لا تهتم "غادة حرب" بالألقاب، ولا تدري فعلاً، إذا كانت "أول قائدة كورال في سورية"، لكن ما يعنيها حقيقةً، وجودها في المكان الصحيح موسيقياً، وحصولها على نتيجة جميلة. من هذا المبدأ، سيجد من يتتبع مشوارها، تنوعاً كبيراً، في حين أن النقلات والمحطات الفارقة فنياً، بالنسبة لها، بدأت منذ كانت طالبةً في المعهد العالي للموسيقا، كما تقول لـ"مدونة الموسيقا"، فخلال سنوات الدراسة، كانت آلتها الأساسية "الفلوت" إلى جانب الغناء، لكنّ أولوياتها تغيّرت، في سنة التخرج، ليصبح الغناء شغفها وموضع اهتمامها، ومن ثم تأتي "الفلوت".
النقلة الثانية، كانت تأسيسها كورال غاردينيا النسائي، مستفيدةً من خبرتها كمساعِدةٍ للخبير الروسي "فيكتور بابينكو" في تدريس مادة الكورال في المعهد، إضافةً إلى دراستها للغناء الأوبرالي، وتجربتها في تقديم حفلات صولو لفترةٍ زمنية طويلة. تُضيف حرب في حديثٍ إلى "مدوّنة الموسيقا": شعرت أنني قادرة وأمتلك ما يُؤهلني لتأسيس كورال، ومعه كانت المحطة الثالثة الهامّة في تجربتي، حين قدّمت "مشروع تناغم" كجزءٍ من أفكار وأهداف كورال غاردينيا، لم أعد مايسترو أو قائدة كورال فحسب بل مديرة مشروعٍ يهدف للتماسك المجتمعي، وتوعية ودعم الشباب.
قاعدة موسيقية شرقية
جزءٌ كبيرٌ من موسيقا حرب، ينطلق من قاعدة أوبرالية أكاديمية، لكنه لم يكن قيداً بالنسبة لها، ولم يحصر تجربتها في غناء الأوبرا، حتى أنه ساعدها في قيادة الكورال، بأن أعطت أعضاءه من خبرتها الغنائية للأداء بأفضل طريقة، لكن ما لا يعرفه البعض، امتلاكها قاعدةً موسيقيةً شرقيةً، تفخر بها، تقول للمدوّنة: شاركت مع فرقة زنوبيا للفنون الشعبية بقيادة الفنان حسين نازك، اشتغلت أيضاً في الموشحات والقدود مع الفنان عدنان أبو الشامات، ومع الفنان حميد البصري (الذي غادرنا مؤخراً) في فرقة الشرقي، وكان لديّ تعاونٌ مع الفنانين جوان قرجولي وعصام رافع.
الفن أداة مؤثرة اجتماعياً
في الكلام عن إمكانية تطويع الموسيقا الأوبرالية، لتصبح أقرب للمُتعارف عليه محلياً، تشرح حرب بأن هذا النوع يعتمد على طريقة تقديمه، ليكون أقرب للجمهور، لذلك، تختار في حفلاتها، أغان فيها جُملاً لحنيةً جميلةً، تظهر فيها الحرفية، وتبتعد عما هو "ثقيل" موسيقياً، تقول: في مجتمعنا وفي أوروبا أيضاً، جمهور الأوبرا قليل بسبب ثقل الموسيقا المُقدّمة، رغم غناها وأهميتها، لذلك يجب أن تكون الاختيارات صحيحة، أختار ما يظهر إمكانيات الصوت مع مشهد تمثيلي مثلاً، هذه الفكرة نجحت في عدة حفلات، منها "عزيزي الماركيز" للمؤلف "يوهان شتراوس"، على مسرح أوبرا دمشق.
