تأسس معهد "صلحي الوادي" بمرسوم تشريعي عام 1961 في منطقة "الحلبوني" ثم انتقل لبناء خاص به في منطقة "العفيف" بإدارة الموسيقار "صلحي الوادي" آنذاك.

وللحديث عن تاريخ المعهد التقت "مدونة الموسيقا" الموسيقيّ "بريام سويد" مدير مديرية المعاهد الموسيقية والباليه في وزارة الثقافة والمكلف بإدارة معهد "صلحي الوادي للموسيقا" والذي يقول: «عمِلَ الموسيقار الراحل صلحي الوادي خلال فترة تمتد لأربعين عاماً مديراً لمعهد "صلحي الوادي" وكان عميداً للمعهد العالي للموسيقا عند افتتاحه في عام 1991، وقائداً للفرقة الوطنية للموسيقا السيمفونية حتى مرضه عام 2001، عاصر كل الأجيال التي تخرجت منه بسويّة عالية نتمنى أن يُحافَظُ عليها، فهناك موسيقيون خرّيجون منه أصبحوا على مستوى أوروبا وأميركا والعالم ومنهم: "بسام نشواتي"، "غزوان زركلي" وغيرهم الكثير».

احتِفَالِيَّةٌ مُرتَقَبَةٌ

يوضح الموسيقي "سويد" في تصريح خاص لـ"مدونة الموسيقا" أن احتفالية الذكرى الستين لإنشاء المعهد ستقام في 4 تشرين الثاني 2021 وأنها تتمحور حول الشخص المكان والمكان الشخص، إذ لا نستطيع -حسب اعتقاده- أن نذكر الموسيقار "صلحي الوادي" من دون أن نذكر المعهد أو أن نذكر المعهد من دون الحديث عنه، ومن الصعب أن نعرف نهاية المكان وبداية الشخص والعكس، لأنهما مرتبطان مع بعضهما البعض.

1- معهد صلحي الوادي للموسيقا بدمشق

أَقسَامُ المَعهَدِ

2- طلاب معهد صلحي الوادي للموسيقا بدمشق

من الناحية الهيكلية يتألف المعهد من عدة أقسام هي: قسم البيانو، والآلات الوترية، الغيتار، الآلات العربية، الآلات النفخية الخشبية والنحاسية والإيقاع، ومؤخراً تمّ إحداث مادة العزف الجماعي، وأصبحت أوركسترات أو فرق المعهد تعمل ضمن إطار جماعي، وأصبح هناك غناء أوبرالي وغناء شرقي لكنها ليست أقساماً مستقلة بحد ذاتها.

الرِّسَالَةُ وَآَلِيَّةُ الاِنتِسَابِ

مهمة المعهد -حسب "سويد"- هي نشر الثقافة الموسيقية، يتابع بقوله: «نتوجه إلى الشريحة العمرية من سبع سنوات وحتى الثامنة عشرة، وأصبحنا حالياً تحت ما يسمى معاهد التأهيل الفني التابعة لوزارة الثقافة، وقريباً ستكون هناك معاهد تأهيل مسرحي أسوة بمعاهد التأهيل الموسيقية ومدرسة الباليه التي نأمل أن يتم افتتاح مدارس أخرى في المحافظات.

3- بريام سويد مدير مديرية المعاهد الموسيقية و الباليه

تنقسم الدراسة في المعهد إلى سنة تحضيرية، ثم مرحلة تحضيرية مدتها خمس سنوات والناجح يتنقل للمرحلة المتوسطة ومدتها ثلاث سنوات، والطالب الذي يحصل على معدل عالٍ في المرحلة المتوسطة ينتقل للمستوى المتقدم.

مَعَايِيرُ القُبُولِ

ويُتَابع "سويد" شارحاً: «نستقبل الطلاب وفق امتحان قبول له معايير معينة هي: سماع الطالب المتقدم لإيقاعات موسيقية بسيطة ومركبة وأن يتمكن من تكرارها، وتعتمد على الذاكرة الموسيقية، الإحساس والضبط الإيقاعي، ثم يسمع أصوات موسيقية اثنين، ثلاثة وممكن أربعة إضافةً للإيقاع وممكن يستمع إلى لحن بسيط مؤلف من نوتات ويقوم بغنائها، وبعد قبوله يدرس "الصولفيج" لمدة عام كامل وآلة الريكورد ليستطيع تنفيذ تمرين الصولفيج وفي نهاية هذا العام يخضع الطالب لامتحان تقييمي نتيجته هي التي تقرر الآلات التي يختارها».

