في زمن غاب فيه الأمان وضاقت به سبل وصول الأطفال إلى المدينة أسس "هيثم حسون" أستاذ الموسيقا في قرية "الثعلة" (الريف الغربي لمدينة "السويداء") مع مجموعة من الأصدقاء فرصة لتعلم الموسيقا داخل القرية من دون الحاجة للتنقل إلى المدينة في ظروف غير آمنة.

المعهد الذي انطلق في نيسان 2014 شكل نقطة مضيئة لأهالي القرية وإدخال الموسيقا إلى المنازل من خلال تدريب الأطفال والشباب فقد حظي بإقبال كبير من الطلاب والأهالي لغايات مختلفة يفسرها أستاذ الموسيقا حين قال لـ"مدونة الموسيقا": لا يختلف اثنان على أن الحرب سرقت فرح السوريين وأساءت لحياتهم المتناغمة المستقرة، ففي قريتنا شكّلت الـ 12 كم -وهي المسافة التي تفصلنا عن المدينة- مشكلة اعترضت وصول الطلاب إلى المعاهد الموسيقية وأي معهد يدرب على أي نوع من الفنون في المدينة التي كنا بأشد الحاجة لها، لكننا حاولنا العزف مع أطفالنا لنعيد للروح بعض الفرح.

مدرس الموسيقا فكر باتخاذ خطوة المبادرة مع مجموعة من الأصدقاء المدرسين والعازفين محاولاً خلق نواة لمعهد موسيقي يستقطب الطلاب لتعلم لغة الشعوب، ويضيف: كنت أراقب أولادي وغيرهم من الطلاب والفرص المتاحة أمامهم لقضاء وقت مناسب في تلك المرحلة. لم يكن أمامهم الكثير من الفرص، فاتفقت مع الزملاء من القرية وخارجها إذ يبقى تنقل مدرس بين القرية والمدينة أسهل وأقل خطورة من تنقل عشرات الطلاب، الزملاء هم الأستاذ "سمير نور الدين" على آلة الكمان، الآنسة "نور العفيف" على آلة البيانو، وأنا على آلة العود، واستضفنا مدرس الكمان "حسين حرب"، ومدرس الإيقاع "إياس شهيب" لنؤسس لمعهد دار الموسيقا.

1- الأستاذ هيثم حسون مع طلاب دار الموسيقا

في تلك المرحلة انحصرت الأنشطة الطلابية الطلائعية والشبابية بفعل الظروف وكان الإعلان عن المعهد بداية لعلاقة اجتماعية عنوانها الموسيقا مع شريحة كبيرة من طلابنا، أدهشنا إقبالهم على المعهد وزرع في نفوسنا الأمل بالمبادرة لأننا نعشق الموسيقا، ونعشق رنة الوتر بيدي أطفال وشباب وكبار لنعيش معاً حالة الفرح التي تنشرها الموسيقا والموسيقيين أينما حلوا.

خطوة لتنشئة أسرة موسيقية

المشروع برؤية الأستاذ "حسون" خطوة لتنشئة أسرة موسيقية يتبع لعمل المؤسيين التربوي كونهم مدرسين لأن الموسيقا تتداخل في تربية جيل مرهف الحس ولين الطباع يعزف أحلامه وطموحه على نوتة منتظمة وراقية بعيداً عن كل ما نراه من مظاهر غريبة أثرت على الشباب وحضورهم في المجتمع وأهمية هذا الحضور.

2- مهند الحلبي من طلاب دار الموسيقا مع المدرسة ريما العفيف

يقول الأستاذ حسون: بعد ستة أشهر من انطلاق المعهد تمكنا من إقامة أول حفل قدمه طلابنا لنغني لعبد الحليم وعبد الوهاب وأم كلثوم في حفل اخترناه لتكريم طلاب القرية المتفوقين، وهنا بدأ معهدنا علاقته الجميلة ضمن القرية وأعدنا الحفل العام التالي الذي كنا نقدمه هدية نجاح لكل أبناء القرية واستمرت الحفلات بدعم كبير من أهالي القرية وكانت نخبة من طلابنا تعزف بشكل إفرادي وجماعي إلى جانب الغناء.

اليوم يتجاوز عدد المتخرجين 400 طالب وطالبة من مختلف الاختصاصات رغم صعوبة الظروف والإمكانيات المحدودة التي يوضحها بالقول: على مستوى الخبرات الموسيقية لم نجد صعوبة فطلابنا أمامهم فرص كبيرة مع مدرسين لديهم الكفاءة نجحوا بتخريج طلاب بتخصصات مختلفة انتقلوا للمعاهد وفرق موسيقية ومنها المعهد العالي للموسيقا، إلى جانب رصيد كبير من الحفلات الفنية التي أسسنا لها بداية على شكل مبادرة كنوع من تكريم الطلاب اليوم يتم التعاون مع الهلال الأحمر في القرية، ثم شاركنا في حفلات تكريم المعلمين، وفي مناسبات اجتماعية وثقافية ووطنية مختلفة نقدم من خلالها مواهب طلابنا، والأهم تقديم حفلات تطرب الجمهور المتعطش للفن بفعل الظروف هو بعيد نسبياً عن الحفلات الجماهيرية التي تتركز في المدينة.

صعوبات المكان والتجهيزات

بحكم الإقبال على المعهد ظهرت احتياجات ضرورية لتطوير المقر منها عزل القاعات ويضيف الأستاذ حسون: كون المقر غير مستأجر حاولنا تقليص الأقساط الشهرية على الطلاب، وكان المطلوب عزل الغرف لكننا حاولنا التجهيز بما توافر بين يدينا للتأسيس لمعهد، والطموح هو تطوير المقر وتخفيف الصعوبات ببرامج التدريب والمواعيد والمحافظة على الاشتراك الشهري المعتدل بما يكفل استمرار المعهد وعدم خسارة الطلاب لفرصة التدريب.

غياب المسرح والمنشدين

رغم زيادة عدد المتخرجين واستمرار الحفلات فإن منصة تقديم الحفلات هي صالات أرضية خصصت للحفلات الاجتماعية وتفتقد لخشبة المسرح إلى جانب المدارس ومنها مدرسة يحيى الحمد التي يناسب مكانها لإقامة واجهة مسرح تهيئ فرصة مناسبة للمعهد وفرقه الناشئة لتقديم حفلات أكثر تطوراً من حيث المكان خاصة أن التجهيزات الصوتية يقوم على تقديمها مختصون من شبان القرية ساهموا في إنجاح الحفلات.

أخيراً: يجد أستاذ الموسيقا أن لـ"دار الموسيقا" خصوصية كونها تنتمي إلى قرية ينتقل طلابها في مرحلة معينة لإكمال دراستهم الجامعية خارج القرية ويتوقفون وهذا ما يحدد مشاركاتهم في الحفلات السنوية وفي الغالب يستقرون خارج القرية، وفي هذه الفترة تكون مهمة المعهد إعداد شباب وأطفال وفرق جديدة وهذا طبعاً عامل صحي لكن هذا الواقع جعل المعهد يفتقد المنشدين وهواة الغناء والطرب من الشباب مع العلم أن المعهد يدرب على الغناء مجاناً واليوم يتم الإعداد لفرقة كورال لها صفة الديمومة للمحافظة على استمرار الحفلات مع العلم أنها حفلات مجانية وتقام بدعوة عامة. وأول حفلات المعهد كانت عام ٢٠١٥ في صالة تسمى صالة الخضر في القرية.