أيّاً كانت الموسيقا المُقدّمة، تُؤكد حرب ضرورة توفر الخبرة الموسيقية، لدى الراغبين بإيصال موسيقاهم إلى الجمهور بشكلٍ صحيح، لا يُمكن لهذا أن يتحقق في حالة الضعف، ولن يكون لهذه الموسيقا قيمةٌ فنية وجمالية، عدا عن أهمية القرب فعلاً من الناس، وعلى حد تعبيرها "معرفة ما يعنيهم ويُؤثر فيهم، همومهم، الفن ليس فقط حالات إبداعية وجمالية، بل أداةٌ مُؤثرة جداً، ولها قيمة مجتمعية كبيرة، الموسيقا بحرٌ، غنيٌ وجميلٌ جداً، المهم تقديمه بطريقة صحيحة واحترافية، حين نصب خبرتنا الموسيقية سنحصل على نتيجة".
أسست حرب كورال غاردينيا عام 2016، بهدف نشر قيم المحبة والسلام والجمال، في المرحلة الصعبة التي مرّت بها البلاد آنذاك. توضح لنا: كانت أولى الخطوات في الغناء الكلاسيكي، ثم قدّم لاحقاً تجربةً مميزة تحت عنوان "ما أحلى أن نعيش في خير وسلام"، استعاد فيها شارات برامج الأطفال التي عاصرتها أجيالٌ من السوريين، ومع ازدياد أعداد المسافرين، كان من الضروري الحفاظ على تراثنا من الضياع، بتوثيقه ونشره، فكان مشروع "زغاريد سورية"، تم فيه توثيق أغاني تراثية من كل المحافظات، بالإضافة لقطعٍ من التراث الأرمني، الكردي، الشركسي، السرياني، وفي إضاءة على النساء المتصوفات وأشعارهن الجميلة، قدّم الكورال "نساء عشقن الإله"، تلاه "الليلة الواحدة بعد الألف"، عملٌ نسوي توعوي، يستعيد سيرة ألف ليلة وليلة، تتمرد فيه الشخصيات النسائية على واقعها، وقبل عام تقريباً كان "مشروع تناغم سوريا للشباب" برعاية الأمم المتحدة، تضمن جلسات حوار وتوعية، وبرنامجاً موسيقياً خاصاً، يحمل أفكاراً إنسانية تدعو للسلام والمحبة وتقبل الآخر.
قيادة الكورال، حمّلت حرب مسؤولياتٍ إضافية، منها التحضير للحفلات، تنسيق الصوت والإضاءة، تحضير البرنامج والاتفاق مع الجهة المنظّمة، أمورٌ ليست سهلة، تقول: "حتى نظهر بسويةٍ لائقة ومستوىً فني عالٍ، علينا القيام بالعديد من البروفات، وذلك ليس فنياً وتقنياً فقط، بل إدارياً أيضاً، حين تقودين فرقةً كبيرةً كما في حفل تناغم، حيث وصل العدد إلى 285 شخص، بين موسيقيين ومغنين ومدربين ومتطوعين وغيرهم، يجب أن تُدار هذه المجموعات، بشكلٍ جدي ومُلتزم، وبأسلوبٍ يتراوح بين الحزم واللين، مع مساعدة جميع المدربين، وتوزيع المهام فيما بينهم، والحرص على تضافر الجهود لنجاح الحفل، مع ضرورة تنظيم الوقت، للتنسيق مع مسؤولياتي في بيتي".
الموسيقا عزاء
تُؤمن حرب أن الموسيقا، عزاءٌ لمن عايشوا آلام الحرب، نُزوحاً ولجوءاً وفقداناً، لأن في الحياة ما هو أهم وأبعد من الطعام والشراب، تستعيد تعليقاتٍ تسمعها في حفلاتها، يقول أصحابها أنهم شعروا بأمانٍ ما، تُضيف: الموسيقا تستطيع إيصالنا إلى السلام والراحة في دواخلنا، توازنٌ نفسيٌ نحتاجه، الغناء أيضاً يُعطي طاقةً إيجابيةً، ويُوضح أهمية التشاركية بين الأصوات والمجموعات.
نشير إلى أن "غادة حرب" تخرجت في المعهد العالي للموسيقا بدمشق عام 1999، تابعت دراستها في الغناء الأوبرالي، مدة أربع سنوات على يد مغنية الأوبرا السورية آراكس شيكجيان. حالياً مُدرِّسة في المعهد العالي للموسيقا، ونشاطاتها مستمرة مع كورالي غاردينيا وتناغم.