ولد المنشد الراحل "حسن الحفار" عام ١٩٣٤ في مدينة "حلب" بحي "ساحة بزة" واعتبر واحداً من أهم شيوخ الطرب في بلاد الشام، تتلمذ وهو في سن العاشرة على يد شيوخه "أحمد حفار" و"عبد الوهاب صباغ" و"التفنكجي"، درس وتمرس في مجالات الإنشاد والمقامات الموسيقية والتجويد، وأسس فرقة خاصة به من المنشدين ومن عازفي (المزاهر)، زار "فرنسا" خمس مرات بفرقة المنشد "صبري المدلل".
مَسِيرَةٌ زَاخِرَةٌ بِالنَّجَاحِ
تميز المنشد الحلبي الراحل "حسن الحفار" بمقدرته الفنية التي ذاعت وانتشرت بين الأوساط المحلية والعربية والعالمية، حتى غدا واحداً من أهم المنشدين في العالم العربي، وتميزت رحلته الفنية بالعطاء والنجاح والتألق، ترك الراحل خلفه أرشيفاً ضخماً من التسجيلات والمدائح والقصائد الدينية أغلبها من التراث الحلبي والسوري.
بِدَايَاتٌ مِن الزَّوَايَا الصُّوفِيَّةِ
تعلّق الراحل "الحفار" بحبه وولعه في تعلم الإنشاد الديني وخلال مراحل دراسته الابتدائية التحق بحلقات الذِكر والمناجاة في الزوايا الصوفية في مساجد المدينة، كزاوية "الهلالية" وزاوية أهله "الحفار"، وزاوية عائلة "البطيخ"، وعندما سمع صوته أهل الكار أعجبوا بموهبته كثيراً وتوقعوا له مستقبلاً فنياً زاهراً ومشرقاً، إضافة إلى مداومته على الشيوخ أمثال "عبد الله سراج الدين"، و"أديب حسون" و"محمد سلقيني"، و"محمد بادنجكي"، و"عبد الله سلطان" و"طاهر خير الله".
الاِنخِرَاطُ بِفِرقَةِ "المدلل"
كان المنشد الراحل "حفار"، تلميذاً عند أستاذه الراحل "عبد القادر حجار"، الذي درسه أصول الفن والإنشاد، وتابع مسيرته في عام 1967 بالانخراط بأول فرقة إنشاد دينية في محافظة "حلب"، مع المنشد الراحل "صبري مدلل" و"عمر النبهان" و"عبد الرؤوف حلاق" وزاروا معاً أكثر البلدان العربية والأوربية مثل "المغرب" و"فرنسا" و"إسبانيا" و"البحرين" و"لبنان"، مقدمين في هذه الرحلات جمال التراث الموسيقي السوري الأصيل.
داوم المنشد الراحل "حسن الحفار"، مع خمسة مؤذنين آخرين على رفع الأذان في كل يوم عند صلاة العشاء في الجامع الأموي الكبير بمدينة "حلب"، واستمر بذلك حتى عام ٢٠١٢ وقبلها كان مؤذناً لجامع "الفرقان".
تَجوِيدٌ وَمُوَشَّحَاتٌ وَقُدُودٌ
غنى الراحل "الحفار" في حفلاته، مئات القصائد الشعرية والموشحات والقدود والابتهالات الدينية والمدائح وأجاد بمهارة ودقة عالية حسن قراءة وتجويد القرآن الكريم، إضافة لغنائه القصائد لكوكب الشرق "أم كلثوم".
سَفِيرٌ لِلفَنِّ
لم تقتصر ألقاب المنشد الراحل "حسن الحفار" على "شيخ المنشدين" بل كان سفيراً حقيقياً للفن الحلبي الأصيل في كل دول العالم التي أنشد فيها بصوته العذب، ويشهد له تتلمذ أغلب فناني ومنشدي المدينة على يديه.
هذا وتميزت المناسبات والسهرات التي كان يقدمها وينشدها في البيوتات الحلبية العريقة والتي كان يحضرها بعض الفنانين والمتذوقين بخلاصة وقمة الفن التراثي الأصيل، وبما كان يمتلكه من حنجرة ومقدرة في غناء أصعب النغمات والمقامات والأوزان وبمنتهى البراعة.
ومن خصال الراحل "الحفار" -كما يروي من عاش معه- عفويته وطبيته في التعامل مع أعضاء فرقته وأهله وجيرانه وتلاميذه وزملائه، ما جعله محبباً وقريباً من قلب الجميع.
