يعتبر الفنان والشاعر الشعبي "يحيى القنطار" الملقب "أبو حسن" واحداً من الشعراء الشباب الذين استطاعوا تطويع آلة الرباب لتتوافق مع الآلات الموسيقية مكتشفاً ها الابعاد الموسيقية في طبقات الجواب والقرار، والأهم المساحة المطلقة الذي يجيد العزف بها ليقدم ألحاناً جديدة، إضافة لما طوره في أداء الأنماط التراثية الغنائية وتجديدها بما يواكب تقانة الحظة الراهنة، بحيث عمل على تقديم الألوان الشعرية النبطية الخاصة بتراث جبل العرب على شكل غناء تطريبي دمج به بين المحافظة على التراث وبين التجديد الإبداعي.
بدأ العزف وهو في الرابعة من عمره، وكان الآلة التي أحبها أطول منه، واستطاع الفنان "يحيى القنطار" أن يطور آلة الرباب من آلة شعبية تقليدية بسيطة بنمط ألحانها وأسلوب العزف إلى آلة موسيقية بأبعاد فنية متطورة وحملها الأبعاد العلمية الفنية بألحان إبداعية جديدة.
"مدونة الموسيقا" وقفت حول عزفه على آلة الرباب وتطويرها وخروجها من إطارها التقليدي والتقت الشاعر والملحن الفنان "يحيى القنطار" وبين قائلاً: «لقد استهوتني آلة الرباب مذ كنت في السنة الثالثة أو الرابعة من عمري حينما زارنا الشاعر الشعبي وعازف الرباب "صابر معروف" وهو من قرية "ملح" التي تبعد عن قريتي "داما" مسافة لا تقل عن ستين كيلو متراً، حيث تسللت أنغامها إلى قلبي وعقلي، فما إن ذهب الضيف حتى امتشقت قوس الرباب وحاولت العزف عليها، وبالفعل كانت الربابة أطول مني، لأني في الرابعة من العمر، وبدأت أتعلم عليها، وحين كنت في الصف الثالث الابتدائي أصبحت عازفاً على آلة الرباب ودخلت مسابقة الرواد ونلت المرتبة الأولى أو رائد على مستوى القطر في العزف وأنا بالصف الخامس، حتى أنني قدمت في الإذاعة السورية أغنية وطنية، وهناك مسألة ربما جعلتني أكثر مهارة حينما كنت صغيراً فالأصابع الأربعة استخدمتها معاً أما الإبهام لم استطيع استخدامه لقصر يدي على عمود الرباب، وأخذت مني هذه الطريقة في العزف مدة طويلة حتى تقدم بي السن وأصبحت استخدم الإبهام، لكن قبل استخدامه وهو من ضروريات العزف كنت أقدم ألحاناً شعبية متنوعة ولعلني الأول من استخدم الأصابع الاربعة معاً على آلة الرباب في السويداء، إذ كان جل اهتمامي الخروج من النمط التقليدي السائد، فقد عمد الشعراء على تقديم أنماطاً تراثية من مثل "الشروقي والهجيني والفن والعتابا" ضمن دائرة معينة وبألحان ثابتة، لكنني حاولت تطويرها وأدخلت التكنيك الموسيقي على تلك الآلة، التي هي وتر واحد ومن الشعر، وفكرت ملياً بدراسة الأبعاد الموسيقية وعزف المقامات بكامل أزمنتها، حتى أنني قدمت الشروقي وهو من الألحان البدوية التي قل ما يستوعب المتلقي مفردات كلمات القصيدة إلا إذا كان ابن البيئة نفسها وهي تحتاج الى المد الصوتي في أواخر الكلمات حسب ألحانها المتعددة، بطريقة تفردية وجزأت الكلمات والألفاظ بشكل بات المتلقي يعي ما يسمع ويطلبها، وبالتالي كسرت الحاجز التقليدي بذلك، لأنغام "الزوبعي والباسلي والغياثي وغيرها" بحيث قدمتها كلمة كلمة منفرد وضمن عرب صوتية تطريبية".
