ولد الفنان "عبد القادر حجار" عام 1917 في مدينة "حلب"، تعلم مبكراً قراءة القرآن وتجويده على يد شقيقه الأكبر الشيخ "أحمد الحجار" مع دارسته كان خياطاً بارعاً وافتتح محله بالسويقة، تعلم وهو في سن الخامسة عشرة الموشحات وأوزانها ورقصة السماح حتى أصبح أستاذاً متمكناً بالفن وملحناً بارعاً، وصفه "البطش" بالقول هذا "خليفتي" حيث أخذ عنه أكثر من ثلاثمئة موشح مع عدة وصلات تشمل جميع النغمات المعروفة والكثير من الأوزان لرقصة السماح.
شكل مع إخوته "أحمد ومحمد حجار" ومعهم الشيخ "عبد الحميد أبو الورد" فرقة إنشاد خاصة بهم، حيث أحيوا العديد من الحفلات الدينية في المدن السورية ومن أبرزها حلفة مدينة "حمص"، حتى سماه أهلها "بلبل الشهباء" لما له من موهبة فنية وصوت جميل، استطاع من خلالها أن يترك أثراً بالغاً على مسامع أهالي "حمص".
كان تلميذاً نجيباً للمعلم "عمر البطش" ومنه نهل فناً موسيقياً عريقاً فأتقن جُل موشحاته حتى غدا مرجعاً أساسياً لموشحات وقدود أستاذه "البطش" وعهد إليه العمل كمدرس بنادي شباب العروبة.
مُوَشَّحَاتٌ فِي الذَّاكِرَةِ
كانت من نغمة الحجاز كار بمطلع يقول "حمل الريح سلاماً" ومن نفس المقام "قل للبخيلة بالسلام تورعاً" ومن نغمة النكريز موشح "يا غزالاً باللواء متى"، ومن مقام الراست "قدك المياس يا مهد الدلال"، ومن نغمة النهاوند موشح "صبرت حتى شكا لي الصبر"، ومن مقام الزنجران موشح "كملت محاسنها وفاق جمالها"، ومن نغمة الصبا موشح "خلع الربيع على غصون البان" ، من نغمة الحجاز كار "بادر الأفراح في أدواح حان"، ومن نغمة الحسيني موشح "ربة الحب حديثني عن المغرمين"، ومن مقام السيكاه موشح "أنسيم القبول لي قد تنسم".
أُستَاذُ المُنشِدِين وَالمُطرِبِين
يقال إن الملحن "عبد القادر الحجار" كان كريماً وسخياً لأبعد الحدود في تعليم تلامذته كل أنواع الموسيقا حيث أعطاهم بسخاء وبلا حدود الكثير من علوم الفن والتلحين والموشحات حتى على حساب حياته الشخصية.
ومن أشهر المطربين الذين تدربوا على يديه "مصطفى ماهر" و"عبد الرحمن عطية" وسجلا له الكثير من ألحانه في إذاعة "حلب"، وكذلك المنشد الكبير "حسن حفار" و"محمود فارس" و"محمد حكيم" و"نجيب فتوح" والمطربين "عمر سرميني" و"نهاد نجار" و"عبود بشير" و"رضوان سرميني" والموسيقار "محمد قصاص" والمطرب"عمر الحجار" لحّن الكثير من الموشحات والمدائح والابتهالات والقصائد الدينية التي كان يحفظها من أستاذه ويردّدها المنشدون في "حلب" فقد كان من بين المكلفين من "مديرية الأوقاف" بالإشراف على فرقة الإنشاد التي تقيم احتفالاتها في جامع "بني أمية" الكبير بـ "حلب" في كل المناسبات، والتي تضم كبار المنشدين في المدينة، وكان الملحن "حجّار" يعد لكل مناسبة عملاً يقوم بتلحينه ويقدمه مع فرقته التي ضمت خيرة العازفين في وقتها مثل "شكري الأنطكلي" و"محمد الملاح" و"محمد البوشي" و"محمد قصاص"، وقد أشتهرت هذه الفرقة بأناقتها ولباسها الموحد باللون الكحلي حيث كانت تنال استحسان الجمهور والمتابعين.
شَهَادَةُ أَهلِ البَيت
ويروي لـ"مدونة الموسيقا" ابنه "عبد الغني حجار" بعضاً عن أسرار وحياته والده الفنية فيقول: «كان مهتماً جداً بقراءة دواوين الشعر العربي القديم وحفظها، درس مع زميله "بهجت حسان" أصول الموشحات والتلحين على يد الملحن "عمر البطش"، تعلق والدي بفن التلحين ورقصة السماح، وهو في سن مبكرة إلى جانب مهنته الأساسية كخياط شهير في "السويقة" جانب "السبع بحرات".
وكان يقيم الحفلات الإنشاد والتوشيح الأسبوعية مع "صبري مدلل" وفؤاد خانطوماني" والقارئ "محمد مرطو" و"عبد الرؤوف حلاق".
ويضيفُ عبد الغني: التقى والدي بالملحن بكري الكردي كثيراً. والأهم كان لقاؤه بالموسيقار الكبير "محمد عبد الوهاب " في "بلودان" حيث استمع منه لبعض الموشحات وأثنى عليه كثيراً، وكذلك مع الشيخ المصري "نقشبندي" في سهرة بيت "العيطة" في دمشق حيث كان يدعى والدي في كل شهر مرة لحضور تلك السهرة الدمشقية، اهتم بتطوير رقصة السماح. وبتلحين الموشحات حصراً. أعطى الكثير من ألحانه للمنشد "حسن الحفار" وباقي المطربين والمنشدين الحلبيين.
ومن حياته الخاصة أنه كان يستيقظ مع صلاة الفجر، ومع بدء اليوم يذهب مشياً على الأقدام للحديقة العامة للجلوس لمدة ساعة، ثم يتابع مشواره مشياً إلى محله بالسويقة.
ويختم ابنه "عبد الغني" مشيداً بخصال والده وروحه المرحة وكرمه وحسن تعامله مع الأهل وأبناء الحي.
الباحث الموسيقي الدكتور "أيمن سيد وهبة" قال: تميز الفنان الملحن الراحل "عبد القادر حجار" بمقدرته الفنية العالية بسبب تتلمذه على يد الملحن الكبير "عمر البطش" حيث أخذ عنه الكثير، وساعدته تلك العلوم الموسيقية على تلحين مئات الموشحات التي غناها له كبار المطربين والمنشدين في مدينة "حلب"، التقى كثيراً بـ "صبري مدلل" و "حسن الحفار" و"فؤاد خانطوماني" وقدم لهما الكثير من ألحان الموشحات، إلى جانب عدد كبير من مطربي المدينة. عمل على تأليف فرقة موسيقية ضمت خيرة المطربين والموسيقيين. وكان يعمل بالمجان من دون أن يتقاضى أي مبلغ. أحبه جميع من عرفه وتعامل معه لروحه وحسن خلقه.
وَفَاةُ عِملَاقِ التَّلحِينِ
في 21-10-1993 طويت صفحة مشرقة من صفحات الفن في "حلب" شهدتها منطقة "الكلاسة" بساحة "الأحرار" وكان مثواه الأخير وبذلك وأغلقت صفحة موسيقية ثمينة أعطت لمدينة "حلب" الكثير من الإنجازات في عالم الموسيقا العربية.