يعدّ الباحث الموسيقي المهندس "أحمد ظافر جسري" والمولود في مدينة "حلب"، "حي بانقوسا" في عام ١٩٤٩ واحداً من أهم المراجع الفنية والموسيقية على الساحة المحلية، وبما يختزنه ويحفظه من المعلومات الموسيقية، هو الذي نشأ وعاش ضمن أسرة فنية بحتة تعشق التراث والغناء والموسيقا، ومنها نهل وتعلم الكثير على أيدي كبار الخبرات الموسيقية بمدينة "حلب"، وتابع مشواره بالفن والغناء والاجتماع مع نخبة مطربي وملحني المدينة، وزاد في حبه وعشقه للموسيقا نجاحه في تطوير صناعة آلتي العود والقانون.
بِدَايَاتٌ نَاضِجَةٌ
يقول الفنان "ظافر" في حديثه الخاص لموقع "مدونة الموسيقا": «ولدت في عائلة فنية تعشق الطرب والغناء، فجدّي "مراد حيلاني" كان من شيوخ قرّاء القرآن الكريم بالمقامات، وجدي الآخر هو المنشد "عبد الرحمن الجسري"، وجارنا "الحاج صبحي داية شمرجي" كان مهتماً بالشعر والغناء والأدب حيث كان دكانه نادياً لكثير من المطربين أمثال "محمد نصار وأحمد فقش وغيرهم"، ومنذ صغري كنت مولعاً بالمطربة "أم كلثوم" و"عبد الوهاب" و"عبد الحليم حافظ" ويستهويني ما كنت أسمعه منهم دون غيرهم، وأنا في المرحلة الابتدائية حفظت أغنيات "أروح لمين" و"عودت عيني على رؤياك" و"يا ظالمني" و"بحلم بيك"، وكانت تعقد في منزلنا مساء كل يوم خميس سهرة وأمسية يتم خلالها الاستماع لأغاني "أم كلثوم" التي تبث من إذاعة صوت العرب من "القاهرة"، ومع سماعي وحفظي للمطربين المذكورين كنت أهوى القدود والموشحات والطرب الحلبي، وحفظت موشح "جادك الغيث"، ثم في المرحلة الثانوية تعلمت العزف على العود في نادي النهضة على يد المدرس "جان شبابي" مع دروس غناء الكورس والقدود والموشحات وأوزان الإيقاعات والأدوار، ومع نجاحي بالثانوية بتفوق التحقت بكلية الهندسة الميكانيكية بجامعة "حلب"، وفي تلك الفترة اقتصر نشاطي الفني على حفلات خاصة بالغناء لعبد الوهاب، وتابعت مشواري الفني أكثر بالعزف على العود وتعلم قراءة النوتة لدى العازف "محمد قدري دلال" و"سيف الدين زين العابدين"».
تَشكِيلُ فِرقَةٍ فَنِّيَّةٍ
وبعد تخرجه من الجامعة وفي عام ١٩٨٢ شكل مع الفنان "يحيى زين العابدين" فرقة موسيقية مهتمة بالغناء، كان فيها عازف العود الشهير "محمد قدري دلال" وعازف القانون المرحوم "وحيد سقا" وأخذ فيها "ظافر" دور المطرب الذي يغني من التراث العربي القديم مع القدود والموشحات.
وتألقت الفرقة وذاع صيتها بمشاركة الشيخ "صبري المدلل" وأصبحت الحفلات تقام بشكل أسبوعي "والجسري" يغني -كما يقول- "لعبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم" والشيخ "صبري" يغني التراث الحلبي، واستمرت الفرقة حتى عام ٢٠٠٤ بتقديم حفلاتها من دون انقطاع.
سَفرَاتٌ خَارِجِيَّةٌ
سافر الفنان "ظافر جسري" في عام ١٩٨٩ برفقة الشيخ "صبري المدلل" وعازف العود "محمد قدري دلال" لإقامة حفلات لغناء القدود والموشحات في "فرنسا" و"النمسا" و"مهرجان قرطاج بتونس" و"الدنمارك" لتعليم وتدريس الطلاب أصول غناء القدود والموشحات وبعض الأغاني العربية.
