تعتبر الموسيقا من أهم البرامج التأهيلية للمكفوفين لاستثمار الحواس والقدرات لديهم وتطويرها، وفي معهد التربية الخاصة لتأهيل المكفوفين، لم تمنع الإعاقة البصرية أن يتمتع الطلاب بمهارت فنية متنوعة ومنها الموسيقا، حيث يعمل المعهد بكل طاقاته وإمكاناته الحالية على احتضان أحلام طلابه الإبداعية ولو بالقليل منها، ليسيروا في هذه الحياة بعزيمة قوية أملاً بغد أفضل.

فُسحَةُ أَمَلٍ

مديرة معهد التربية الخاصة لتأهيل المكفوفين "ندى أبو الشامات" قالت لـ"مدونة الموسيقا": إن كادر المعهد يتعاون بجهد ليس له نظير من أجل خلق التواصل الاجتماعي، وإيجاد فرصة لاكتساب المكفوف مهارات ومؤهلات تسمح له بأن ينطلق في الحياة ويصنع طريقاً للإبداع؛ وتابعت قائلة: "موضوع إثراء البصيرة أول أهداف المعلمين في المعهد، لقد تعلمنا جميعاً طول سنوات كيف يمكن أن يرى الإنسان بقلبه قبل أن يرى بعينيه، وكل فرد من أفراد المعهد سواء أكان طالباً أم مدرساً يعلم أن زرع المحبة والإيمان بالقدرات الفردية يعطي ثمرة إبداع حقيقية، ويتجلى هذا من خلال تجاوب الطلاب الدائم مع أي نشاط تفاعلي يغني طموحاتهم ويروي عطش لهفتهم للتعلم والمشاركة الحية في أي فعالية علمية كانت أم فنية، ورغم أن عددهم محدود ضمن المعهد لكنهم لا يزالون يتنافسون للوصول إلى القمة، وخصوصاً في الجانب الموسيقي الذي مازلنا نعمل عليه كأحد المواضيع التي يجب أن يدركها فاقدو البصر.

كما شارك المعهد بالكثير من الفعاليات الموسيقية بمساعدة الأستاذة "بشيرة دعبل" التي كان لها دور مؤثر وبصمة مهمة في نشر الثقافة الموسيقية في المعهد، إذ ساعدت الكثير من الطلاب في زرع بذرة الإبداع والتفكير في العزف والتلحين، ومازلنا كمعهد نبحث عن الأستاذ المتخصص والمؤهل بشكل جيد حتى يكمل الرحلة الموسيقية المهمة التي بدأت بها المعلمة "بشيرة".

1- معهد التربية الخاصة لتأهيل المكفوفين بدمشق

مَسؤُولِيَّةٌ مِن نَوعٍ آَخَر

2- جانب من بروفات التدريب الموسيقي في معهد المكفوفين بدمشق

الأدوات موجودة والتجهيزات كلها متوفرة -تضيف مديرة المعهد "ندى أبو الشامات" وتتابع: "يتوفر لدينا كل ما يتطلب لتعليم الطلاب الموسيقا وبشكل احترافي، ويمكن لأي طالب مكفوف أن يستفيد ويتعلم ويغني موهبته بالعزف وابتكار الألحان وفي أي وقت يريد، سواء لوحده أو بالاشتراك مع زملائه، وبالتأكيد تعليم الموسيقا بالمعهد أولوية ولها وضع خاص يختلف عن بقية المدارس كونها باباً يترجم أحاسيس الإنسان ويعبر عما في داخله من أفكار، والطالب المكفوف بأمس الحاجة للمعلم المختص المتدرب جيداً ليحتضن هذه المواهب وأن يسعى لتطويرها عبر تدريب كل طالب بشكل إفرادي حتى يتمكن من تقديم ما لديه من موهبة في العزف بشكل أفضل، ويجب التنويه أن الاطلاع والاستماع إلى احتياجات المكفوف من الأمور الأساسية، والطالب المكفوف ليس بحاجة للتعلم البصري بل هو بحاجة وبشكل كبير للتعلم الحسي وهذا مانعمل عليه في الوقت الحالي ونبحث عنه لأنه من الخطأ التعامل معه كحالة طبيعية ومن دون تهيئة الجو الخاص والملائم له، أو كحالة تعليمية طبيعية، ولأن مادة الموسيقا هي من المواد التي يمكن أن يبدع فيها الطلاب بطريقة حسية، ولابد من تعليم وتدريب المكفوفين على النوتات الموسيقية بتقنية "البرايل" لأن هذه التقنية هي بمثابة فرصة حقيقية ليدرك المكفوف الموسيقا بطريقة صحيحة علمية وعملية بآن واحد، وهناك أمر آخر لتدريب المكفوف وضمان استمراريته بالعزف الموسيقي هو مدى اهتمام ذوي الطالب والإيمان بقدراته الموسيقية منذ سنواته الأولى، ولايمكن الإخفاء أننا نواجه صعوبات عدة في طريقة التعامل مع المكفوفين وتعليمهم الموسيقا بالشكل الصحيح نعمل على حلها تدريجياً، ولابد من معرفة أهمية العزف لأنها تبني الخيال عند المكفوفين ومعرفة مدى رعاية المعلم المكفوفين جميعهم من دون التميز بينهم خصوصاً من الناحية الإبداعية بشكل عام والموسيقية بشكل خاص".