4- صورة من أرشيف معهد صلحي الوادي يظهر فيها الأستاذ خضر جنيد يعطي درس صولفيج عام 1962

اختِيَارُ الطَّالِبِ لِلآَلَةِ المُوسِيقِيَّةِ

كل فئة عمرية تتاح لها إمكانية تعلم آلة معينة وحول ذلك يقول "سويد": «يمكن للطالب في سن سبع سنوات اختيار آلة من كل الآلات، وفي سن تسع أوعشر سنوات يضيق الخيار أكثر، وحتى اثني عشر عاماً لا يستقبل طلاباً بعد هذا السن كطلاب سنة أولى بل يتم قبول الطالب وفق الآلات الشرطية، أي يتم القبول في هذه السن على أن تختار إدارة المعهد الآلة له، وبعد عمر اثني عشر عاماً من الصعب أن يقبل الطالب إلا وفق امتحان تحديد مستوى وهذه الامتحانات لا تتوفر سنوياً بل حسب الحاجة حيث فتح باب تحديد المستوى هذا العام بسبب جائحة كورونا العام الماضي».

دِرَاسَةٌ وَمُتَنَفَّسٌ مَعَاً

المتابع للمعهد يجد أنه لا يتبع نظام دورات بل نظام الدراسة فيه فصلي سنوي هذا ما يؤكده "سويد" الذي يرى بأن نظام المعهد مرتبط بالنظام التعليمي المدرسي وبالتالي يحتاج من الطالب إلى التنظيم، الإرادة والصبر.

ويقول: «نعاني من إقبال وضغط شديد للتسجيل خاصةً خلال السنوات الأخيرة لأن الناس أصبحت بحاجة إلى متنفس لأطفالهم ووجدوا في الموسيقا المتنفس المطلوب والمكان المناسب ليظهر الطفل إمكانياته ومواهبه، إضافةً إلى أنها نشاط مفيد يملأ به وقته يمكن البناء عليه للقبول في المعهد العالي للموسيقا حيث يخضع المتقدم له لامتحان قبول والطالب الذي ينهي سنة المتقدم يقبل أوتوماتيكياً في المعهد العالي للموسيقا.

كما أدرك الأهالي خطورةَ وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة المحمولة والألعاب الإلكترونية وضررها الكبير ووجدوا في الموسيقا سبيلاً لإخراج أطفالهم من حالة العزلة والحجر التي عانينا منها خلال جائحة كورونا».

الِمنهَاجُ وَالكَادِرُ التَّدرِيسِيُّ

يبين "سويد" أن المناهج وضعت منذ الستينيات على يد خبراء روس شكلوا خلال فترة طويلة الكادر التدريسي في المعهد، مؤكداً أنه في بعض الأماكن بحاجة لأن نتطور ونطلع على تجارب أخرى.

ويقول: «آلية التفكير بالمناهج هي نفسها مثلاً في امتحان الكمان هناك نقاط محددة ويفترض أن تزيد الاحتمالات بعد مرور هذه الفترة الطويلة وليس بالضرورة أن يحدد مستوى الطالب الحقيقي من خلال احتمالات محدودة، وفقدان الكادر الروسي الذي عمل إلى جانب كادر آخر في معهد "صلحي الوادي" وفي المعهد العالي للموسيقا حتى عام 2012 والذي سافر بسبب الأزمة، جعلنا ندرك ضرورة العمل على تأهيل كادر وطني، حيث أصبح تأهيله حاجة.

رِعَايَةُ المَوَاهِبِ

يعمل المعهد على إظهار المواهب من خلال الحفلات التي يقدمها الطلاب سواء حفلات الصف أو الأقسام وحفلات المعهد، ويقدم المعهد بعض الآلات الموسيقية مجاناً، ويقوم بإعارة الآلات للطلاب وحتى السنة الماضية كانت رسوم الاشتراك فيه رمزية، لكن هذا العام أصبحت خمسة وعشرين ألف ليرة سورية وهو مبلغ أقل من رسم أي دورة في أي معهد خاص، و95% من الكادر التدريسي العامل في المعهد يعمل في المعهد العالي للموسيقا وهو بالكامل كادر وطني مؤهل وعلى درجة عالية من الكفاءة والاحترافية.

مُسَابَقَات دَاعِمَةٌ

بدأت المسابقات منذ عام 2005 و2008، ومؤخراً نظمت مسابقة لليافعين تحت رعاية وزارة الثقافة، وهناك مسابقة "صلحي الوادي الدولية للبيانو" التي حصلنا مؤخراً على موافقة السيدة الوزيرة د. "لبانة مشوح" لإعادة إحيائها في تموز عام 2022، بالإضافة إلى مسابقات أخرى ومشاركات دولية سابقة.

