اكتشفها الملحن الراحل "شاكر بريخان" عن طريق المصادفة عندما كان بزيارة عائلية لأهلها في عام ١٩٥٦ مع "عزيز غنام" و"إبراهيم جودت"، فطلب والدها من ضيوفه وعلى سبيل الدعابة إسماع صوت ابنته "ميسر" لضيفهم، فأعجبوا بخامة وقوة صوتها وأدائها.
وطلب منها "البريخان" الاستمرار وصقل موهبتها والاستعداد والحضور لمقر إذاعة "حلب" لتقديم وصلة غنائية ضمن برنامج "سهرة ميكريفون" ومع انتهاء وصلتها صفق لها الملحنون الثلاثة "غنام" و"جودت" و"بريخان" على ماقدمته مترافقاً مع جمال وقوة ونقاوة صوتها، لتكون تلك الخطوة هي الأولى نحو ولوج عالم الغناء بقوة، وقام بعدها "البريخان" بإطلاق عليها اسم فني جديد هو: "مها"، بدلاً من "ميسر" اسمها الأصلي مع المحافظة على كنيتها التي هي من العائلات الحلبية العريقة والشهيرة "الجابري".
ولكي تصقل موهبتها قامت بالتعلم بالعزف على آلة العود وتعلم غناء الموشحات والقدود والأدوار والمواويل تحت إشراف "البريخان"، وما زاد في صعودها بسرعة وقوة سلامة النطق لديها وحفظها للكثير من الأشعار العربية القديمة.
بِدَايَةُ النَّجَاحِ
وحققت شهرة سريعة مع أغنيتها الأولى "شو بيصعب علي بعدك عن عيني" من كلمات "نظمي عبد العزيز" وألحان "إبراهيم جودت"، ثم أتبعتها بأغنية "كتير علينا لو حبينا والدمعة ضحكت بعينينا" من كلمات وألحان "زهير عيساوي"، ولحن لها "نجيب السراج" أغنية "فينا ننسى الدنيا فينا" وتألقت في أغنية "نيال العاشقين".
تعاملت في أغانيها مع كبار الملحين السوريين والعرب مثل "سمير حلمي" و"نزار موره لي" و"فؤاد محفوظ" و"عبد الفتاح سكر" و"عدنان أبو الشامات" و"ياسين العاشق" والفلسطيني "رياض البندك"، ثم تتالت في تقديم الأغاني الناجحة الواحدة خلف الأخرى مع غناء قصيدة جديدة (أفديه حفظ الهوى) من شعر "كمال الدين"، وأغنية "الحبايب عا المحبة عودنا" التي غناها فيما بعد المطرب "جورج وسوف".
ومما ساعدها على نجاحها وانتشار أغانيها نقاوة وقوة وجمال صوتها وإجادتها للطبقات المرتفعة. وإذاعة أغانيها باستمرار على أثير إذاعة "دمشق" و"لندن" و"بيروت" و"الشرق الأدنى" والتلفزيون السوري في بداية إرساله في عام ١٩٦٠.
رِحلَةُ مِصرَ النَّاجِحَةُ
سافرت "مها الجابري" في رحلة إستكشاف جديدة نحو "مصر" في عام ١٩٦٧ وعندما سمعها الملحن "سيد مكاوي" أعجب كثيراً بخامة صوتها فلحن لها أغنية "موطن النجوم" من شعر "بدوي الجيل" كان ذلك في عام ١٩٧٧ وأعطاها الملحن "محمد الموجي" أغنية "صعبان عليك" من كلمات "فوزي المغربي" و"أرحميني ياقلبي" من ألحان "بليغ حمدي" وكلمات "مأمون الشناوي".
وغنت هناك قصائد عديدة للمطربة "أم كلثوم" مثل "أراك عصي الدمع" و"رباعيات الخيام" للشاعر الفارسي "عمر الخيام" وقصيدة ياجارة الوادي من كلمات "أحمد شوقي" وألحان "محمد عبد الوهاب" وأغنية "حبيبي يسعد أوقاته" من كلمات "بيرم التونسي" وألحان" "زكريا أحمد" وما ميزها في رحلتها "لمصر" حفاظها على الغناء بالهوية واللهجة السورية الخاصة ولشدة الأعجاب بما قدمته أطلق عليها النقاد هناك لقب "أم كلثوم" سورية.
القُوَّةُ وَالتَّوَاضُعُ
أشتهرت المطربة الراحلة "مها الجابري" بتواضعها وحسن تعاملها مع الجميع ومن دون أي دوافع مالية وتجارية مبالغ فيها وحتى أنها رفضت فكرة احتراف الغناء في المقاهي والملاهي لأجل الحصول على المال.
ساهمت بتقديم الأغنية السورية من خلال الموشحات والدور والقدود في المهرجانات والمناسبات والدول العربية التي زارتها بقالبها الحقيقي الذي يحبه الجميع وكانت ترفض كلمات الأغاني المبتذلة والهابطة والعادية مقابل أختيار كلمات أغانيها من المفردات والجمل العربية القوية والجميلة والواضحة.
نِهَايَةُ المَطَافِ عَام ١٩٨٢
ومع بداية فترة الثمانينيات انتشرت موجة غناء "هابطة" ومتواضعة لم تَرُقْ وتعجب المطربة الراحلة "مها الجابري" لتعلن اعتزالها وابتعادها عن أجواء الفن واعتكافها في منزلها لتوافيها المنية في عام ١٩٨٢ عن عمر ناهز ٥٠ عاماً بعد رحلة فنية حافظت فيها على هواية وتراث الأغنية السورية بقالبها المميز من خلال الموشحات والقدود والدور والمواويل لتعيش وتموت وتدفن في المدينة التي عشقتها وأخلصت لها.