إِبدَاعُ البَصِيرَةُ!

قرَّرَ أن يهزم أعاقته البصرية بالعزف والتلحين، عندما بدأ بسماع أغاني فيروز عندما كان "غسان سمارة" بعمر أربع سنوات، وقال لـ"مدونة الموسيقا": "أحببت أن أتعرف أكثر على عالم العزف وما تلك الآلات التي تعطينا هذه الألحان وتطرب المسامع، وعائلتي كان لها الفضل الأكبر في تشجيعي على تعلم مبادئ الموسيقا من خلال العزف بالبداية على آلة العود في معهد زرياب للموسيقا، فالإعاقة البصرية لم تزدني إلا تماسكاً وقوة، بعد معهد زرياب انتقلت في عام 2017 إلى معهد أوتار وتعلمت فيه العزف على البيانو لأقدم الأفضل، ومابين لحن وآخر تنبّهت إلى أهم التفاصيل وأدركت آلية العزف الصحيح ونجحت بها من خلال التدريب الموسيقي المستمر، وتعلمت بمساعدة الأساتذة بالمعاهد تفادي أي خطأ، وأن الثقة بالمستقبل هي مفتاح النجاح حتى تمكنت من تحويل هذه الهواية إلى مهنة عبر تعليمي الأطفال الموسيقا في معهد أوتار. من جهة أخرى شاركت بفعاليات عدة في دمشق في مجال الموسيقا وحصلت على تكريم خاص لـ"ذوي الهمم"، كما كنت من بين المشاركين في برنامج المسابقات الفني "سيريان تالنت" وقدمت على المسرح أكثر من مقطوعة من ألحاني!

3- طلاب يتدربون على الموسيقا في معهد المكفوفين

الاهتِمَام بِثَقَافَةِ المَكفُوفِين

4- من طالبات معهد التربية الخاصة لتأهيل المكفوفين بدمشق

هناك العديد من الحلول تساهم في رفع إمكانات المكفوف، فمثلاً تعمل الرسومات البارزة (النافرة) على تحسين ثقافة المكفوف وتنمية الوعي الفني لديه، وكذلك تهدف لتوسيع مداركه لتجعله أكثر تفاعلاً مع محيطه، وهذا الموضوع يساعد في إنتاج جيل من المكفوفين ذي وعيٍ فكريّ وفني وثقافي.

فيما توضح المؤسسة الخيرية " living painting" أن الأطفال المكفوفين لديهم فضول لاينتهي حول التاريخ والعلوم والفنون والموسيقا، فقامت المؤسسة بتقديم الرسومات البارزة مع الأسطوانة السمعية لشرح تلك الرسوم كحل لإشباع رغباتهم وتمكينهم من الاعتماد على ذواتهم وفي تنمية مهاراتهم، حتى أصبحت محل اهتمام لسهولتها وبساطتها (1)، كما نشرت المؤسسة كتاب "الموسيقا العالمية" لتمكين المكفوفين من فهم أنواع الموسيقا وتزيد من إدراكهم للعالم من حولهم، وفي أحد الصور يلاحظ أحد أنواع الموسيقا العالمية للفنان "بوب مارلي" مستخدماً فيه البساطة في التعبير لشرح الفن على الورق (2).

المَرَاجِعُ:

[1]و[2]: كتاب الخصائص الفنية للرسوم المصاحبة لكتب المكفوفين، تأليف مي عماد، منشورات دار العلوم للنشر والتوزيع.