ولد المطرب "أحمد المهندس" في عام ١٩٧١ بحي "المشهد"، لعائلة حلبية عريقة تهوى الفن والطرب. عشق الغناء والموال من صوت والدته وشقيقته الكبرى عندما كانتا تشاركان في الحفلات والمسويات والصبحيات والمناسبات الدينية والاجتماعية مع جاراتهما في حي "قاضي عسكر". تفوق "المهندس" في مدرسته الابتدائية مرات عديدة، ونال المرتبة الأولى بجمال ونقاء وعذوبة صوته. أعجب أبناء الحي الذي كان يقطنه في "حلب الجديدة" كثيراً بجمال صوته في تسبيحات وأذكار صلاة الفجر بجامع "الإيمان". تتلمذ على يد شيوخ الكار، وتعلم العزف وغناء القدود والموشحات ورقصة السماح.
تفوق غنائي مبكر
يحدث "المهندس" مدونة الموسيقا فيقول: "في صغري حفظت من والدتي قصائد وأغاني مثل "ألف ألوف ألفتها"، "يا مايلة عالغصون عيني"، "فوق النخل فوق"، "بيني وبين حبايبي جبال مش قادر اوصل ليهم"، "طلع البدر علينا".
جعلتني كل تلك المحفوظات خلال دراستي الابتدائية أتفوق وأنال المركز الأول في الأختبار الذي أجراه مدرس الموسيقا لعدة طلاب في مدرستنا. وفي هذه المرحلة رشحني للغناء على مستوى المحافظة والقطر، وحضرت إلى مدينة "دمشق" وغنيت فوق مسرح الطلائع، ونلت المركز الأول على مستوى القطر بموال "حبيبي...على الدنيا إذا غبتَ وحشةٌ مع أغنية ابعتلي جواب". وبعد هذه النقلة والفوز، ازداد اهتمام ودعم شقيقتي لي كثيراً، وحثتني على ضرورة متابعة المشوار والدراسة الفنية المعمقة. واتبعت ذلك بالالتحاق بمعهد "نادي شباب العروبة" لمدة سنتين وحضور دروس خاصة في منزل الملحن الكبير الراحل "عبد القادر حجار" الذي له الفضل بتعليمي أصول غناء القدود والموشحات والمواويل والمدائح النبوية لصقل موهبتي مثل "يا ريح حملي سلامي، وهلك الصب المعنى، وقلي للبخيلة، ويا سيدي يا رسول الله". ومن الطرائف التي لا أنساها، أنه كلما كنت أتأخر عن الحضور للمنزل (ضايع)، يذهب والدي إلى جامع "علي بن أبي طالب" فيجدني هناك أنشد مع عدة زملاء.
حفظ واستماع من الكاسيتات
في فترة السبعينيات ازدهر وتألق الطرب الحلبي بوجود العمالقة الكبار، وانتشرت موضة أشرطة الكاسيت الغنائية. وعن هذا يقول "المهندس" إنه كان يدخر خرجيته من والده لشراء وسماع هذه الأشرطة لكبار المطربين أمثال "محمد خيري، وصباح فخري، وفؤاد خانطوماني، وحسن الحفار، وأديب الدايخ، ومحمد أبو سلمو، وأبو كامل نصار، وبكري الكردي" وغيرهم لتعلم وحفظ أصول الغناء الصحيح.
شكل "المهندس" مع زملائه "مصطفى هلال ومحمود فارس" فرقتي إنشاد، وعملوا مع المنشد الراحل "حسن حفار"، وسافروا معاً إلى "ألمانيا" في عام ١٩٩٨ برفقة المطرب الكبير "صبري مدلل" لإقامة ثلاثة حفلات للجاليات العربية هناك، وكانت في مدن "ميونيخ وهامبورغ وبون" وأحيوا أيضاً حفلات في "لبنان".
أسس "المهندس" في عام 2002 فرقة خاصة به مؤلفة من عشرة أفراد أسماها فرقة "نغم الأمس"، اهتمت بتقديم الإنشاد والمدائح النبوية وبعض المقاطع من التراث الحلبي القديم، واستمرت تلك الفرقة حتى عام 2011. وجابت أغلب المحافظات السورية وذاع صيتها كثيراً.
