يشكل الشعر العامي مثاراً للجدل وإشكالية بين الباحثين والدارسين في مجال الأدب والنقد، ومنذ نشأته المترافق مع الغناء والحداء أو الأراجيز التي نظمت على بحر الرجز، لم يحدد أصله ومنشأه، وظهوره كان في أواخر القرن الأول للهجرة ومن ألوانه الشروقي والهجيني وغيرهما، وفي الأوزان المعروفة في الشعر الفصيح ثلاثة: الرجز والوافر والسريع.
أَوزَانُ الشُّروقِي
عُرف الشروقي بأنه فن شعري بنوعين، الأول له قافيتان داخلية وخارجية، والثاني يكون مربعاً أو مخمساً أي من أربعة أو خمسة أشطر أو أكثر.
وسمي "الشروقي" نسبة إلى الشرق أي شروقي بمعنى شرقي، أما وزنه فيأتي على بحر الخفيف فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن، وكثيراً ما نجد خروجاً عن هذا الوزن، أكثر ما تتضح في التفعيلة الأولى إذ تأتي مستفعلن بدلاً من فاعلاتن، كما أن فاعلاتن الثانية وهي التفعيلة الثالثة في الشطر، وفي الجزيرة العربية يسمى هذا الوزن "المسحوب" إذا كان وزنه مستفعلن مستفعلن فاعلاتن، وللنوع الأول قافيتان داخلية وخارجية، قابل لألحان متعددة، يتداخل مع لون آخر أطلق عليه اسم "الجوفية" أو "الهوسة"، وهو بدوي غنائي على آلة الربابة.
والنوع الثاني يكون مربعاً يتألف من أربعة أشطر وأربع قوافٍ، تكون الثلاث الأولى متغيرة والرابعة ثابتة تشكل عمود القصيدة، أما المخمس يتكون من خمسة أشطر، تكون القوافي الثلاث الأول متغيرة بينما تبقى الرابعة والخامسة ثابتتين، ولكن القافية الخامسة هنا هي عمود القصيدة وإن الشطر الخامس هو قفلة المقطع الشعري، واستعماله أقل بكثير من النوع الأول وتغلب عليه صفة الشعر المصنوع.
وقد جاء بعد دخول الفنون الزجلية أي إنه تمثل بها من حيث الصنعة وبالتالي فهو نمط محرف للشعر البدوي الشروقي..
ترتبط ألحان "الشروقي" بالمنطقة حيث قدمت كل منطقةٍ من مناطقهِ لوناً لحنياً يتميزُ بها ويتلاءمُ مع بيئتِها الاجتماعيةِ والثقافيةِ.
ويضم أكثر من أحدَ عشرَ لحناً منها: "الزوبعي- الغياثي- العماري- والباسلي" وهو أكثر الألحان تداولاً حالياً في الملمات الشعبية واللقاءات الاجتماعية، الأمرُ الذي لا يمكنهُم من تأديتِهِ مع /الكورال/ لأنه كثيرُ الترجيعِ في الصوتِ والتكرارِ.
للشعرِ الشعبي أنواعٌ كالحداءِ والهجيني والجوفيةِ أو الهوسةِ والسحجة وقصيدِ الفنِ والمطلوعِ وأغاني المواسمِ ومن بحور الشروقي:
الهلالي: نسبة إلى بني هلال، يكتب بعدة طرق إلا أن قافيته واحدة، إما بسكون القافية وإما بمدها. وهذا يكون في القافية وليس في الوزن لأن الوزن واحد وهذا البحر من أصعب بحور الشعر النبطي من ناحية وزنه فليس من السهل ضبط وزنه حتى لو كانت قافيته واحدة، كما يمكن للشاعر هنا أخذ راحته من حيث طول البيت الواحد يستطيع أن يجمع به معلومات وأفكاراً ومعاني نظراً لطوله، أيضاً يمكن للشاعر هنا في الهلالي ربط شطري البيت الأول بقافية واحدة وإهمال البقية في الأشطر الأولى، وبحر الهلالي يمكن غناؤه على الربابة ونعرف إذا كان مستقيماً.
وهذه قصيده على الهلالي لكنها طويلة الأبيات:
يقول الخلاوي حاضر الراي صايبه....... مصاب الحشا ما دهى بادها مصايبه
ومشطون حالن بات يصلا على لظا...... ومغلوف معلـوقن والأكباد ذايبـه
نلاحظ ربط شطري البيت الأول بقافية واحدة وأهمل الأشطر الأولى الباقية.. واعتمد الشاعر هنا على القافية الممدودة باستعمال "الألف، الياء، الباء، الهاء"، كذلك يجوز في الهلالي عدم ربط القافية الأولى بالشطر الأول للبيت الأول مع الثانية، مثال:
يقول جرى وأشرف اليوم مرقب......... طويل الذرا للريح فيه زليل
طويل الذرا تهف الحوايم حوله........ وللحر الأشقر في ذراه مقيل
نلاحظ عدم ربط شطرتي البيت الأول بقافية واحدة، ونشاهد قصراً في أبيات القصيد والسؤال لماذا اختلف هنا؟ لأن الشاعر اختار القافية الساكنة وقافيته "الياء"، "اللام" وهنا الوزن مقارنة مع التي سبقت نلاحظ لو غنت على الهلالي لوجدناها على نفس الوزن حتى بعد وجود الفرق وأقصد طول الأبيات وقصرها في القصيدتين.
