الزجالون بطريقتهم فقال أحد شعراء لبنان "أنه صاحب هذا الوزن والبحر، وهو من وضع اللحن له" وهو كلام مبالغ به، فهو من مدينتا "النبك" إضافة إلى مدن أخرى وعمره قديم ولا يحق لأحد أن ينسبه لنفسه بهذه البساطة".