وتعتبر المسابقات مهمة جداً لأنه من الضروري متابعة نتاج معاهد التاهيل الفني في المحافظات، كما أنها تفسح المجال للأطفال للاحكتاك مع بعضهم البعض وتتيح للأساتذة تبادل الخبرات وتمكن الجمهور من الاطلاع على نتاج هذه المعاهد، وخلال الأسابيع القادمة تنطلق مسابقة الفلوت والترومبيت ثم مسابقة الكمان ويعتبر برنامج المسابقات غير سهل على الإطلاق بل هناك مستوى أكاديمي معين مطلوب.

مَوهِبَةٌ فَائِزَةٌ مَحَليَّاً

من المواهب التقينا "ميس خلوف" الفائزة بالمرتبة الأولى في مسابقة وزارة الثقافة الأولى لليافعين في العزف على آلة القانون، تحدثنا عن تجربتها مع المعهد بقولها: «تأثرت بوالدي الذي يعزف آلة العود وبدأت بتعلم الموسيقا في السادسة من العمر مع الموسيقي "حسام المهدي" الذي علمني مبادئ وتفاصيل العزف وفي السابعة انتسبت لمعهد "صلحي الوادي" عام 2015 وبدأت تعلم الصولفيج خلال السنة التحضيرية وتابعت الدراسة فيه واخترت آلة القانون عندما كنت في الثامنة من العمر، وحصلت على المرتبة الأولى خلال السنوات الدراسية الست، ساهم مدرسي المعهد بمساعدتي في عدة مجالات وتطورت موهبتي حتى وصلت إلى هذا المستوى من التفوق والتميز، شاركت في المسابقة وبعد اجتيازي لمراحلها الثلاث حصلت على المرتبة الأولى».

مَوهِبَةٌ فَائِزَةٌ بِمُسَابَقَةٍ عَالَمِيَّةٍ

من أهالي الطلاب التقينا "نادين أسود" والدة الطالب "ميشيل حنوش" الفائز في مسابقة المهرجان الدولي للإبداع الشامل التي أقيمت في "روسيا" عبر الشابكة والتي تقول: «شارك "ميشيل" ذو الرابعة عشر من العمر بتشجيع من الموسيقي "نسيب رضوان" رئيس قسم الوتريات في المعهد وعضو لجنة التحكيم في المسابقة الذي تحمل نفقات الاشتراك وشجعه على المشاركة بكونشرتو الكمان مينور للمؤلف "فيفالدي" ورافقته على البيانو الموسيقية العازفة "سيلفانا الشطة" حيث سجل المقطوعة الموسيقية وتم إرسالها للمسابقة وفاز بالمرتبة الأولى لى مستوى العالم وأشكرهم لأنهم اختاروا ميشيل ليمثل المعهد وبلده في هذه المسابقة».

ظهرت موهبة "ميشيل" الطالب المتميز باكراً، وحسب والدته عندما كان يستمع لموسيقا بيتهوفن وموتزارت كان يتوقف عن البكاء، وفي عمر السنتين انتسب لكورال "سنا" مع المايسترو "حسام الدين بريمو" حيث تمكن من حفظ الأغاني والإصغاء لها وبالاستماع إلى إخوته أثناء عزف الآلات الموسيقية تشكل لديه مخزوناً موسيقياً جيداً.

مَوهِبَةٌ خَاصَّةٌ

وحول أثر انتسابه لمعهد "صلحي الوادي" تتابع والدته قائلةً: «انتسب "ميشيل" للمعهد في الثامنة من العمر قسم الغناء الأوبرالي، ما زاد من مخزونه الموسيقي وجعل أذنه الموسيقية تتطور أكثر وأصبح يحقق نتائج رائعة مع المدرب الموسيقي "فادي عطية" حيث أصبح يغني قطعاً أوبراليةً تكبره سناً ويغني أي أغنية على شكل نوتة بمجرد سماعها، كما تعرف إلى الأستاذ "عماد السمان" وعندما بدأ بالتدرب معه على آلة الكمان التي تعتبر بالنسبة لكفيفي البصر آلة صعبة استطاع أن يوجد توليفة للتواصل معه للتعرف إلى تكنيك الآلة رغم أنه فاقد للبصر، كما حظي باهتمام الموسيقي "مثنى العلي" في المعهد الذي اهتم بموهبته وهو حالياً طالب سنة سادسة في الغناء الأوبرالي وسنة رابعة في قسم الكمان».