الصخري: جاء بعد الهلالي وينسب إلى بني صخر القبيلة المعروفة في بلاد الشام، ويقال صخرياً لأنه "يصخر" للاستماع إليه فهو حزين جداً خاصة على الرباب، ويجوز فيه القصيدة على قافية واحدة بنهاية الشطر الثاني، وعلى قافيتين أو قافية واحدة على عكس الهلالي الذي لا تربط القصيدة بقافيتين مطلقاً ماعدا البيت الأول من القصيدة، وتستمر القصيدة كلها حتى النهاية على قافية واحدة كحرفين أو أكثر وهذه الطريقة لا تجوز أبداً ببقية بحور الشعر النبطي، إذ إن البحور الباقية تربط بقافيتين باستثناء "الصخري" و"الهلالي" ومن القصائد على البحر "الصخري":
ترى جرح الهوى ماهو بياوي........ ولايبرا به بالطب المداوي
يكفيـك الخبر مجنـون ليلـى........ على ماجاه من كبر البلاوي
نلاحظ أن الشاعر بدأ القصيدة بربط شطري البيت الأول بقافية واحدة، هي الألف، والواو، والياء، والبيت الثاني أهمل القافية بالشطر الأول والتزم بها بالشطر الثاني.
المسحوب: هذا البحر هو السائد ومشتق من الهلالي، إلا أن المسحوب طغى حتى على الهلالي فأصبح متداولاً بين الشعراء واكتسبت قصائده شهرةً بين الناس وخاصة في جبل العرب وسهل حوران، وهو مربوط بقافيتين، أي كل شطر له قافية خاصة الأشطر التي بعدها وتكون القوافي غالباً مختلفة بمعنى أنه إذا كانت الأولى ساكنة تكون الثانية متحركة ولا يجوز أبداً أن تكون الشطرتان على نفس القافية مثل:
نفسي تمنيني لرقي السنودي....... مع لابتن توزي نفوسه على الكود
بحرابنا نرعى الحجر والنفودي.... رغمن على الزعلان والخد ممدود
نلاحظ قافيتين مختلفتين، فكل قافية شكل بالإضافة أن قوافي الأشطر الأولى من كل بيت ممدودة بوجود "الياء" بنهاية كل كلمة حتى لو لم تكن الياء أصلية ككلمه "فهودي" أصلها "فهود" جمع فهد بكسر الدال، ولكن أضفنا الياء لاستقامة الوزن ونهاية الشطر الثاني ساكنه "الكود" وضمن الشاعر بذلك انسجام الوزن الشعري، والقوافي لا تكون متشابهه بالشطرتين، لأن القافيتين تكونان على نفس الروي وبتسكين الأول ومد الأخير أو العكس، ولذلك يضاف إلى الممدود حرف المد الساكن عند نهايته الأصلية مثال:
ما يستريح القلب لاصار مشغول...... ولا تنعدل نفسن على فقد أهلها
ولا يشتكي راسن عن الجسم مفصول.... ويمنا تفاخت ما يركب بدلها
نلاحظ أن الشاعر في قصيدته استخدم الشطر الأول قافية " اللام" الساكنة بعد "الواو" والشطر الثاني قافيتها "اللام الممدوده" بإضافة الهاء على الكلمة الأصلية لضمان استقامة الوزن، وانسجام اللحن، والمسحوب يعرف إذا غني مع الرباب لأنه ينسحب الصوت مع سحب قوس الربابة سحب خفيف.
إذاً، بحور الشروقي بإيجاز الهلالي والصخري والمسحوب والهجيني الذي يحتاج إلى بحث مستقل وهناك بحور أخرى مثل الحداء، والعرضة، والسامري، والفنون، والمربوع، والألفيات، والزهيري، والجناس، والقلطة.
والعديد من الشعراء أجادوا فيه أمثال زيد الأطرش وإسماعيل العبد الله ومحمد أبو خير ونعمة العاقل ويوسف أبو صالح، وعيسى عصفور، وعبد الكريم رباح، سلمان حداد وحامد العقباني والعديد من الشعراء.
أما من غنى ألحان الشروقي على آلة الربابة فقد اشتهر على لحن الزوبعي والعماري والغياثي والباسلي شاعر الرباب نواف أبو شهده، ويوسف وهبة، فهد الحسين، عبد الكريم جريرة، محمود القنطار، والأهم سابقا كان ذياب حماد.