كعادة كل الحلبيين عندما يجتمعون في سهراتهم يكون الغناء والطرب هو قاسمهم المشترك والحاضر في سهراتهم، حيث يغنون ويرقصون على نغم التراث الأصيل حتى وقت متأخر من الليل، كان لقاء منسقاً ومرتباً من "مدونة الموسيقا" التي حرصت على جمع المطرب الشاب "أديب عبد الله" الذي غنى بعضاً من المقطوعات الطربية والقدود والموشحات على أنغام عازف العود القدير والخبير "نعمان زينو" بمرافقة عازف الإيقاع والرق محمد غنوم.
العَازِفُ زينو فِي سُطُورٍ
يقول العازف "نعمان زينو": أنا من مواليد عام ١٩٤٥ من "حارة الباشا" العتيقة؛ حب الغناء والعزف بدأ معي مبكراً، حيث تعلمت العزف على آلة العود على يد مدير الجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون الموسيقار الراحل "أحمد نهاد الفرا"، وكان مقر الجمعية في شارع المتحف، حيث طلب مني شراء عود وأذكر أنني دفعت ثمنه مئة وعشر ليرات سورية، وبقيت أتعلم عنده لمدة أربعة أعوام حتى أتقنت العزف على أصوله مع تدريسي الصولفيج والقدود والموشحات والإيقاعات.
العَزفُ مَعَ الفَنَّانِ الرَّاحِلِ "محمد خيري"
وفي سن العشرين وفي عام ١٩٦٥ غادرت "حلب" إلى "بيروت" للدراسة الجامعية (الاقتصاد والتجارة) وهناك عرفني بعض الأصدقاء السوريين على المطرب الحلبي الراحل "محمد خيري" حيث كان يبحث عن عازف عود لفرقته، وبعد سماعه لعزفي أعجب بي قال لي (اعتبر نفسك منذ الآن أنت في عداد فرقتي)، والتزمت معه وبكافة حفلاته وسهراته الفنية ولم نفترق حتى عام 1972 وعزفت معه أجمل الحفلات والسهرات الفنية على مسارح وصالات "بيروت"، وسنحت لي الفرصة العزف بحفلة واحدة مع المطرب اللبناني المشهور "محمد جمال".
العَودَةُ لِحَلَب
وفي عام 1973 انهيت دراستي بـ"بيروت" وعدت بعدها لمدينة "حلب" وتابعت هوايتي الموسيقية وعزفت بأغلب الفرق الغنائية مع المطربين الحلبيين أمثال "أديب الدايخ وصبري مدلل وأحمد طحان وسمير عجوم وصفوان العابد وسمير جركس وحمام خيري وأحمد أزرق و عبد الله الأغا" وكان يتم ذلك على شكل دعوات لحفلات معينة وخاصة. وبسبب تقدمي في العمر وعدم قدرتي على السهر اقتصر عملي الفني على دعوات الأهل والأصدقاء والمقربين وتدريس المواهب الشابة.
صَقلُ المَوَاهِبِ الغِنَائِيَّةِ مَجَّانَاً
ويختم العازف "نعمان زينو" حديثه بالقول: وبعد مضي أكثر من خمسين عاماً في العزف على آلة العود وهبت خبرتي الفنية والموسيقية لتدريس العزف على آلة العود للمواهب الغنائية الشابة وتطوعاً ومجاناً من دون أي مقابل، وهمي الوحيد تعليمهم وتدريسهم أصول العزف والصولفيج والقدود والموشحات بأسلوب صحيح.
المَوهِبَةُ الغِنَائِيَّةُ "أديب عبد الله"
"أديب" من مواليد عام 2007 يملك صوتاً جميلاً يغني القدود والموشحات؛ بدأ مشواره الغنائي بحفظ أغاني الراحل "صباح فخري" "أه ياحلو يا مسليني" وموشح "هاتي يا صاح" و"يا ناس أنا مت بحلب" ورواد الطلائع حيث نال المركز الثالث على مستوى المحافظة.
دِرَاسَةٌ فَنِّيَّةٌ وَصَقلُ الذَّاتِ
درس "أديب" في المعهد الموسيقي للراحل "صباح فخري" عند الموسيقار "عبد الحليم حريري" لمدة سنتين ومن ثم تابع دراسته الفنية في "نادي شباب العروبة" بإشراف الفنان "صفوان العابد" ولازال ملتزماً بدروسه في النادي حتى الآن.
البُكَاءُ فِي الحَربِ سَبَبُ حُبِيَ لِلغِنَاءِ
وعن أسباب تعلقه بحب القدود والغناء يقول المطرب الشاب "أديب" لـ"مدونة موسيقا": للأسف عشت مع أهلي ظروف الحرب الصعبة وأنا طفل بعمر خمس سنوات وانقطعت عن مدرستي وتعليمي، وتنقلنا من منزل لآخر بحثاً عن الأمان المفقود، وفقدنا الكثير من ممتلكاتنا وهجرت حارتي وأقربائي، وكنت بيني وبين نفسي أبكي كثيراً وأغني الغناء الحزين مثل "ها الأسمر اللون ها الأسمراني.. تعبان ياقلب خيو هواك رماني" وأغنية "سيبوني ياناس بحالي بحالي أروح مطرح ما روح" وكان الغناء بوقتها سلوتي الوحيدة لرفع معنوياتي المنهارة؛ وتطور الأمر معي بدعم أهلي والمقربين وأعجبوا بجمال صوتي، ومع انتهاء ظروف الحرب التزمت بدراستي التعليمية والفنية، ووضعت نصب عيني جمع العلم والفن معاً والوصول لأعلى المستويات والتعمق بدراسة القدود والموشحات.
آَرَاءٌ فَنِّيَّةٌ نَاقِدَةٌ بِحَقِّ أديب
أجمع مدرساه -الفنان المطرب "صفوان العابد" والموسيقار "عبد الحليم حريري"- على نقاء وجمال صوت الموهبة المطرب الشاب "أديب عبد الله" وبما يملكه من حنجرة وإحساس وغناء جميل في صوته وطريقة أدائه للقدود والموشحات، طالبين منه الاستمرار بالدراسة، وتوقعا له مستقبلاً فنياً مشرقاً في عالم الغناء.
أما عازف العود "نعمان زينو" فقال: "يملك "أديب" صوتاً جميلاً ومقدرة جيدة وأعجبتني طريقة غنائه الهادئة من دون انفعال، ونصيحتي له التعلم بسرعة على أتقان العزف على آلة وترية كما يهوى ويحب هو وله مستقبل واعد".
والد المطرب "أديب" قال: "نحن في العائلة جميعنا نحب الغناء والطرب الأصيل، ولكن ضمن حدود عائلية بعيداً عن الشهرة، وخلال ظروف الحرب بدأ ابني "أديب" الغناء وتوقعت أن الأمر عادي ليس أكثر، ومع اشتداد ظروف الحرب بدأ الغناء الحزين بصوت جميل لفت الأنظار إليه، وهنا كان لايمكن لي الوقوف مكتوف الأيدي، ومع انتهاء ظروف الحرب وبنصيحة المقربين حرصت على إلحاقه بالمعاهد الغنائية والفنية، ولكن بالنسبة لي كأب هدفي عدم إهمال التعليم على حساب الغناء وأريده متفوقاً في الجانبين معاً. وأشكر مدرسيه الذين اهتموا بموهبته ودعموه بلاحدود وقالوا لي "أديب" صوته جميل ومميز لا تتركه من دون رعاية واهتمام.. وهذا ما فعلته".