شهَادَاتٌ فَنِّيَّةٌ
الباحث الموسيقي الدكتور "محمد البابا" تحدث لموقع "مدونة الموسيقا" عن ذكرياته ولقائه بالراحل المنشد "حسن الحفار" حيث قال: "من حسن حظي أنني اجتمعت مع الراحل من خلال حضور حفلة بمناسبة عيد المولد النبوي في "جامع الرحمن"، وكذلك في الثمانينيات من القرن الماضي بحفلة أخرى بحضور فناني وشاعري وإعلام المجتمع المدني بمدينة "حلب" وكانت تلك الحفلة بحضور والدي الراحل الشاعر الغنائي "عمر البابا" وفيها تألق "الحفار" وأطربنا وأمتعنا حتى ساعات الفجر.
الفنَّان "فؤاد ماهر": وصف رحلة "الحفار" بالكنز المدفون المهم، حيث هناك عشرات الموشحات القديمة التي تركها الراحل ولم تسجل بعد، وهذا يتطلب من المعنين البحث عنها وإعادة تسجيلها خاصة وأنها من الموشحات غير المعروفة لعمالقة الشيوخ والملحنين السابقين من "عمر البطش" وغيرهم، مثل موشح (إنما أنت قمر) من مقام البيات شوري، إضافة إلى موشح (بين قاسيون) من مقام النكريز، وتابع: أنا حفظت ولديَّ عشرات التسجيلات من حفلات حضرتها في منزل الراحل وأعتبرها كنزاً فنياً لا يقدر بثمن.
المُنشِدُ "عبد القادر التنجي" وصف مسيرة الراحل "حسن الحفار" بالمدرسة التراثية الفنية العظيمة التي تعلم ونهل منها جميع المنشدين، وأضاف: هو ملك الموال والقصيدة الغزلية والدينية بلا منازع، يستطيع التنقل بين المقامات بكل سلاسة مع المحافظة على الأوزان والنغمات.. عاصر كبار الواشحين في "حلب" مثل الراحل "صبري مدلل" و"أديب الدايخ"، لديه قدرة عجيبة على جذب المستمعين والحضور لجمال صوته وحفلاته.
تَفَاصِيلُ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ
وعن مجمل حياة المنشد الراحل "حسن الحفار" والأيام الأخيرة من حياته تحدث لنا ابنه "محمود" مؤذن جامع "عبد الله بن مبارك" ، قائلاً: لدى الراحل 12 ولداً، (7 ذكور و5 إناث) من زوجتين، رباهم أفضل تربية، في حين ورث عنه المهنة ثلاثة أبناء هم "محمود" و"عمر" و"أحمد".
وتابع ابنه "محمود": عاصر والدي عدداً من المطربين والمنشدين الذين أصبحوا أصدقاءه لاحقاً.. منهم العمالقة "صباح فخري" و"صبري مدلل" و"صفوان بهلوان" "وعمر النبهان"، إضافة إلى أصدقاء آخرين من الوسط الإنشادي، "محمد المهندس"، و"محمد الحكيم"، زار "فرنسا" خمس مرات والدعوة الأولى كانت من العازف الحلبي المغترب هناك "عابد عازرية" وزار والدي تونس والتقى بالمطرب "لطفي بوشناق" تتلمذ على يد "عبد القادر حجار" وشكل أول فرقة إنشاد رباعية في "سورية" مع "صبري المدلل" و"عمر النبهان" و"عبد الرؤوف الحلاق" واستمرت الفرقة بنشاطها بين أعوام ١٩٦٧ حتى عام ١٩٨٢.
نِهَايَةُ المَطَافِ
في الأسبوع الأخير من حياته، كما ذكر ابنه أن أباه لم ينقطع عن حلقات الذكر، فكان يتردد كل يوم جمعة بعد الصلاة، إلى الزاوية "السلطانية" محيط قلعة "حلب" ليُشرف على تلك الحلقات، فهذه العادة لم تكن وليدة عام أو عامين! بل بدأت منذ مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم، في عهد الشيخ الراحل "عبد الله سلطان"، واستمر مواظباً على هذا العادة حتى الأسبوع الأخير من حياته حين اشتد المرض عليه، ليكون اليوم الأخير في حياة والدي هو الإثنين 23 آذار 2020.