لم تُتقن "سمية حلاق" اللغة العربية رغم زياراتها المُتكررة إلى سورية، على أن ولادتها ونشأتها في سويسرا، دفعاها لمعرفة المزيد عن أصولها الحلبية، ومن ثم كانت رغبتها بمساعدة الأطفال ضحايا الحرب، سبباً رئيسياً لإقامتها مشروعاً إنسانياً موسيقياً تحت مُسمى "جمعية 1,2,3 Hope, Love, Life for peace"، تنقل بين عدة محافظاتٍ عبر نشاطاتٍ مختلفة، ومنحها البرلمان البلجيكي من أجله لقب "رسولٍ للسلام"، إلى أن أصبح خلال أعوام قاعدةً انطلقت منها مغنية الأوبرا العالمية، لتقديم أمسياتٍ موسيقية وترانيم في كنائس ومسارح كثيرة.

بدأت حلاق الغناء مبكراً، ليأتي احترافها سريعاً في عمر 16 عاماً، مدعوماً بدراسة الموسيقا في جنيف ثم في أكاديمية الملكة اليزابيث في بروكسل، وفي أوبرا مدينة كوبنهاغن على أيدي موسيقيين أوروبيين مُختصين، ومع تخرجها بدأت مشواراً حافلاً، تميّز بمشاركاتٍ غنائية على أهم المسارح العالمية لأداء أوبريهات كبار المؤلفين، حتى وُصفت بأنها "سوبرانو فوق العادة"، إشارةً إلى إمكانياتها الكبيرة في أداء الأصوات العالية، كما أسست ثنائياً مع عازفة التشيللو "سوزان فيرميين".

تقول مُغنية الأوبرا في حديثٍ إلى "مدوّنة الموسيقا": "كل تجربة جديدة هي محطة بحد ذاتها، الغناء علاجٌ روحي وداعم نفسي كبير للأطفال الذين عايشوا الحرب"، هذا ما فكرت به حين زارت سورية في السنوات الأخيرة للمساعدة، فتعاونت مع عدة جهات بخبرتها ومعارفها الموسيقية، وعرفت أن عليها الغناء في بلدها ليستفيد منها الآخرون ويستمتعوا، من هنا كان أداؤها على مسارح في دمشق وحلب وحمص، وتكررت الزيارات في ظروفٍ صعبة، لم يكن لأيٍّ منها أن يُوقف حلاق، حتى مع إشكاليات التنقل بسبب وباء كورونا.

1- مغنية الأوبرا العالمية سمية حلاق

تُدرك السوبرانو أن موسيقاها ليست رائجة لدى السوريين، لكنها تُؤمن أيضاً بأن الناس تحتاج زمناً لتتقبل وتُحِب، تقول: الغناء الأوبرالي ليس مجرّد استعراض لقدرات الفنان ومساحة صوته، بل هو حكاية ومشاعر وانفعالات حقيقية، أثق أنها ستصل إلى الجمهور حين تُقدّم بصدق، وستُثير انتباههم وتدفعهم للإصغاء والمُتابعة والتفاعل، ومع تكرار سماعها ستظهر مشاعرهم كما نراها حين يسمعون طرب الراحل الكبير "صباح فخري" مثلاً.

حاولت المُغنية مزج مقطوعاتٍ غربية وشرقية في أكثر من أمسية، إحداها كانت في أوبرا دمشق بمرافقة عازف البيانو "فادي جبيلي"، بدأتها بـ"آريا لبرونهيلدة" من أوبرا سيغارد، تلتها "أغاني الرفيق التائه" للمؤلف النمساوي غوستاف ماهلر، وأغنية "وداع المضيفة العربية" للمؤلف الفرنسي جورج بيزيه، ثم انتقلت للجزء الشرقي، مع أغنية "كتبت لي" للمؤلف إياد كنعان، وأغنية "آريا كافاتين بلقيس" من أوبرا "ملكة سبأ"، وأغنية "بعدك على بالي" للأخوين رحباني.

2- سمية حلاق لقبت بـ رسول السلام

تقول عن هذه التوليفة للمدوّنة: الموسيقا الكلاسيكية قاعدة وأساس لكل مغنٍ، بالنسبة لي أردتُ تقديم الغناء الشرقي، بالطبع عن طريق الموسيقا الغربية، لأنني أنتمي إلى هذين النوعين موسيقياً، جذوري سورية لكن دراستي واهتمامي يقومان على الغناء الأوبرالي، شاركت في العديد من الحفلات في بلجيكا وفرنسا، وتتلمذت على يد الموسيقي البلجيكي "جوزيه فان دام"، والمغنية البريطانية "فيليسيتي بالمر"، وفي رصيدي أدوار أوبرالية مهمة منها أوبرا "فارس الوردة" لشتراوس.

في الأعوام الأخيرة، أحيت حفلاتٍ في عدة كنائس، منها أمسية كلاسيكية استضافتها كنيسة "سيدة السلام" في حمص، وأمسيتان ميلاديتان في حلب، في كنيسة "القديسة تيريزيا" وكنيسة "بيت إيل"، تميزت الثانية بالغناء في العربية واللاتينية والفرنسية والأرمنية وغيرها، كذلك حضرت في أمسية أوبرالية احتفالية، أحيتها الفرقة السيمفونية الوطنية السورية العام الماضي، بمشاركة خمسة من مغني الأوبرا جاؤوا إلى دمشق من فرنسا وبلجيكا وسويسرا، بينما جاءت مشاركتها اللافتة مع مغنية الأوبرا البلجيكية "لور كاترين بييرز" في حفل من دون آلاتٍ موسيقية بعنوان "بين صوتين.. من الشرق إلى الغرب".

3- من إحدى مشاركاتها في دعم الأطفال

مؤخراً قدمت حلاق أمسيةً موسيقية في أوبرا دمشق مع طلاب الغناء الكلاسيكي في المعهد العالي للموسيقا، بمشاركة مغنية الأوبرا "رشا أبو شكر"، والمايسترو "ميساك باغبودريان" على البيانو، وهي تجربة تصفها بـ"المسرحية الموسيقية"، لأنها جمعت الغناء والعزف والتمثيل، وتضمنت ثنائياتٍ مُختارة من أوبرات عالمية تحت عنوان ll Filo Rosso أي (الخيط الأحمر)، ويُقصد به الخط الدرامي الذي يربط المشاهد مع بعضها، وهنا كانت مساهمة الممثل "فايز أبو شكر".

تُؤكد المُغنية سعادتها بتقديم خبراتها إلى الطلاب، وجاهزيتها للمشاركة في أي نشاط يُوصل الموسيقا إلى الراغبين بتعلمها وسماعها، عدا عن أنّ الأمسية التي أظهرت مقدرات الطلاب ومستوياتهم المتميزة، تتوازى مع أفكارها عن الموسيقا كصديقٍ للروح وعلاجٍ لأمراض عديدة بدنية ونفسية، تُضيف للمدوّنة: "الحب والفن سينقذان العالم، وأعمل لأكون من المُساهمين في مساعدة أبناء بلدي قدر استطاعتي، وبالموسيقا التي أعرف، لذلك لن أتوقف عن زيارة سورية، لا شيء سيمنعني من ذلك".

4- من حفلتها في دار أوبرا دمشق