للريف في صيفه سهرات وجلسات فرح وسمر، وللزجل في هذه السهرات حصة الأسد، يلتقي شعراؤه ويتقابلون، وينظمون الكلام زجلاً، يترنم على إيقاعه الحضور والسّامعون بما ينطق بلسان حالهم حيث يبلغُ في التعبير.

التَّسمِيَةُ

الزّجل في اللغة العربية التّطريب ورفع الصّوت، وهذا حال شعر الزّجل، ويسمى الشّعر العامي وفق ما جاء في معجم تاج العروس ومعجم لسان العرب عند "ابن منظور"، وفي كتاب (بلوغ الأمل في فن الزّجل) يقول "تقي الدّين أبو بكر بن حجة الحموي" (.. وإنه سمي هذا الفن زجلاً لأنه يلتذ به وتفهم مقاطع أوزانه حتى يغنى به ويصوت) ويقول "صفي الدين الحلي" في كتابه (العاطل الحالي والمرخص الغالي): «وأول ما نظموا الأزجال جعلوها قصائد مقصّودة، وأبياتاً مجردة من عروض العرب بقافية واحدة كالقريض، ولا تغايره بغير اللحن واللفظ العامي، وسموها القصائد الزّجلية».

وبإجماع الباحثين في الزّجل لّقب "أبو بكر محمد بن قزمان" بإمام الزّجالين، وعنه قال "ابن حجة الحموي": (اخترع فناً سماه الزّجل لم يُسبق إليه، وجعل إعرابه لحنه، فامتدت إليه الأيدي، وعقدت الخناصر عليه).

1- سهرة مع الشاعر سامر غزال رئيس جمعية الزجل السورية

المَنشَأُ

2- من سهرات الزجل السورية

قليلة هي الدّراسات التي تناولت الزّجل، والموجود منها مكرر لم يزد الكثير، بعض الباحثين يعود بأصل الزّجل إلى العصر الجاهلي، ومن أشهر الزّجالين الشاعرة "الخنساء"، إلا أن أغلبهم يعيد منشأ الزّجل إلى الأندلس، حيث دخلها العرب وتأقلموا مع مجتمعها واندمجوا فيه، فأخذوا منه وأعطوه، ففي الشعر نجدهم حافظوا على الأصول والثّوابت، وابتكرو نمطاً جديداً منه، له بناؤه الخاص من لغة وإيقاع متميزين، فأضافوا للشعر الموشح والزّجل، فأعجب به أدباء وأمراء وملوك، وأحبه الناس واهتموا به لقربه من تفاصيلٍ في حياتهم وارتباطه بالموسيقا والغناء.

بعد سقوط الحكم الإسلامي في "إسبانيا" حمل المهاجرون منها والقادمون إلى المغرب هذا الشعر الجديد، وانتشر بعد ذلك في لهجات الأقطار العربية الأخرى في المشرق، وأخذ من الرّيف مقراً له في كل من "لبنان" و"سورية" وكذلك "فلسطين" و"الأردن".

إلا أنه ووفقاً لحديث رئيس جمعية شعراء الزّجل السورية الشاعر "سامر غزال" لـ"مدونة الموسيقا" يقول: «هناك أبحاث تعود بالزّجل إلى اللغة السّريانيّة في "سورية" والمار "أفرام" السّرياني نظّم تراتيل للكنيسة بأوزان زجلية».

مَوضُوعَاتُ الزَّجَلِ

ويقول الشاعر "سامر": «الزّجل ابن الرّيف البار المحافظ على بيئته ومفرداته، تجدد وانتشر، غاب وعاد للحضور، وتطور من دون أن يُمس في رونقه وروحه من شيء، وتطرق للعديد من الموضوعات بأدق تفاصيلها وتجول بين كل أغراض الشعر العربي المعروفة، من مدح ووصف وهجاء وفخر ورثاء وشكوى وكذلك الغزل، وضمن طيف ألوان الزّجل التي تنوعت وتعددت ما بين القصيد الطويل، والقصير والقصيد المغنى، والشروقي، والعتابا، والميجانا، والموشح بألوناه، وكذلك الحدا، والمخمس المردود والمجزم، والقرادي. والقصيد الزّجلي ملتزم بقواعد الأبحر الخليليّة إلا ما يقال في الشعر الفصيح من زُحافات لا تقال في الشعر الزّجلي».

الزَّجَلُ فِي سُورِيَة

يتابع رئيس جمعية شعراء الزّجل السورية: «أول جوقة زجل سورية كانت جوقة "الشلال" عام 1965 اجتمعت فيها ثلة من الشعراء منهم "فؤاد حيدر"، "حسن الزرزوري"، "عبدو مرعي"، "علي جمعة" فكسرت خجل حضور الزّجل وعلت منابر شعرائه وكثرت جلساته، كما علت في السّبعينيات منابر لشعراء من "لبنان" قد حضروا بزجلهم مسبقاً بما سجلوه من حفلات لهم على أشرطة التّسجيل، وشاركوا بأعراس سورية وحفلاتها.

لم يكتفِ شعراء الزّجل بلقائهم في الحفلات والأعراس إنما اجتمعوا ليأسسو جمعية تجمعهم في اهتماماتهم وتعنى بشؤونهم المرتبطة بشعرهم الذي يحبون، وأخذوا ترخيصها من وزارة الشّؤون الإجتماعية والعمل وأشهرت في 17/4/1971 لتضم خمسة وعشرين من شعراء الزّجل أمثال "فؤاد حيدر"، "علي جمعة"، "غسان المعري"، "رفعت العاقل"، وعملت على استقطاب الشعراء، ولمهم تحت رايتها، وأخذت بتوسيع نشاطاها وفعالياتها في كل محافظات القطر. وتتابع الجمعية في نشاطها بإقامة المهرجانات كما مهرجان الكفر الثاني للزجل، وكذلك المسابقات والحفلات».

الزَّجَلُ وَشُعَرَاؤهُ

يعتبر الشاعر "بسام ورور" الزّجل من أرقى أنواع الشعر كونه شعراً مغنى، وفي صغره أُخذ بلغته البسيطة المحكية العفويّة والصّور الجماليّة التي يحملها، وأخذ لنفسه مكاناً في نظمه، ويرى التّميز في شاعر الزّجل بما يتفرد به لكونه شاعر المواقف والارتجال، والتّحدي، ويحمّل شعره الزّجلي رسائل كثيرة وكبيرة، وقد سجل شعراء "سورية" الحضور المضيء في ساحات المنافسة ففي برنامج "الأوف" اللبناني كانت لهم المراتب الأولى المتقدمة ولمواسم عدة وبتحكيم شخصيات مرموقة ومشهورة في الزّجل أمثال الدكتورة "كلوديا شمعون أبي نادر" والشاعر "موسى زغيب" وكان الدّف الذّهبي من حصة عدد من الشعراء السوريين ومنهم الشاعر "بسام ورور".

تنوعت الآلات الموسيقية التي ترافق جوقات الزّجل الآن، إلا أن رفقة الدف للزجل بدأت بأول وجود له، وتغنى شعراؤه بهذا الدّف ونحاسته فيقول "الحملاوي" وقد باغتته عاصفة وهو على متن سفينة:

بتتمرج يا أتلنتيك

والحملاوي راكب فيك

إنْ الله وصّلني الشطّ

نأرات الدّف بـ ورجيك.