مؤذن جامع "الإيمان" من ١٩٩٣ حتى ٢٠١٦
عهد إلى "المهندس" وعلى مدار خمس وعشرين عاماً مهام رفع الأذان في جامع "الإيمان" في الأوقات الخمس، وعن تلك الفترة يقول "المهندس" إنها كانت من أهم مراحل حياته الفنية والدينية على الإطلاق والتي لا يمكن نسيانها. وبعد صلاة العصر كانت تقام حفلات الأذكار والمناسبات الدينية بحضور كبار فناني "حلب" من مطربين ومنشدين وموسيقين.
غناء التراث الحلبي
سافر "المهندس" في عام ٢٠١٦ إلى أوروبا، واستقر هناك لمدة عامين، وعاد إلى مدينة "حلب" في مطلع عام ٢٠١٨. انتهج خطاً جديداً له وهو إقامة الحفلات الخاصة وغناء القدود والموشحات والمواويل مع الإنشاد فيهاً بعيداً عن أي دوافع مادية. كان هدفه بالمرحلة اللاحقة غناء وتسجيل موشحات وقدود جديدة لم تغنّ ولم تُسمع من قبل، من خلال بحثه ونبشه في التراث الفني والشعري القديم.
شهادات فنية
الدكتور والناقد الموسيقي "أيمن سيد وهبة" قال عن المهندس: "أعرفه وأعرف مقدرته الفنية جيداً، صوته جميل جداً، لديه إحساس عال ومميز في أداء الموشحات والقدود والمدائح والقصائد. مشكلته أنه لا يحب الأضواء كثيراً مما يقلل حظوظه وفرصه بالظهور داخل الوسط الفني، وقد يكون محقاً تبعاً لظروفه الخاصة به. يعتبر واحداً من أبناء الزمن الفني الجميل".
من جهته قال الزميل الصحفي والناقد الموسيقي "طارق بصمه جي": "تعود بداية معرفتي بالفنان "أحمد مهندس" إلى ما يُقارب العشرين عاماً، وتحديداً في 2002 ، حين كان مؤذناً في جامع "الإيمان الكبير"، المجاور لمنزلنا في "حلب" الجديدة. كان يتميز بأذانه الفريد المختلف عن باقي المؤذنين في المنطقة. يمتلك "المهندس" خامة صوتية هادئة خاصة ومقدرة فريدة لرفع الأذان بعدة مقامات رئيسية وفرعية حتى ضمن الأذان الواحد، وذلك بطريقة أكاديمية ضمن سكة موسيقية صحيحة ".
جعله جمال صوته وخلقه يحظى بمحبة الناس والمحيطين والجوار كثيراً، كانوا ينتظرون بلهفة وشوق تسميعاته ليوم الخميس من كل أسبوع، لدرجة باتوا يطلبون منه أن يقوم بالتسميع لصلاة العشاء في يوم الإثنين أيضاً، صوته يلامس القلوب والأرواح. يمتاز بإحساس عالٍ ومساحة صوتية واسعة تلامس في جوابها علامة الـ (سي بيمول) وفي قرارها، علامة الـ (فا)، كما أن صوته يجيد قدرات القفز بين العلامات دون أن يقع في فخ العزل".
عازف العود "أحمد دباغ" قال: "علاقتي وصداقتي بالفنان "أحمد المهندس" قديمة جداً؛ حيث تشاركنا في إقامة حفلات كثيرة. يملك صوتاً جميلاً له حضور محبب على المسرح وأمام المايكروفون. يجيد تدارك الأخطاء والعثرات وتصحيحها بإحساس مرهف نتيجة دراسته الفنية".
معلم رقصة السماح بمدينة "حلب" الفنان وشيخ الكار "حمزة بابللي" قال: "الفنان "أحمد" له كاريزما وحضور خاص، يمتعنا جداً بصوته. أنيق بشكله جميل بصوته مهذب مع جمهوره مظلوم إعلامياً، يرفض تقاضي المال مقابل أي نوع غنائي فالفن الأصيل رسالته التي يحافظ عليها ولا يمكن له التخلي عنها ".
يشكر موقع "مدونة موسيقا music eSyria ""مصطفى شيخ العشرة" و"ماهر سلو" دعوتهما لحضور تلك الأمسية الحلبية من الزمن الجميل التي أحياها الفنان "أحمد المهندس" وشيخ الكار لرقصة السماح "حمزة بابللي" الذي أتحفنا برقصات جميلة جداً، وعازف العود "أحمد دباغ" والإيقاع "حسان بشكار".