تعلّق "صفوان" ابن مدينة "سلقين" الجميلة بحب العزف والغناء مبكراً وهو لم يبلغ العاشرة من عمره، عندما كان يرافق والدته "زبيدة" التي كانت تعزف وتغني من التراث الإدلبي والسلقيني وبشكل عفوي وتلقائي لأهالي بلدتها وضمن حفلاتهم وأعراسهم، إضافة للإنشاد والمدائح والقصائد والموالد.

وما يميز "زبيدة" صوتها الجميل وإجادتها العزف على آلة العود بشكل سماعي لمعظم الأغاني الدارجة بوقتها في حقبة السبعينيات، ومع العزف كانت تغني التراث والموشحات والقدود، كل ذلك أوجد وزرع الأرضية الفنية لطفلها "صفوان"، الذي بدأ يتعرف على طريقة مسك العود والريشة والضرب على أوتاره رويداً رويداً، وكيف بدأت يداه تأخذ مكانها الطبيعي نحو احتضان آلة العود، وتقليد والدته التي كانت تردد كلمات هذه الأغنية من التراث السلقيني ضمن حفلاتها.

وهي تقول:

(بين الجناين وأنا ماشي بين البساتين

صدفتني بنت حلوة جميلة بتميل

قلتلها مالك أي شو إللي جرالك؟

قليلي إللي ظلمك مين؟!)

وكذلك أغنية أخرى تقول:

(هوني يا سمرة هوني

على حمامك عزموني

للفرحة أنت عيوني

ومن قدها لا تحرموني

وكل العالم على حبك حسدوني

وآه ياحلوة.. آه هوني على مهلك هوني)

1- المطرب صفوان قرنفل

وغيرها من الأغاني التراثية التي اختصت بها بلدة "سلقين".

ويقول العازف "صفوان" في حديثه لـ"مدونة الموسيقا": أثناء التحاقي للدراسة بجامعة "حلب" بكلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية، وجدتها فرصة سانحة للاستمرار بتطوير هوايتي الفنية، فمدينة "حلب" مدينة أضواء وعلم وشهرة، وهي كبيرة وعريقة بالفن والطرب، وفيها تنافس كبير، وأذكر عند حضوري أول محاضرة بالجامعة، شاهدت زميلاً لنا بمدرج الكلية كيف كان يجيد الإيقاع والعزف على المقعد وبشكل صحيح من دون نشاز، وهنا امتلكني الخوف والرهبة، فأهل حلب فنانون بالفطرة، وكيف لي أن أثبت أقدامي وسطهم، ومباشرة وبشكل سري التحقت بمعهد "حلب" للموسيقا لتعلم العزف على العود وفق النوتة، ومن حسن حظي كان مدرسي العلّامة الموسيقي الشهير الشيخ "نديم الدرويش" الذي أتقنت العزف على يديه بشكل كامل مع قراءة النوتة.

2- صفوان قرنفل مع ابنته صبا وعازف الناي بكري أبو دان

وشاركت بعدها بالحفلات الجامعية وذاع صيتي وشهرتي بين زملائي كعازف عود، وبعد تخرجي من الجامعة في عام ١٩٨٥ أسست مع مجموعة من الزملاء فرقة موسيقية، وشاركنا بحفلات متتالية بمدينتي "حلب" و"إدلب" أكسبتني مزيداً من الخبرة وأيضاً ضمن المراكز الثقافية والمنتديات، وأصبحت عضواً بفرقة كورال "حلب" الوطني والجمعية المتحدة للفنون و"فرقة الوفاء" الفلسطينية، وعزفت مع المطربين الحلبيين "أحمد خياطة" و"مصطفى وعمر سرميني" وغيرهم، وسافرت بعدها إلى "اليمن" و"البحرين" و"لبنان" للتدريس، وشاركت هناك بحفلات غنائية، وعزفت وغنيت التراث الفني السوري الذي لاقى كل الإعجاب، وبعد عودتي للبلد تمت دعوتي للمشاركة بثلاث حفلات في العاصمة دمشق، واحدة منها كانت بشكل خاص وتكريماً لمسيرة الفنانة "سميرة توفيق"، وعزفت فوق مسرح دار الثقافة بحي "أبو رمانة" وفي "جرمانا".

وعن حبه وتحديداً للعزف على آلة العود قال: «العود له خاصية فريدة عن باقي الالآت الموسيقية وهي فصل الحواس، ومرونة وسرعة التنقل بأصابع اليد، وله إحساس حنون يجذب المستمع إليه، وله القدرة على إخراج وعزف أرباع العلامة وحتى أجزائها، عكس الآلات الغربية، إضافة لكونه آلة موسيقية شرقية من تراثنا الفني، ظهرت في العصور الوسطى، وبرع العرب بالعزف عليه، وأغلب النغمات والألحان العربية الجميلة والشرقية ولكبار الفنانين العرب أمثال "أم كلثوم" و"عبد الحليم" و"عبد الوهاب" و"فريد" و"كارم محمود" وغيرهم عُزفت بشكل بدائي ولحنت قبل ظهورها على آلة العود، ومن هنا بدأت بتعليم ابنتي "صبا" العزف والغناء على آلة العود مع النغمات الموسيقية والمقامات والقدود.

وختم "صفوان" حديثه لـ"مدونة موسيقا" بطموحه الخاص، وهو بالعودة إلى مسقط رأسه مدينة "سلقين" من أجل الغناء والعزف على أطراف ضفافها، إضافة لتأليف كتاب يحوي كل ما غُني من التراث الفني والطربي لهذه المدينة الجميلة، وأخذ وسماع كل الشهادات من الكبار وممن يحفظون تلك المقطوعات والطقطوقات والأغاني القديمة النادرة قبل اندثارها.

شهادة صديق!

عازف الناي "بكري أبو دان" قال: علاقتي الفنية مع "صفوان" طويلة، وتمتد لأكثر من ثلاثين عاماً، وشاركنا مع بعضنا بعدد كبير من الحفلات المحلية وبكافة المناسبات، فهو عازف بارع ومخضرم على العود، ولديه الخفة والرشاقة بالعزف، ويملك خامة صوتية جيدة تساعده على الأداء، ولكن يؤخذ عليه الخجل الزائد وعدم اندماجه في الوسط الفني.

بقي أن نذكر أن العازف "صفوان قرنفل" من مواليد مدينة "سلقين" العائدة لمحافظة "إدلب" وهو مدرس متقاعد لمادة اللغة الإنكليزية، جرى اللقاء والتصوير داخل منزله بحي "المشهد" في "حلب".