قبل انتشار التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، أضفى الشعراء على المتعبين والمرهقين من حقولهم والرعيان من تعب النهار جواً من الجمال والراحة، بمواويلهم وعتاباتهم على آلة موسيقية بسيطة كالربابة والشبابة والمجوز، ليحولوا المجلس لساحة سجال شعري وحلقة دبكة.

يعود إعمار "سلمية" الرابع عام 1848 للميلاد، وكانت المنطقة تعجّ بقبائل البدو وعشائرهم وبعد الإعمار افتتحت العائلات الكبيرة مضافات فيها، أمّها شعراء البدو الشعبيون، موضوعاتها في الرثاء والغزل والفخر، ما استفز "السلامنة" لمجاراتهم مستخدمين مواضيع خاصة بهم.

وساهم "الباحث التاريخي "غسان قدور" في جمع وتوثيق وحفظ التراث الشعبي بشكليه المادي واللامادي على مستوى محافظة "حماه"، ويحاضر في التراث الشعبي ومؤدٍ لألوانه على منابر ثقافية متعددة.

1- الباحث التاريخي غسان قدور

"غسان قدور" المولود في "تلدرة" عام 1944، حاصل على إجازة في العلوم الإنسانية قسم التاريخ 1973 ومدرس منذ 1965 حتى 2004، يحدث "مدونة الموسيقا" عن الأغاني التراثية في "سلمية" والتي شملت العتابا والسويحلي والموليا والميجنا والنايل قائلاً: «تندرج الأغاني التراثية تحت العتابا والميجنا والنايل والسويحلي والموليا، وجاءت العتابا من عتاب الدهر وبرع فيها مجموعة من الشعراء الشعبيين يعود بعضهم إلى ثلاثينيات القرن الماضي أمثال "سليمان داؤد أبو منهل" ووالده "محمد" و"داؤد داؤد" والراحل "حسين العلي محفوض" و"صادق حديد" وابنه "محمد صادق أبو صادق" والراحل "محمد خضر المغربية" و"نايف غالي" و"رفعت الحموي" و"مصطفى شتيان أبو ماهر"».

ويضيف الباحث التاريخي "قدور": من عتابا قبائل العرب منذ 1950 والتي كانت تغنى على موسيقا آلة الربابة أو الشبّابة (المنجيرا) أو المجوز (الأرغول):

2- المعمر والشاعر الشعبي سليمان داؤد ابو منهل

"دموعي حودرن يا عرب ونو

الطبيعة زمجرت والبحر والنّو

يا جيت اقضب نهيد الترف وانّو

رغوث وخمشة العيّل بناب"

وقد غنى المطرب الشعبي الراحل "محمد صادق حديد" الكثير منها، وبعده انفرد بعضهم بنسج أبيات عتابا بلهجة المنطقة السلمونية ولكن مع المحافظة على حرف القاف باللهجة البدوية فقالوا:

عجب داري يا ولفي ما تمرا

البدر لولا جبينك ما تمرا

"قيس" بحب "ليلى" مات مره

عشر موتات متنا عالحباب

وقالوا:

وعينا عالمحبة من رضعنا

التقينا ألف مرّه... ومرّه ضعنا

أمس لما قبالي مرّ ضعنا

قلت يا فرحتي لفيو الحباب

وانبرى فريق آخر يغني العتابا الغربية والتي تعلموها في هجرتهم في الساحل السوري فقالوا:

حلو يا من نهيدك قدّ رمانه

هواكي بالمصايب قد رماني

أنا المشتاق لو طال الغياب

وتقال هذه العتابات في المحاورات بين شاعرين في المضافات، وإذا يتبع بيت العتابا ببيت نايل يسمى (مطوّح) لأنه يجمّل بيت العتابا والنايل مثل:

ناديت إد ورجل عبيوتهم مريت

أبو الجدايل شقر ما لاح لي بالبيت

وأيضاً نايل:

يابو نواعس خضر ياورد ياريحان

لأجلك قضى العمر تايه جنان

ويتابع الباحث "قدور": إن الميجنا دخيلة على المجتمع السلموني وقد سميت كذلك من المجون، وأتت من الساحل الشام واللبناني وله مطلع: (منك عتابا وبس ومني الميجنا)

يا حلوة الحلوات حبي وانصفي

هالقلب عندك بس قولي وانصفي

ندراً عليّ إن راق كاسي وإن صفي

لأعمل لك جواة قلبي مسكنا

والسويحلي وأصله من "سامراء" "العراق" أو شط العرب:

ربينا وتعبنا صاروا نصيب الغير

شي ما كسبنا... إلا الهضم واللوم

وأما الموليا فهي أصيلة وهي شيعية ويقال أنها منسوبة للبرامكة فقالوا:

والموليا بمفردات بدوية قالوا:

ورويم شدّ الضعن يمشي على تمهال

والعين سودة كحلة من غير جرّ ميال

والعنق عنق المها شارد خلاويه

وأما الموليا بألفاظ سلمونية فقالو:

يابنت يامدلعنه من قبالي لاتروحي

وبراسي جدولتك ومعلقة روحي

ناشدتك بالنبي بالسر لاتبوحي

ضلي معي عالعهد لاتزغزغي النية

ويضيف المعمر والشاعر الشعبي "سليمان داؤد" 1928 والذي تعلم القراءة والكتابة عند شيخ لتحفيظ القرآن الكريم وألف عدة كتب في التراث الشعبي قائلاً: تعلمت القراءة والرياضيات عند شيخ لتحفيظ القرآن وقلت الشعر أباً عن جد، فقد ورثته عن والدي وكتبت قصيد البدو وكل ضروب وألوان الغناء الشعبي.