شكلت "مدونة الموسيقا" التي أطلقتها الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية تفاعلاً بين مواهب الموسيقيين عبر توثيق أعمالهم وإحياء الأوائل منهم الذين رسموا للموسيقا في سورية شخصية خاصة بهم، وساهمت في تدوين وتوثيق الأعمال الموسيقية المهمة بتاريخ سورية المعاصر وذلك لكبار الملحنين السوريين في القرن الماضي إضافة للفرق الموسيقية التي تعمل اليوم على الساحة وترفد الجمهور بمقطوعات موسيقية ترفع من ذائقة المتلقي.
الموسيقي الأكاديمي "معين نفاع" مدير معهد فريد الأطرش للموسيقا بالسويداء أوضح أن الموسيقا هي غذاء الروح وهي العامل المهم في ربط الحركة بالفعل بين الانفعالات النفسية والأنغام الموسيقية وذلك بالبعد الهارموني الخاص بالموسيقا، بحيث استطاعت "مدونة الموسيقا" بانطلاقها قبل عام أن تحقق مزايا متنوعة ومتعددة منها ما نفض من غبار العقد الماضي من مآسٍ وآلام وجراح، وتراكمات من القنوط في الأداء، عملت على إعادة الحياة بمتابعة الفرق والفنانين من عازفين وملحنين، بل ممن تفرغوا لمجابهة الزمن بعد عقود من عملهم في الفن والموسيقا، وكذلك قامت بإحياء وإذكاء الذاكرة الفنية لمستوى فكري ثقافي فني يتماهى مع طبيعة العمل رغم اشتداد ظلمة الحياة والمآسي، فساهمت الموسيقا عبر مدونتها في توثيق تاريخ أعمال الموسيقيين الأوائل الذين ساهموا في إغناء المحتوى الموسيقي على الساحة السورية، واستذكار الأغاني الشعبية والوطنية والسورية التي سارت في ركب جيل من المبدعين، وبهذا العمل باتت مرجعاً حقيقياً للباحث في تاريخ وأعمال الموسيقا في سورية وبتراثها الفني الزاخر بالعمال والمبدعين.
الموسيقي "سمير نور الدين" وهو أستاذ الآلات الموسيقية في المعاهد الموسيقية المتخصصة أشار إلى أهمية "مدونة الموسيقا" بقوله: لقد برهنت خلال مدة زمنية أنها الأقدر بحرص وأمانة وتنمية مستدامة بنشر البعد الفكري والثقافي للإبداع، وبشكل خاص للآلات الموسيقية ومعرفة خصوصية ومهارة العزف عند كل فنان أو عازف من خلال إظهار قدرته وقدراته الفنية في إبراز جوانب الخيال الموسيقي بعزفها وتجسيدها بمقطوعات إن كانت تأليفاً أو كانت مستقاة من أعمال عالمية، وذلك بنشر مقاطع فيديو تدل بالصوت والصورة على مهارة الموسيقي، وهي ساهمت أيضاً في معرفة ثقافة أصحاب الاختصاص بعيداً عن التقليد في الأداء الفردي أو الجماعي، ولعل "مدونة الموسيقا" هي الأكثر تميزاً في ربط الماضي بالحاضر بمعنى التراث اللامادي بالواقع المعيش بما يتلاءم مع اللحظة الآنية، إذ تقرأ لأعمال المبدعين الأوائل مثل توفيق الصباغ وعمر البطش وعلي درويش ومن المعاصرين عدنان أبو الشامات وصباح فخري وفهد بلان وأعمال فريد الأطرش ونجيب السراج وسليم سروة وسهيل عرفة الإبداعية بحيث تشعر بقيمة هذا الربط بين التوثيق المعلوماتي والموسيقي بمشاركة الحواس جميعها، وبالتالي باتت تراثاً مرجعياً للباحثين.
وأوضح الباحث الموسيقي "عناد أبو زكي" أن أهمية "مدونة الموسيقا" في الوقت الحاضر تكمن في توثيق وتدوين وإغناء محتوى موسيقي وكوني مهتم في الموسيقا للأطفال خاصة أن درجة الماجستير لدي كانت بهذا الشأن عملت المدونة على تغذية النشء من الأطفال والشباب بنشر أعمال فنية لهم وساهمت في رفع الذائقة الموسيقية والتعرف على أفكار من سبق من المبدعين الكبار، وكذلك المساهمة في تمازج بين الشرق والغرب ولعلها السباقة في دراسة البعد العلمي لبعض الآلات الموسيقية ومعرفة خصوصية ومهارة الإبداعية والفنية لكل منها من خلال العازفين المهرة التي تقوم المدونة بتوثيق ونشر أعمالهم عبر تقنية المعلومات والاتصالات ورقمنة الأبحاث والدراسات التي ساهمت في تكوين الشخصية السورية في الإبداع الموسيقي.
أخيراً عام و"مدونة الموسيقا" تسعى لتشكيل محتوى مرجعي لها في المقروء والمسموع والمرئي معاً، وحققت الريادة في معيار التدوين الذي ألزمت نفسها به فهي لم تُسبَق ولم تُلحَق في رفد والمحافظة على التراث الغنائي والموسيقي، كل ذلك خلال عام على انطلاقتها.