خمسة عشرة شاباً وشابة، جمعهم عشق التراث السلموني، فشكلوا فرقة صارت شمعة أضاءت بعروضها مسارح مركز ثقافي "سلمية" وريفها، وشاركوا يومها في برنامج صباح سوري للتلفزيون 2019، وقدموا العرس السلموني، وحنة العريس والعروس، وبعض الأغاني التراثية، والحصاد فلاقت إعجاباً كبيراً من الجمهور.
قِصَّةُ البِدَايَةِ
مدربة الفرقة "فريحة خبازي" تحدثت لـ"مدونة الموسيقا" عن بداية تشكيل الفرقة: "بدأت بإمكانات بسيطة من مجموعة هواة للتمثيل والغناء والدبكة؛ دربتهم في بيتي واستعرت الثياب من المركز الثقافي؛ واستعرت آلات موسيقية، مع دعم الباحث التاريخي "غسان قدور" بالنصوص الموثقة، وذاكرة بعض كبار السن في قريتي "المبعوجة"؛ حصلت على أغاني الطقطوقة والهنهونة التي كانت تقدم في الأعراس منذ مئة عام ونيّف ومنها:
(يوم الفرح دق طبولو دبكة.. شلّه شمالية.. وموليا وزلفا ونسوان.. وهناهين السلمونية.. لعين الزرقا وعيد خزام.. نمشور للعيدونية.. اللي حفروا قناة العشاق كرامة لـعين الصبي).
وفي حنة العروس: (ياصدر المشكّل.. شكلتو بيديّا.. شكلتو للعروس.. الغالية عليّا).
أما في حنة العريس تبدأ بالهلهولة (هنهونة) باللهجة السلمونية ثم الغناء:
(حلاق يا حلاق لا تشمّت حدا فينا
خلي الأمارة تفرح بأراضينا
حلاق يا حلاق زيّن شعر هالغالي
خلي دموع تتساقط عخدينا
حلاق يا حلاق لا تجور عليه
جيبوا لو الكضاضة ناصع بياضها
وجيبوا لو عراضة تحنّيلو إيديه).
وفي "طلعة العروس" من بيت أبيها يغنون:
(نخّ الجمل قومي اطلعي يا نايفه
والخيل تعبت والأمارة واقفه)
وفي "وصول العروس" إلى بيت العريس يغنون:
(جينا وجينا وجينا.. جبنا العروس وجينا
كرمال عيون الكحلة.. كل الدنيا تهنينا).
استِرَاحَةٌ قَسرِيَّةٌ وَأَمَلٌ جَدِيدٌ!
وأضافت المدربة "فريحة": توقفنا سنتين بسبب الأزمة التي ألمت بوطني، وجائحة الكورونا ورغم ضعف الإمكانات تابعنا بدعم "رجاء إبراهيم" مديرة مركز ثقافي "المبعوجة"، والآن دعوة مؤسس جمعية قطرة أمل "عصام كحلة" للانضمام للجمعية لدعم الفرقة، وعدنا لنقوم بعمل من احتفالات "السلامنة" بموسم من مواسم الخير والعطاء، وهو الحصاد، وفيه تجسيد للمحبة والألفة وحب العمل الجماعي والطيبة والبركة في العمل.
مَوسِمُ الحَصَادِ وَ(الفَزعَةِ)
عمل جماعي ينقسم فيه أهل القرية لمجموعات بما يسمى "الورشة" بقيادة الشاويش والذي لايعمل، لكنه يوزيع العمل على الحصادين، وعند الإنتهاء من أرض عائلة ما، ينتقل لأرض أخرى ويتشاركوا بكل الأعمال، وبعد إتمام الحصاد يقوم صاحب الأرض بتقديم ما يسمى بـ"الخلاصة" وهي عبارة أرز مطبوخ باللحمة، أو هريسة وهي قمح مقشور يطبخ مع اللحم على الحطب، أو حلويات تسمى "السيّالات" وهي عبارة عن أرغفة خبز تحضر على الصاج وتُدهَنُ بالسمن العربي ويُرشُّ عليها السُّكر، وعند الفراغ من الطعام يعقدون حلقات الدبكة والرقص والغناء.
