يعتبر الهجيني واحداً من بحور الشعر العامي، له أوزانه وإيقاعاته وتنوعه وأغراضه، وهو حالة إبداعية بما تحمل من مقومات الشعر، ذلك لأنها ذات منشأ محلي للثقافة العربية، تتميز بألحانها المتعددة، المرافقة للأوزان والإيقاعات، بشكل يجعل الشاعر يغوص في أعماق التخييل للبحث عن صورة ذات دلالة والمدلول الإبداعي في اللحظة
لاستكمال الوحدة المتكاملة في الشعر، ضمن أغراضه المتعددة وهو شعر بدوي غنائي موسيقي، وجمال تعبيري، يحمل الأسلوبية والجمال والخصوصية في الغناء الموسيقي..
نَشأَةُ وَتَعرِيفُ الهجيني
تعود تسمية الهجيني إلى العوامل البيئية المنسجمة مع إيقاع الحياة، تطلق الأسماء، والألقاب، والكنى.. ضمن شروط بيئتها، منسجمة وإيقاع الحياة، والمنحى الفكري العام، والقيمي السائد، ولا يشت الهجيني عن هذه الشروط، فارتباطه بالبداوة عميق، وصلته بالإبل حميمة، فالهجان من الإبل البيضاء الخالصة اللون، والعتق من نوق هجن وهجائن وهجان، وعلى ألسنة البدو عادت الألف اللينة في هجان إلى ياء لينة، لتضاف بعد ذلك ياء النسبة، ومثل هذا جار كثيراً على ألسنة العرب الميالين إلى سهولة اللفظ، ورشاقته، وجمال وقعه، فكلمة هجن مثلاً تلفظ هِجِنْ أو هجْن حسب موقعها في الكلام، وحسب البيئة التي ترعى هذا اللسان أو ذاك، وهناك من يقلب الجيم ياء فيقول "هين" بدلاً من "هجن" ..
"إن الهجن هي الإبل ويروى أن فن الهجيني أول ما قيل على ظهور الهجن /راكب الإبل/ ليروح عن نفسه ويشعرها بالأنس ويخرج من وحدته في وحشة الصحراء، وهي نوعان قصير وطويل القصير منها مثل:
يا يُمة ما ريد أنا الهجّان يركب ذلوله ويخليني
يرحل وينزل مع العربان ويدوّر المنزل الزيني
أما الطويل مثل:
يا خوارد عا موارد بير زمزم دالعات دراع والمجول شفوفي
ما تتميز به الهجيني سرعة التقاط اللحظة وتدوينها في إبداع شعري منها على سبيل المثال الشاعر سلمان حداد حين رأى فتاة بدوية كانت تملأ قربة من بئر ماء، وقعت من يدها وابتلت بالماء، الأمر الذي جعل ثوبها يلتصق بجسدها ما جعلها تفر هاربة يكتنفها الحياء والخجل، فصورّ بمقدرة إبداعية هذه اللحظة رغم سرعة الحدث التي لا تتجاوز اللحظات بقصيدة:
جفلت تقل جفلة المرعوب جفلة مها الصيد من طوره
واقفت وراها تزم الثوب غطى تماثيل من صوره
حشو الردف والحشا مسلوب نهدٍ من الثوب مقهوره
مكمولةٍ ما بها عذروب لا يا هنو من سبر غوره
ربك كريمٍ علينا يتوب واروي ظما النفس من فوره
أَوزَانُ الهجيني
يشير العديد من الباحثين إلى أن أوزان وبحور الهجيني ثلاثة ارتبطت بقالبها:
- بحر المديد ويأتي عروضه على (فعلان) وهو شاذ وكذلك الضرب مجزوء أبتر (فعلن).. فاعلاتن فاعلن فعلن.
- والرمل: فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن وتأتي الأخيرة على فاعلات أو فاعلن.
- البسيط: مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن.
وآخرون يعتبرون بأن الهجيني الطويل في بحور الشعر العربي يقابل بحر البسيط وتفعيلاته
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن.
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن.
وهو أحد ضروب بحر البسيط المتعدّده..
