يُعدُّ "مطرب الرجولة" الراحل فهد بلان واحداً من المطربين السوريين الذين خطّوا لأنفسهم لوناً خاصاً بهم، وعرفوا به طيلة مسيرتهم الفنية، وقد ساعده على ذلك طبيعة صوته وخصائصه، وحضوره المسرحي، وتكوين شخصيته، وقد قالت عنه أم كلثوم في الأهرام: "فهد بلان لون وأداء وغناء جديد في المغنى العربي".
المتتبع لحياة فهد بلان المولود عام 1933 في قرية الكفر، والده "حمود بن أحمد بلان" المالك لصوت قوي والعازف على آلة الرباب، وضمن بيئة اجتماعية فلاحية تغني الموروث من العتابا والشروقي والهجيني والمطلوع والفن، منذ صغره تميز بجمال صوته، وحين كان في العاشرة من عمره نشب بين والديه خلافٌ انتهى بالطلاق.
سافر مع والدته هندية زهر الدين المجدلاني إلى الأردن وكان لحكاية سفر محطة هامة في ذاكرته، وحين عاد لوطنه كانت أحلامه وآماله تتجسد في أن يصبح فناناً وساعده على ذلك نجاحاته في المناسبات الاجتماعية بالسويداء، عام 1957 تقدم إلى امتحان القبول كمردد في جوقة الإذاعة السورية، ووقف أمام قطبين الموسيقى في سورية وهما يحيى السعودي رياض البندك، وغنى أمامهما لفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب، فشل لسببين خوفه وارتباكه أمام اللجنة والثاني اختيارهِ لأغنيات يُنشز بها المطرب المبتدئ، وفشل للمرة الثانية. ثم فكر طويلأ...ماذا يفعل؟
ومن جديد قدم ولكن بالأغاني الشعبية التراثية وغنى أمام اللجنة أغنية:
هين ضرب السيف يابا ……… هيـن عليّا
وأنا أشوفك قدام عيني ………. زعلان عليّا
بعد قبوله بالكورس، قدم إلى برنامج "ركن الهواة " وحصل إعجاب اللجنة، ورشح فهد بلان نجم الغناء في مسرحية "المنحوس السادس عشر" وأنتقل بالغناء من خلف ميكرفون الإذاعة إلى فوق خشبة المسرح وأمام الجمهور، عام 1957 تعرف على الملحن سهيل عرفة، وقدم اول عمل لهما "يا بطل الأحرار" التي نظمها راشد الشيخ عام 1958 ابتهاجاً بقيام الوحدة بين سورية ومصر، تلاها "مشغول بحبك" نظمها مسلم برازي ولحنها راشد الشيخ، وايضاً "لعينيك يا حرية" الأمر الذي ولَّدَ عند أقرانه في الكورس الغيظ والغيرة والحسد، فشبهوا صوته كالمنادي في الأسواق.
نصيحة فريد الأطرش:
عام 1959، طلب "زكي نظام الدين" من فريد الأطرش أن يستمع إلى صوت فهد بلان وقف وراء الميكروفون، وغنى "وحياة عينيكي" استمع له فريد الأطرش واقترب منه وقبّله وقال له ناصحاً: صوتك جميل وقوي يا فهد، ولكني أنصحك من أجلك أن تبتعد عن سكتي...
علماً أن فريد قدم ثماني ألحان له منها "ما أقدرش على كدة وشوي شوي يا بنية وأحب الحب".
أغنية " آه يا قليبي" دعاه مدير حلب "توفيق حسن" مع "سهيل عرفة" لتقديم أغنيات، قدما امام اللجنة الموسيقية المكونة من العمالقة: "عزيز غنام، وتوفيق الصباغ، ونديم الدرويش، وأنطوان زابيطا، وممدوح الجابري" لم تلق القبول من اللجنة، اجتمع ليلاً في منزل الفنان "عدنان أبو الشامات" وتعرف "فهد بلان" على الفنان "شاكر بريخان"، الذي قال بدوره: أخذ فهد بلان يضفي جواً من المرح بظرفه وبالطرف المضحكة التي كان يلقيها باللهجة البدوية، وبغنائه لبعض الموالات والأهازيج، الأمر الذي جعل "شاكر بريخان" يفكر بتكوين شخصية فنية مناسبة لفهد بلان تستقي مادتها الفنية الأولية من اللون البدوي الذي يستمد من التراث الشعبي فقدم له ديالوغ "آه يا قليبي" مع الراحلة "سحر".