آَراَءُ بَعضِ أَعضَاءِ الفِرقَةِ
"حسين خبازي" 1991 حقوق سنه أولى، حدث "مدونة الموسيقا": "التحقتُ بالفرقة لسعادة تغمرني وأنا أغني الأغاني التراثية لأنها تعبر عن همومنا ومفرداتها تلامس الروح (هيكالو هيكالو.. العرب هدّوا وشالوا) و(مجروح قلبي من هواكم.. لأقعد عالدرب واستناكم) و(بالله تلف جروحي بشاش.. مطعون ومالي حيل)، بينما الأغاني الحديثة لا تمثل مجتمعنا وبعيدة عنه، وهي منقولة عن المجتمعات الأخرى، جميل أن تحافظ بعض القرى على تراث الأجداد، مثل الهناهين وبعض الأغاني، أنا شخصياً أحب الاحتفال على طريقة أجدادي بعد أن تغيرت طريقة الأفراح في المدينة عنها في القرية".
"رحيم خبازي" 2002 هندسة بترول سنة أولى: "انتسبت للفرقة منذ تأسيسها 2016، لأني أحب نشر تراثنا في المجتمعات الأخرى، والتمثيل ساهم في التغلب على مشكلة خجلي بعد لقاء الجمهور، وأنا أريد الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية؛ وشاركت في مسرحيتي الحصاد والعرس السلموني".
"ندى الحركة" 2001 تمريض سنة ثالثة: "أحب الغناء والتمثيل وخاصة غناء التراث القديم، والفرقة أتاحت لي الفرصة لأمارس هوايتي وأنمّيها وأصقلها، شاركت بأنشطة الفرقة جميعها، وطموحي نشر أغانينا التراثية".
التَّوثِيقُ التَّارِيخِيُّ
الباحث التاريخي "غسان قدور" 1944 عن العرس السلموني: إن العريس يحضّر من قبل رفاقه وأصحابه، بحمام البيت في القرى، وحمام السوق في "سلمية" باللباس العربي أو الإفرنجي، وكل قطعة من لباسه لها أغنية خاصة، ثم حلاقة العريس في البيت ممن يسمى "المزيّن" الذي يحلق له ذقنه بالموس، ورش العطر عليه، وما يتبقى منها يرش على الحاضرين مع أغنية خاصة، وتدفع أجوره بما يسمى "النقطة" من الحضور، ثم يزف العريس إلى موكب العروس القادم إلى بيته من الشباب بالأغاني الحماسية والرقص بالسيوف والأسلحة النارية.
ويتابع قدور حديثه عن تحضير العروس الذي يبدأ قبل يوم، حيث تصطحبها الفتيات إلى حمام السوق في مدينة "سلمية"، وهناك تجري طقوس إلباسها ثياب جديدة مع الأغاني المصاحبة لكل قطعة، وفي الليل سهرة صبايا خاصة مع الحناء وأغانيها والهلاهيل (الهناهين) بالسلمونية، وفي الصباح تقوم (الماشطة) أي المزيّنة بتزيين رأس العروس وطلي وجهها بالمساحيق، ثم تزف لبيت العريس عصراً إذا كانت من حارة لحارة في القرية أو في المدينة وسط أغانٍ متنوعة أمام موكب العروس ورقص بالهباري (شالات ملونة رقيقة) حتى مسافة قريبة من بيت العريس، أما إذا كانت العروس من خارج "سلمية" أو من قرية أخرى فكان الموكب على شكلين: على الجمل وهو الأقدم وتحيط به الخيالة وأهازيج تصاحبه وتنزل العروس ضيفة عند أحد أقارب العريس، والشكل الثاني بالعربات ذات العجلات الخشبية الأربع مع مرافقة الفرسان على الخيل والأهازيج.
أما مضيف العروس، فيجري سهرة صبايا خاصة وتحضر مسرحية (العريبية) حيث تلبس فتاة لباس شاب على الأغلب (كلابية) وحطّة وعقال، وتخفي وجهها فلا يظهر منه إلا عيونها، ثم تبدأ بالرقص وسط الفتيات وهرج ومرج يصل قمته عندما ترمي بنفسها على إحدى الفتيات لتقبلها، بالمقابل عند العريس تجري سهرة شبان ورجال من أغانٍ عتابا ونايل ودلعونه وموليّا برفقة الربابة أو المجوز.