مِن مَدرَسَةِ عبد الوهاب
يقول الفنان "ظافر جسري": «خلال فترة التسعينيات وبعد أن تمكنت من العزف على العود غنيت أغلب أغاني الراحل "محمد عبد الوهاب" وأقمت عدة حفلات لهذا الشأن. ومن أهم أعمالي الفنية ربط السلم الموسيقي بعلم الرياضيات والأسس الناظمة بدرجات وأبعاد المقامات، بعدها وفي عام ٢٠٠٣ شكلت فرقة الأدب الموسيقية وتألفت من عازفي العود الدكتور "فؤاد باقر" و"أيمن جسري" وعازف الناي "توفيق رمضان" وعازفي الكمان "معتز رمضان وباسل حريري" وضارب الإيقاع "محمود شغالة"، أقمنا خلال تلك الفترة أكثر من خمسين حفلة».
تَألِيفُ كِتَابِ آَدَابِ الغِنَاءِ وَالمَغنَى
أغنى "الجسري" المكتبة الفنية بكتاب قيّم من تأليفه صدر في عام ٢٠١٩ يقع في مئة واثنتي عشرة صفحة، تحدث فيه عن تطور التراث الفني واختيار المفردات الصحيحة في الغناء وقواعد اللفظ الغنائي وآداب الغناء في الحفلات الخاصة والليلية، وتطويع الصوت لإرادة المغنّي وعن النجومية وتفاعل المغني، وأبواب وعناوين أخرى كلها تعتبر بمثابة نصائح تحث على احترام الذوق العام للجمهور المستمع وضرورة حذف الكلمات الهابطة من الأغاني وأبدالها وبما يحترم شعور الجميع.
تَطوِيرُ العُودِ وَالقَانُونِ
عمل الفنان "الجسري" على تقديم دراسة وطبقها على تطوير آلة العود لأجل تحسين جودة الصوت من خلال تعديل الأطوال والأبعاد والقياسات وتبديل نوعية الخشب. وكذلك القانون تم اختراع عربة تحت كل وتر أعطت دقة منزلقة بمقدار نصف "كومة" لتكون النتيجة الحصول على ١٥ ميزة إضافية، أضافت جمالاً لصوت القانون.
ويختم الفنان "الجسري": «بعد رحلة خمسين عاماً في عالم الفن لازلت أعتبره بحراً واسعاً من العلوم وفي كل يوم نكتشف الجديد الذي يطوره، وعندي حالياً مشروع لتقديم ٥٠ لحناً جديداً من قصائد شعرية "لنزار قباني وعمر أبو ريشة والياس سلوم" وغيرهم بالتعاون مع "سعد مزيك" الذي يساعدني بالتنويط».
شَهَادَاتُ أَهلِ الكَارِ
الباحث الموسيقي "مصطفى عرب" قال: «يعتبر المهندس "أحمد ظافر جسري" واحداً من أفضل من أعطى الموسيقا العربية أبعادها في مدينة "حلب" وساهم في توثيق التراث والقدود والموشحات وأدب الغناء وتطوير آلتي العود والقانون، تشاركنا معاً في تقديم الكثير من الندوات والمحاضرات الفنية في المراكز الثقافية، حيث كنت أنا من أعطيها بشكل نظري وهو يطبق ما أقول بشكل عملي. وقدمنا أبحاثاً مهمة عن كبار فناني "حلب" مثل "عمر البطش" و"بكري الكردي" وعديد كبار فناني المدينة في سبيل تخليد عطائهم وذاكرهم للأجيال الصاعدة حتى يستفيدوا منها».
الفنانان "عدنان جسري" وعازف الكمان "محمد شريفة" قالا: «يعتبر الفنان "ظافر جسري" علامة مهمة وموسوعة متنقلة في الموسيقا والغناء واللحن العربي. في مخزونه كم كبير من المعلومات عن تاريخ القدود والموشحات. أعطى الكثير للموسيقا المحلية والعربية، ورغم تقدمه بالعمر لكن لازال يملك صوتاً وعزفاً وإحساساً جميلاً يمتع ويطرب من يتابعه».