بيروت ولقب مطرب الرجولة
في الكورس تكونت علاقة بين فهد بلان وعبد الفتاح سكر، وقررا التعاون وابتداع لون جديد في الغناء العربي، وتمثل التعاون باللوحة الشعبية "لركب حدك يالموتور" التي تجلت موهبة التلحين الغناء.
لم يفكر فهد بلان في بيروت قبل دعوة المطربة صباح لأحياء حفلة في بيتها كضيف، لتكون بيروت قبل القاهرة الشغالة كل تفكيره، وساعده التعاون بينه وبين الشاعر الغنائي "عمر الحلبي" والملحن "عبد الفتاح سكر"، وبات الثلاثي "بلان وسكر وحلبي" بالتعاون الوثيق لإبداعِ لونٍ فريدٍ في الغناء، أما الحدث الذي لم يتوقعه" فهد بلان" فهو اللقاء التلفزيوني إذ بعد ساعات على إذاعته على الهواء مباشرة، أخذ الشباب وهواة الغناء يترنمون بهاهات فهد بلان الشهيرة، وبدأت أغانيه تجد طريقها شيئاً فشيئاً إلى الناس، حتى لم يبق في ساحة الغناء سوى "لاركب حدك يالموتور".
كان برنامج ألوان الإذاعي الذي كان يعده ويقدمه ظريف لبنان الفنان الكبير "نجيب حنكش" من أقوى البرامج الإذاعية في لبنان، استضاف "فهد بلان" وغنى بالعاطفة والقوة، الأمر الذي جعل" نجيب حنكش" يعبر عن إعجابه بقوله: "أنت يا فهد بحق مطرب الرجولة"، ومنذ ذلك التاريخ غدا فهد بلان معروفاً باسم مطرب الرجولة والأغنية التي جسدت فعلياً لقبه هي بالأمس كانت تهوى وجودي إضافة لغيرها من الأغاني.
القاهرة وشكوى كيان العدو منه!
ثم دعاه شيخ المذيعين "جلال المعوض" إلى "القاهرة" للمشاركة في عيد شم النسيم لينطلق نجمه كالشهب، ويلحق في سماء باقي الدول العربية من تونس الى الجزائر الى ليبيا وسلطنة عمان والأردن وبغداد عدا الدول الاجنبية وينهل من تراثهم الغنائي ما ينوف عن ألف وخمسمائة لحن وثلاثة عشر فيماً سينمائياً وبعد مسيرة طويلة، ولكن الحدث الأهم بعد أن قدم في عام 1967 مجموعة من الأغاني لاوطنية أهمها من ألحان محمود الشريف أغنيتي "المسجد الأقصى ولقدس الشريف"..
عاد فهد بلان لوطنه الأم سورية في خضم الأحداث، وفي السادس من تشرين عام 1973 زها فهد بلان بعدد من الأغاني الوطنية، وقد قال الملحن "سليم سروة": لقد غنى "فهد بلان" من ألحاني عشرة أسلوغونات وطنية. إضافة إلى الأغاني الوطنية للملحنين الآخرين غناها من صميم قلبه وحبه لوطنه وانتمائه إليه، مما دفع بإسرائيل إلى تقديم شكوى إلى هيئة الأمم المتحدة أن سورية تهددها من خلال الطريقة التي يقدم بها فهد بلان أغانيه الوطنية.
في نهاية الثمانينات تعرف على الشاعر والملحن سعدو الذيب وقدما أغنيات عديدة من أروعها "عالبال بعدك يا سهل حوران" وغيرها..
وفي يوم 21/12/1997، التقى الصديقان "بلان والذيب" وعملا بروفا على "يا راحلين الزمن... بدل مواليفا" وبدأ يتدربا على أغانٍ جديدة من مثل "يا شام"، ولكنها سجلت على شكل بروفات منها أغنية تحكي قصة حياته، فكانت ما جادت به حنجرته.
إذ عند صباح يوم الأربعاء 24/12/1997 في الساعة السادسة والدقيقة الخامسة والأربعين توقف قلب الفنان الكبير عن الخفقان، وفي السادس والعشرين ودفن في مزرعته على صوته غالي علينا يا جبل.