قديماً كان اسمها "الرها" واليوم هي "بارمايا" فرقة فنون شعبية نبتت في الجزيرة السورية، وانطلقت تحمل معها تراث سورية حاضراً وماضياً، وتاريخاً بأكمله إلى العالم، ولا يخفى على القاصي والداني عراقة الحضارة السورية الغنية بمفرداتها وتنوع المناحي التي أرست تاريخ الإنسانية، فنتج عن الأجداد مجلدات ملأى بالذاكرة، و"بارمايا" تقوم اليوم بنبش هذه الذاكرة لقناعة المشرفين عليها أننا الأحق والأجدر بمعرفة ما نمتلك من كنوز.
(من أرشيف esyria عام 2010)
موقع eSyria التقى الفنان "جورج قورياقس" مؤسس فرقة "بارمايا" لنتعرف أكثر على هذه الفرقة الشعبية، وأول ما أردنا معرفته ماذا تعني كلمة "بارمايا" فقال: «هي كلمة سريانية مؤلفة من مقطعين "بار" وتعني "ابن"، و"مايا" تعني "المياه" والترجمة العربية لهذه الكلمة السريانية هي "ابن المياه"».
في العام 2003 تأسست فرقة "بارمايا"، وفي العام 2009 أصبحت تحت إشراف وزارة الثقافة. وبعد التطور الذي حققته الفرقة خلال السنوات تحولت إلى العمل المنظم والأشبه بعمل مؤسسة، فقد شكلت هيئة تدريب مؤلفة من أربعة مدربين اثنان منهم اختصاص لياقة بدنية.
وحول سؤالنا عما تقدمه الفرقة، هل هو فلكلور سوري؟ أم أنه مزيج من التراث السوري والدول المجاورة، يجيب قائلاً: «بلا شك هناك قسم كبير منه هو من صلب الفلكلور السوري، لكن هناك حركات وتشكيلات دخيلة على الفلكلور، وهذا يقودنا للتساؤل أين هي مراكز الدراسات الخاصة بالفلكلور والتراث السوري؟ كما لا يوجد مؤسسات متخصصة، حتى المعهد العالي للفنون المسرحية ليس في منهاجه ما يخص الفلكلور مع أن هناك قسم "الباليه" ولا أظن أن هذا الاختصاص له علاقة بتراثنا وفلكلورنا، وهذا يعطي علامات بشائر أن الفنون الشعبية في خطر».
ويضيف: «لنفكر ملياً لماذا الغرب مهتم جداً بتراثنا، ولماذا نحن مهملون له، وهنا تكمن خطورة العقل الغربي إذ كيف يمكن أن يفهم هذا التراث، وكيف سينقله لمجتمعاته، وكثيرة الدراسات التي صدرت في الغرب فيها شيء من الظلم لهذاالتراث".
ويبدو أن السيد "قورياقس" متشائم بعض الشيء بشأن الفن والموروث الشعبي السوري، لذا فقد اعتبر أن الفنون الشعبية في غرفة العناية المشددة، وهو يجد أن مهرجان "إدلب" هو هذه الغرفة، ويضيف: «لقد تحولت الفرق الشعبية إلى فرق استعراضية وذلك بسبب الوضع الاقتصادي غير المريح لكثير من أعضاء الفرق».
ولكن هذا الواقع المادي لم يقف عائقاً أمام إرادة البحث عن الذات وحمل مسؤولية الدفاع عن تراث يكاد يموت، لهذه الأسباب سألناه عن أعمال فرقته فقال: «لدينا نوعان من الأعمال، الأول تناولنا فيه قصة "أورنينا" مغنية مملكة "ماري" تحت اسم "بانوراما نينا". كما أننا تناولنا هموم الشباب وما يتعرضون له من ضغوط من خلال عمل "الروح والجسد" الذي جسد قضية تعاطي المخدرات بين جيل الشباب، أضف إلى تقديمنا لطقوس "الاستسقاء" وكان اعتمادنا في ذلك على موسيقا "نينوى"، فما نقدم من أعماله مترافقة بألحان توارثناها من جيل إلى جيل حتى وصلت إلينا، فنحن نمتلك كنزاً من الموسيقا السريانية، كذلك اعتمدنا على الموسيقا "الجزراوية" نسبة للجزيرة السورية، وقدمناها في كافة تلويناتها».
لكن ما نشاهده اليوم من رقص مرافق للحن الفلكلوري يدعونا للتساؤل هل هو حقيقة ما كان يجري في ذلك الزمن أم هناك إضافة ما؟ فيرد السيد "قورياقس" مجيباً: «هناك نوعان من الرقص الأول رقص جمالي يقدم المتعة واللحن الجيد، ويحافظ على أصالة الفن الشعبي الموروث من القدم، أما النوع الثاني للرقص فهو الذي يستخدم للإغواء، ويعتبر هذا النوع دخيلاً ومقحماً على الفلكلور، وبالتالي كل ما يقدم من هذا النوع ليس بفلكلور على الإطلاق».
إذاً من المفترض على كل فرقة أن تنقل من خلالها ذاكرة المكان، فهل استطاعت "بارمايا" أن تنقل للعالم ذاكرة الجزيرة السورية؟ يجيب "قورياقس": «نمتلك ذاكرة شعبية نتيجة التواتر والانتقال من جيل لآخر مع المحافظة على الشكل العام، لهذا أعتقد بل وأجزم أن الفلكلور هو: "حكمة الشعوب"، ولا تتشكل الحكمة إلا نتيجة تراكم آلاف السنين من الخبرات، والجزيرة السورية تمتلك هذه الذاكرة فالكل فيها يرقص، وللحزن عندنا رقصات خاصة به، ربما منحتنا الطبيعة الإنسانية في تدوينها الأول أول مقطوعة، وأقدم راقصة، وأقدم معبد، فإننا في حلنا وترحالنا نحمل معنا تراث هذه الأرض الطيبة لأننا منها، وترابها مجبول بعرقنا».
تضم فرقة "بارمايا" قرابة المئة عضو من جميع الفئات العمرية.
فيما كان للفرقة مشاركات عديدة:
ـ معظم المهرجانات التي تقام في سورية.
ـ مهرجان البحر الأبيض المتوسط الثالث- قبرص 2008.
ـ احتفالية "الدوحة" عاصمة للثقافة العربية 2010.
أما الجوائز التي حققتها الفرقة من خلال مشاركتها فكانت:
ـ ذهبية مهرجان إدلب الخضراء للفنون الشعبية في دورته الأولى 2007.
ـ عدد من الجوائز في الدورات اللاحقة لمهرجان "إدلب الخضراء".
ختاماً يقول "قورياقس": «أجمل لحظة عشتها في حياتي عندما شاهدت ابنتي "ايمي مريم" ترقص على المسرح وكان عمرها سنة ونصف فقط».