لم يكن الاحتفال بعقد قران شاب وفتاة لتأسيس عائلة يحتاج للكثير من التكاليف المادية التي يحتاجها اليوم، فقد كانت البساطة طابع هذه الأفراح، وكان البذخ في الأعراس يتمّ بإحضار أكثر من طبل ودربكة، أو تقديم الطعام إضافة إلى "صرّة الحلو" التي يتم توزيعها في نهاية العرس.
وعن أعراس أيام زمان التي ما زالت بعض القرى محافظة على إقامتها تتحدث "زينة رجب" إحدى سكان قرية "دمسرخو" التي لا يزال أهلها محافظون على بعض تقاليد هذه الأعراس: «كانت الأعراس تستمرُّ ليومين وأحياناً ثلاثة، وكان الاحتفال بالدقّ على الطبل والدربكة وعزف المزمار، تبدأ مراسم الزفاف بيوم الحنّة، ويتم عزيمة الأقارب والجيران لهذا اليوم الذي يسبق يوم العرس، ويتم اختيار سيدة شابة متزوجة ولديها صبيان، حتى يكون فأل جيد للعروس ولتنجب الصبيان! وتقوم الفتاة المختارة بإعداد الحنّة وعجنها ووضعها في وعاء، ويوضع على صينية مزينة بمختلف أنواع الورود، لتبدأ سهرة الحنة بوضع الحنة للعروس، ومن ثم توزيع الحنة للمتواجدات ليتباركن بها، مع ترديد بعض الأغاني الخاصة بالحنة و"المهاهايات" والزلاغيط، وتؤخذ الحنة بعدها إلى بيت أهل العريس، ويضع شاب أعزب الحنة له، ويتم اختياره ليكون الشاب الذي يلي العريس في الزواج، وبعد إنهاء مراسم الحنة للعروس يتم إعادة وعاء الحنة إلى بيت أهل العروس ويجب ألا يغسل قبل سبعة أيام، وكان العروس تبقى في منزل أهلها والعريس في منزل أهله أما اليوم وبعد مراسم الحنة يجتمع أهالي العروسين في منزل أهل العريس، وتقام سهرة صغيرة للأهل والمقربين".
وتتابع "زينة" الحديث عن اليوم التالي ليوم الحنة: «تكون حفلة العرس في منزل أهل العريس حيث يتم تحضير المكان من زينة وضيافة للمدعوين، وتتصاعد أصوات الطبل والدربكة، ويقوم شاب أو صبية من المدعوين يمتلكون صوت جميل بالغناء، فلم يكن هناك فرقة موسيقية قديماً، في الوقت نفسه تكون العروس تتحضر في منزل أهلها وكانت "اللباسة" وهي التي تقوم بتحضير العروس فلم يكن هناك كوافيرة قديماً تقوم بلف شعر العروس باستخدام قصبة وتضع الحبكات لتثبيتها ووضع الطرحة البيضاء فوق شعرها وإلباسها الفستان الأبيض، وتزيينها بانتظار قدوم العريس وأهله ومن يرغب من المدعوين لاصطحاب العروس إلى منزل العريس لاستكمال مراسم العرس، ولم يكن هناك ولائم وطعام بل كانت صبايا الحي تجتمع قبل أيام من العرس وتقوم بإعداد صرر الحلو التي تتكون من شوكولا وملبس وراحة وغيرها من الحلويات ليتم تقديمها لكل من يقدم المباركة للعروسين في نهاية مراسم العرس الذي كان يتسم بالبساطة والكثير من الفرح والسعادة، فلم يكن هناك حفلات كبيرة وأغاني صاخبة، ومن العادات والتقاليد بعد انتهاء العرس أن يقوم أهل العروس ولمدة سبعة أيام بتجهيز الطعام للعروسين، وبعد سبعة أيام تعود العروس لزيارة أهلها وتسمى "ردة الرجل" حيث تقام بمناسبة عودتها إلى منزل أهلها لأول مرة بعد زواجها الولائم والحلويات احتفالاً بها".
ولا تزال بعض القرى تحافظ على هذه العادات، وبعض الشباب المهتمين بالتراث الساحلي يعملون على إعادة إحيائها وتعريف الجيل الجديد منها، لذلك تحدثنا "ريما الشوا" (وهي طالبة في الجامعة الافتراضية ومن الشباب المهتم بحفظ التراث في اللاذقية) عن تجربتها في تصوير الطقوس القديمة للتعريف بها ومنها حفلة الحنة فتقول لـ"مدونة الموسيقا": "بدأت الفكرة عندما أردت المشاركة في مسابقة CBE لصنّاع المحتوى المرئي، ودفعتني رغبتي القديمة في تسليط الضوء على هذه الطقوس أن أختار طقس حفلة الحنة لتصويره، ومع تشجيع الصبايا اللواتي شاركني في تصوير الفيديو بدأ العمل على جمع الكثير من المعلومات عن هذا الطقس وكيفية التحضير له والخطوات التي يقوم بها أهل العروس والعريس لإتمام مراسم الحنة والزواج، فقد كانت هناك أغاني خاصة بالأفراح وبهذا الطقس، منها:
"حامض يا ليمون وتمر يا حنّة
والعروس الليلة جاي تتحنّى
مدّي إيدك مدّيها والإيد التانية ردّيها
حامض يا ليمون وتمر يا حنّة
والعروس الليلة جاي تتحنّى"
بالإضافة إلى الكلمات التي يتم ترديدها وتكون وفق قافية واحدة يسبقها كلمة "أويها" التي ترددها المتواجدات في الحفلة وتُسمّى "المهاهايات"، تليها الزلاغيط التي تدّل على الفرح ومنذ القدم تعتبر دليل الفرح والسعادة ومن هذه المهاهايات:
"أويها.. ويا فستق منقّى
أويها.. وكل الفَرحات بطّالة
أويها.. إلا فرحتنا مستحقة".
بعد نشر الفيديو بين الناس، تخبرنا "ريما" أن الكثير من الأشخاص تواصلوا معها يخبرونها عن رغبتهم بأن أعراسهم ستكون على الطريقة التقليدية وستكون حفلة الحنة من ضمنها، بعد أن كان العديد يخجل من إقامة هذا الطقس القديم، ولكنهم بعد التعرف عن كثب عنه وعن الأغاني والمهاهايات وجدوا أن هذه الطقوس يجب أن تبقى.
كما ويذكر أن بعض القرى لا تزال تقيم هذه الطقوس ومنها: دمسرخو، المطلّة، والمزيرعة، والعديد من أرياف الساحل السوري.