ضرب آخر من ضروب بحر البسيط تتغيّر فيه التفعيلة الأخيرة لتصبح فعلن:
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن.
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن.
ويقول الشاعر الشعبي "حسن أبو غازي":
يا عل إني مع عديل الروح بي ليلةٍ والخلق نومه
نسهر لياما الصباح يضوح يا سهرةٍ ما بها لومه
وكذلك يقول الشاعر الشعبي "محمد أبو خير" على مجزوء بحر المديد:
يا عيال يا معتلين الخور يا موافقيني على الطيب
يا عيال ريضوا خذولي سطور ولَّم على الكور يا غريب
وعلى بحر الرمل يقول الشاعر "إسماعيل العبد الله":
هيه يلي راكبين على النجايب ريضوا لاما كتابي تاخذونه
وانسفونا لدل من فوق الركايب لازم ..لازم سلامي توصلونه
أما على بحر البسيط يقول الشاعر "يونس أبو خير":
يا ونتي ونة المقصوم من رجله على عشير خفيف الدم مربوعي
راعي الثويب الحمر باللبس لا يجله يشبه لظبي يجوب القاع بارتوعي
من الألحان الغنائية للهجيني:
اختلف معظم الباحثين في هذا المجال على تحديد النمط الغنائي للهجيني، بالاعتماد على البيئة، والعادة، ونمط الحياة، فهناك أكاديميون اعتمدوا على بيئة محلية محددة وتم درسها وفق الجغرافيا المحدودة والمحصورة به، لذا أصحاب هذا الرأي لابد وأنهم يختلفون مع الباحثين في رؤيته لهذا النوع أو الفن الغنائي البدوي "الهجيني" في طرق التعبير والتصوير رغم وحدة الأداء والمساحة الصوتية في المنطقة الخاضعة لإيقاع موحد وألحان متقاربة في بنيتها، خاصة أن الهجيني يعتمد على اللحظة والتعبير والوصف بصورة ودلالة هي الأقرب للدراسة النقدية في مضمونها وبنيتها، إذا دخلنا في التراكيب والمفردات والبناء الفني والوحدة المتكاملة للشعر.
لجمالية غناء الهجيني وقدرته على حمل شتى المضامين ومختلف الموضوعات الحياتية، لدى البدو والريف، فقد أخذت تنوعات هذا الغناء الجميل مسميات أخرى متعددة منها: هجيني المد والجزر وهجيني الفزَّاع، وهجيني النَّطِّي وهناك الهجيني الطويل والهجيني القصير.. وغيرها.
لكن لابد من الإشارة لملاحظة فنية يمكن لبعض المهتمين بالموسيقا أن يتفقوا معي حولها، هي أن إيقاع الهجيني قد استفاد منه الغرب وأخذ عنه إيقاع "الفالس" وهو ألماني الأصل إذ تقوم مقاييسه على الثلاثي وعلى المقياس المركب 8/9 وبعض المقاييس الأخرى، ولكن أكثر المقاييس استخداماً وشيوعاً وانتشاراً لدى الموسيقيين هو الثلاثي البسيط المقتبس من الهجيني" .
بعد الدراسة المقتضبة عن الهجيني كواحد من بحور الشعر العامي والشعور بالأعمال الأدبية التي تستحق الوقوف من خلال التركيب البنيوي لألحان الهجيني بما تميزت من رشاقة وحركة وإيقاع وانسجام مع الواقع، وبحاجة للعودة للتراث المادي واللامادي لتجسيد العلاقة بين الماضي والحاضر والخصوصية والأسلوبية لكل نوع أو لون شعري.
وأكثر الشعراء الذين غنوا هذه الألحان على آلة الرباب نواف أبو شهده، يحيى القنطار، لؤي العقباني.
المراجع:
[1] في الغناء البدوي الهجيني، محمود مفلح البكر، كتاب الرياض، العدد 87 شباط 2001
[2] قراءة في الشعر العامي الشروقي نموذجاً، معين حمد العماطوري، مقال منشور في مجلة التراث الشعبي، العدد 3، وزارة الثقافة، دمشق 2013
[3] من الشعر العامي في جبل العرب، محمد جابر، الطبعة الثانية، دار سمرقند، 2008