بتوليفة متناغمة بين الموسيقا ولغة الجسد، يؤدي محترفو الرقص والباليه قصصاً وحكايات متنوعة، لتشكل دراما راقصة تعتمد على تقنيات الرقص التعبيري والموسيقا والمشاهد المسرحية والإيماءات لتنسج لوحات فنية راقصة.

ارتبط الرقص ارتباطاً وثيقاً بالموسيقا منذ القدم، فاستخدمت الأدوات الإيقاعية في تنظيم حركاته وتقويتها، وبقيت الموسيقا بعنصريها الأساسيين (الإيقاع والنغم) مرافقة له منذ نشأته وحتى يومنا هذا، وعن فن الباليه تحدث لـ"مدونة الموسيقا" "عمار حنا" مدرب الرقص وصاحب مدرسة الرقص الأولى في "سورية"، فقال:

فَنُّ الرَّشَاقَةِ وَالجَمَالِ (البَالِيه)

هو رقص تمثيلي يؤدى على المسرح بأسلوب راقٍ ومعبر، وتصاحبه الأوركسترا ويؤدى على شكل رقص فردي أو ثنائي أو مجموعات تقوم بأداء الحركات سوية وبطريقة متناغمة مع الموسيقا، ليُعبر من خلالها الراقص عن مشاعره ورغباته وتطلعاته عبر لوحات راقصة تتناغم فيها الموسيقا مع لغة الجسد، وخصوصاً أنه فن روحي قبل أن يكون فناً جسدياً، يعتمد على العلاقة بين الروح الإنسانية والموسيقا، وهو في كل الأحوال نوع من حالات التأمل والخيال الذي يقوم على تقنيات الرقص التعبيري الذي ترافقه الموسيقا والإيماء والمشاهد المسرحية.

1- من راقصات مدرسة الباليه

مُوسِيقَا البَالِيه وَالعُرُوضُ الرَّاقِصَةُ

2- عمار حنا مؤسس ومدير مدرسة الرقص الأولى في دمشق

الموسيقا واحدة من أكثر الحالات غموضاً وخفاءً في الوجود، يستحيل عليك أن تقرأها بأسلوب فكري تحليلي لأنها تتجاوز العقل، فلها القدرة على أن تصبح تأملاً، كما لها القدرة أن تتوجه إلى أسفل فتصبح عقلاً، فالموسيقا لا علاقة لها بكيمياء الجسد نفسه، حتى أنها لا تنتمي إلى عالم العقل، إنما هي مساحة موجودة بين العقل والتأمل، فالإنسان لن يكون موسيقياً إلّا إذا فهم صوت الصمت، ومن يفهم صوت الصمت يكون قادراً على خلق أصوات تحاكي صوت الصمت وتشبهه، هكذا يبلغ الراقص نشوة حاله وقمة أدائه للوحاته الراقصة؛ حيث يفتح عالم التأمل أبوابه عبر أعتاب الموسيقا من خلال مقطوعات تناسب اللوحات الراقصة التي يؤديها الراقصون على خشبة المسرح، كما أن لموسيقا الباليه أو العروض الراقصة عناصر يعتمد عليها مصمم الرقصات كالإيقاع الذي يعتبر البداية الحقيقية للموسيقا، وهو نوعان، منتظم ومتغير، فالإيقاع المنتظم اعتاد عليه المستمع أكثر من اعتياده على الإيقاع المتغير، والعنصر الثاني هو الميلودي (اللحن)، فإذا كان الإيقاع متصلاً بالحركة، فإن الميلودي متصل بالشعور أو بفكرة تتولد بالذهن، أما الهارموني فهي وليدة الفكر البشري وابتكاراته، ومن خلال العروض الراقصة يتم تحويل النص أو القصة إلى حركات موسيقية مسرحية تعبر عن المضمون لتصميم الحركات، فالمؤلف في الباليه يقدم لنا نفسه من خلال تقديم حالات يكتبها تباعاً لتشكل بالنهاية نصاً يمكن ترجمته على خشبة المسرح بصيغة خلاصة صوتية معدة عن شخصيته، تلك الشخصية التي ولد عليها من جهة والشخصية الناتجة عن المؤثرات التي يعيش فيها من جهة أخرى، ولنجاح أي عمل راقص (باليه) لابد من تعاون كل من المؤلف والعازف والمشاهد، وهي أركان متعاونة لاستكمال المشهد الفني ونجاح العمل الراقص.

حَرَكَاتُ البَالِيه

تابع "حنا": يعتمد فن الباليه على تقنية دقيقة من خلال الرقصات الرشيقة وخفة الأقدام والحركات، حيث يتم تعليم الأطفال بالبداية على العد مع رتم الموسيقا للتمييز بين الإيقاعات سواء أكانت ثلاثية أم رباعية أم خماسية أم سداسية، وخصوصاً أنه فن يتصل بالأداء الحركي لجسم الإنسان، ومن أهم خصائصه الرقص على رؤوس أصابع القدمين، وتعتمد خطوات الباليه على وضعية الساق والقدم وحركتهما والقفز في الهواء برشاقة بالغة والدوران حول النفس باتزان، لتكتمل بذلك الحركات الانسيابية للجسم، أضف إلى أن الباليه ليس متعة جمالية فقط، وإنما هو أحد الرسائل البدنية لتكوين أجسام مرنة رشيقة اكتسبتها الدراية بخواص الجسم البشري من ناحية التناسق والجمال، فهو يقدم رسالة فنية متعددة العناصر ما بين فن المسرح وفن الحركة التعبيرية لصياغة مادية المجتمع والتفاعل معها بأسلوب درامي راقص.

يؤدي الراقصون عروضهم على الموسيقا الكلاسيكية العالمية من موسيقا الكونشرتات العالمية كبحيرة البجع (تشايكوفسكي)، كسارة البندق (تشايكوفسكي) وغيرها، وقمت بإدخال بعض الأغاني العربية للعروض الراقصة التي صممتها، وكانت أول تجربة لي كانت رقصة باليه السماح على أغنية "يا محلا الفسحة يا عيني"، وأيضاً قدمنا عرض باليه على القدود الحلبية بأغنية "قدك المياس" وأيضاً قدمنا الدبكة السورية بشكل فني راقص.

والجدير بالذكر أن كلمة "الباليه" (Ballet) اشتقت من كلمة Ballare الإيطالية وBallo اللاتينية القديمة وكلتاهما ترجمتهما الرقص، وأصبحت كلمة Ballet الفرنسية الكلمة المستخدمة لهذا الفن منذ القدم وحتى الآن.