ونستطيع القول إنه عمل على إدخال أداء جديد في غناء التراث الشعبي، كأن يغني الشروقي المعروف بألحانه الثابتة ولكن نتيجة تقطيع المقطع أي كلمات الشعر من البيت الشعر أو الشطر منه، وبمخارج حروف سليمة ضمن زمنها المعروف، جعل المتلقي يعيش معه ومع معاني ودلالات الكلمات ولعمري هي ميزة نسبية وقيمة مضافة لم يسبقه ولم يلحقه أحد عليها.
أما من ناحية العزف بين القرار والجواب بالصوت وباستخراج أنغام موسيقية لقد استخدم ولأول مرة التكنيك الموسيقي على الرباب، وبالتالي بدأ بتقديم القرار والجواب المتلائم لطبيعة الاداء وذلك بالتكرار للكلمة المغناة والجملة اللحنية، وهي نوع من التطريب الشعبي، حتى حينما قدم أول لحن له وهو موجه لقريته "داما" بعنوان "يا حلوة بداما" رادفاً اللحن نفسه على كلمات مختلفة بعنوان "يا ديرتي يا ديرتي وداعاً يا حبيبتي"، ردد هذا اللحن على شفاه آلاف الناس، مع التأكيد أنه لم يقلد أحداً، وربما ما تميز به أنه عاش وتفاعل مع معاني الكلمات الشعرية بإحساس، وقدمها بألحان تحمل البعد الجمالي الحسي حتى تكونت لديه لوحة فنية متكاملة بالكلمات واللحن والأداء والعزف إضافة لموهبة الصوت بطبقات القرار والجواب، ولهذا منذ حوالي نصف قرن وهو يعزف ويغني وما زال يبحث عن التجديد في هذه الآلة ذات الوتر الواحد ويكتشف بها كل ما هو جديد ومبدع، فهي تتماهى مع روحه وباتت جزءاً منه ولا يمكن أن يبتعد عنها، وربما حبه لها جعلته يعزف عليها اغاني طربية للسيدة "أم كلثوم" وغيرها من كبار المطربين العرب التي تحتاج الحانهم لبراعة في الأداء والعزف والتوزيع على حد تعبيره.
مهارته بالعزف وبراعته وأسلوب التكنيك الحديث لديه ميز الفنان "يحيى القنطار" ليس فقط لأنه عازف رباب من الطراز المميز بل استطاع أن يخترق المألوف والحصول على أفئدة سامعيه من أفراد المجتمع، وانتزع ألقاباً منا إذ كما عرف الموسيقار "فريد الأطرش" بأنه "ملك العود" والموسيقار "رياض السنباطي" بأنه اللحن الخالد، فإن الفنان "يحيى القنطار" هو موسيقار وسلطان العزف على آلة الرباب بما يتميز به من براعة تكنيكية بين العازفين حتى بات الكثيرين ممن يحبون العزف يتقمصون أسلوبه وطريقته ونهجه، ولابد من ذكر أنه استطاع استثمار العلامات الموسيقية المتاحة بالكامل على هذه الآلة بشكل تقني رائع ومنهجي مميز، مع امتلاكه الإحساس بالأداء بشكل ملحوظ.
أخيراً نستطيع القول حين تستمع إلى الموسيقار "يحيى القنطار" تندهش ببراعة العزف، وبالألحان التي يقدمها، وبالأداء المميز، تعيش معه لحظات الارتقاء الجمالي بين الحس الواقعي والتعبيري الإنساني، حتى تظن انه يعزف على آلة الكمان وليس على الرباب، لتعدد الألحان والمقامات والأبعاد الفنية والجمالية الحسية المميزة به في اندماجه بين ما يؤدي بصوته الرخيم، فهو عازف رفيع المستوى ومطور حقاً لآلة الرباب، وذو صوت شجي، وشاعر له حضوره المسرحي اللافت للمتلقي...
الجدير بالذكر أن الشاعر والفنان "يحيى القنطار" هو من مواليد قرية "داما" عام 1967 .